لبنان: صندوق النقد يصوب ويتعاون وللمصارف رؤية ورأي

  • 2020-05-07
  • 23:15

لبنان: صندوق النقد يصوب ويتعاون وللمصارف رؤية ورأي

حتى يصير الانقاذ انجازاً لصالح المواطن والوطن

  • علي زين الدين

بمعزل عن الاختلافات والكيديات الداخلية المعهودة وعن هويات مصادرها كافة، حققت الحكومة اللبنانية خطوة نوعية باقرار خطة التعافي الاقتصادي والمالي، وعززتها بتوقيع الطلب الرسمي إلى صندوق النقد الدولي، بعدما بدا أن هذا الخيار الأساسي ليس "ميسراً" على الرغم من فرادته في إمكانية ضخ سيولة العملات الصعبة في القنوات المالية اللبنانية المقبلة على جفاف تام وتداعيات أشد ألماً اقتصادياً واجتماعياً.

لكن تطوير هذه الخطة لتصبح "انجازاً" في سجل الدولة وانقاذاً لناسها وثروات البلاد والعباد، دونه شروط وعقبات لا تقل أهمية وجدوى عن الضرورة الملحة للمبادرة ومندرجاتها وأهمية تحديد الفجوة المالية ورسم معالم خريطة الطريق الزمنية لردمها خلال 5 سنوات، على الرغم من الإصرار على تجنب المس بالقطاع العام واستثمار الأصول العامة في حمل الجزء الأكبر من تبعات الفساد العام والإنفاق "السخي" المبني على موازنات قانونية ودستورية والهدر والتهريب والتوظيفات والتنفيعات خلافاً للقوانين ومن دون أي اعتبار لحساسية الوضع المالي للدولة...

وريثما تتم بلورة الموقف المكمل للشريك الاستراتيجي الممثل بالسلطة التشريعية ذات الدور والصلاحيات المحوريين، ويتضح دور السلطة النقدية والقطاع المصرفي وسائر قطاعات العمل والانتاج، يمكن التصور بأن بعض "المطبات" التي تعترض السير الطبيعي للخطة، والذي ستتضح معالمه بعيد عقد جولات مفاوضات متتالية مع البعثة التي يوفدها صندوق النقد الى بيروت، في موعد يرجح أن يكون منتصف الشهر الحالي أو بعده بقليل، قد تكون "عصية" ومؤذية في حال صرف الاهتمام عنها وعدم مقاربتها بخلفيات مهنية تغلب الموضوعية على الشعبوية المعهودة.  

من باب الذكر للأساسيات، لا الحصر للوقائع، يستعرض مسؤولون معنيون وخبراء أبرز الملاحظات، كالآتي:

- إن صيغة "التشاور" عقب إقرار الخطة رسمياً في مجلس الوزراء، شكّل بذاته عطباً فورياً كان بالإمكان تلافيه عبر إطلاق حوار سياسي ومجتمعي مسبق يغني التوجهات ويصوب ما قد يعتريها من خلل.

- من المهم إعادة تغليب المنطق الاقتصادي في صوغ الخطة النهائية على المنطق المحاسبي، سيكفل تلقائياً تحويل "دفع الأثمان" إلى عملية إنقاذية تشاركية.

- يفترض أن تحوز قضية "الليرة" أولوية مطلقة قبل الشروع في أي معالجات. فإعادة الاستقرار النقدي وإنهاء الفوضى العارمة التي تسود الأسواق، يتقدمان عند الناس على أي تدبير آخر. وإذا كانت الحكومة وضعت سعراً استرشادياً ومحاسبياً في خطتها للدولار عند مستوى 3500 ليرة، ووضع مصرف لبنان سعراً متحركاً لصرف الدولار "الوافد" عبر الشركات المالية غير المصرفية عند 3200 ليرة، فإن مرجعية تحرير الصرف تطابق مرجعية تثبيته. وبهذا المعنى، فإن الغطاء السياسي الجامع الذي حمى سياسة حماية استقرار النقد عند 1507 ليرات وسطياً على مدى 23 عاماً متواصلاً، هو عينه الغطاء المطلوب لتحفيز قرار الحاكمية بالتنسيق مع وزارة المال وبموافقتها لإقرار سعر موحد جديد يمكن حمايته وجبه المضاربات السوقية التي كادت ترفع السعر الواقعي إلى عتبة 5000 ليرة.

- ينبغي الشروع، ومن دون أي تأخير، بإعداد مشروع قانون ملحق بقانون موازنة 2020 التي أقرها المجلس النيابي. والهدف تصويب أرقام النفقات والواردات وإخضاع توازنها المحاسبي لواقع انكماش النشاط الاقتصادي والتراجع المرجح لموارد الخزينة.

- من المسلم به، أن حق لبنان مشروع بطلب المعاونة المالية من صندوق النقد الدولي ومن خلال "تعظيم" حصته. لكن التمويل المنشود مشروط تقليدياً بالتزامات موازية تقوم على عاتق الدولة اللبنانية. وسجل لبنان ليس "المرجع الصالح" ، اذ تنصل تكراراً من تعهدات الإصلاح البنيوي والإداري التي التزمها في مؤتمرات دولية قدمت الدعم بالمنح والقروض الميسرة.

- من البديهي أن تكون الخطة الموضوعة محلّ نقاش وتصويبات قد تطول بنوداً رئيسية فيها، وخصوصاً ما يتعلق بتحرير سعر الصرف وإعادة هيكلة القطاع العام ومدى مساهمتها في إنعاش الاقتصاد واستعادته لديناميته، كذلك من المرتقب أن يصوغ الصندوق ترقباته الخاصة للنتائج على ضوء معاييره وحصيلة خبرات اتفاقاته المماثلة في اقتصادات متنوعة.

- من الملح تحديد مندرجات إعادة الهيكلة والآليات التنفيذية والمهل الزمنية والأدوار المناطة بالبنك المركزي من جهة، وبالقطاع المصرفي من جهة مقابلة، فالطرفان هما الممول شبه الوحيد للمالية العامة في السنوات ألأخيرة، وهما المعنيان، كل بما يخصه، في تحديد مسار استيعاب ما يلقى عليه من تبعات وما يتوجب عليه في المرحلة المرافقة واللاحقة لعقد الاتفاق النهائي مع الصندوق.

- يعول على الدور المركزي والفاصل لمجلس النواب في إعلاء الدستور والقوانين المرعية الإجراء وتصويب بنود الخطة كاملة تحت هذه اللافتة الكبرى التي تحكم أعمال الدولة ومؤسساتها وقراراتها وكذلك المالية العامة والنقد والاقتصاد الوطني وحقوق المواطنين وشؤونهم وثرواتهم وملكياتهم. وهذا الدور المحوري يجنب الخطة أي شكوك أو نزاعات قضائية مصاحبة أو لاحقة، كما يمنحها قوة مهمة في محاورة مسؤولي الصندوق والاتفاق معهم.

- من المهم جداً إعادة تنظيم العلاقة التعاونية بين ثلاثي الحكومة والبنك المركزي والمصارف وإنهاء الالتباسات التي أنشأتها مواقف وتدخلات لا تتفق مطلقاً مع متطلبات تجنب "ألآتي ألأعظم" وجمع الجهود والامكانات في جبه الكارثة المالية الحقيقية التي بلغها لبنان، والتداعيات التي تنتجها.

- يمكن للخطة التي تعمل جمعية المصارف على إعدادها ويتوقع إنجازها وتسليمها قبل بدء المفاوضات مع مسؤولي الصندوق أن تساهم في سد مواطن الخلل التي ظهرت في خطة الحكومة. وبحسب المعلومات المستقاة من مصادر مشاركة ومواكبة، فإن خطة الجمعية تتمحور حول زيادة الحصة الإنتاجية للاقتصاد من 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي اليوم إلى 35 في المئة، وتستهدف التخفيف من قوة الركود ورقعته في قطاعات الإنتاج وتسريع الجهود والتمويل المساهم بفعالية في تسريع التعافي المنشود.

- ينبغي استبدال "التخاصم" غير المبرر بتصويب العلاقة المالية بين ثلاثي الدولة والبنك المركزي والمصارف. وذلك عبر التوزيع "العادل" للخسائر والمسؤوليات بين الدائن ممثلاً بالمركزي والمصارف والمؤسسات المحلية والخارجية والمدين الممثل بالمالية العامة، من دون إلقاء أي أعباء على أصحاب الحقوق في البنوك من مودعين مقيمين وغير مقيمين ذنبهم الوحيد أنهم اقتنعوا بجدوى حفظ مدخراتهم في وطنهم ومحضوا الثقة لجهاز مصرفي أثبت حرصاً شديداً على التزام أرقى المعايير والمواصفات الدولية التي تخضع لها المهنة المصرفية.

- في انتظار أن تبدأ وزارة المال التواصل والحوار المباشر مع الدائنين من حملة سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) البالغة قيمتها نحو 31 مليار دولار، والتي استحقت جميعها مع إعلان الحكومة قرار تعليق السداد للأقساط ولعوائد القسائم كافة، ينبغي إرساء توازن موثوق بين التعثر المالي الذي يمكن للدولة أن تشرح معطياته وانكبابها على معالجته، وبين الحاجة الفعلية للعودة في أي وقت متاح للحصول على التمويل بالعملات الصعبة من الأسواق الدولية، سواء كان ذلك لتغطية الحاجات المالية للدولة، و/أو جذب مساهمات وودائع ورساميل عبر القطاع المالي الخاص.