إنجاز أعمال حفر أول بئر استكشافية في لبنان والنتائج سلبية

  • 2020-04-28
  • 17:20

إنجاز أعمال حفر أول بئر استكشافية في لبنان والنتائج سلبية

بين المتفائلين والمشككين المسيرة لا تزال طويلة

  • عمر عبد الخالق

منذ اليوم الأول لبدء أعمال حفر البئر الاستكشافية الأولى "بيبلوس-1" في البلوك الرقم 4، انقسم اللبنانيون عامودياً على أساس سياسي بين متفائلين وضعوا لبنان في مصافي الدول النفطية الكبرى، ومشككين توقعوا فشل أعمال الحفر حتى قبل وصول سفينة الحفر "TUNGSTEN EXLORER" إلى مرفأ بيروت.

وبين ضوضاء المتفائلين وسوداوية المشككين، كان هناك صوت منطقي يحاول الشرح بأن مرحلة الاستكشاف طويلة ويدعو إلى إدارة التوقعات والتعلم من الدروس النفطية عالمياً وفي دول الجوار وحماية هذا القطاع الحيوي من خلال مكافحة الفساد والاصلاح الاقتصادي .

نتائج الحفر

أظهرت النتائج الأولية للحفر وفقاً لوزير الطاقة والمياه اللبناني ريمون غجر النتائج الآتية:

- وجود الغاز على أعماق مختلفة داخل الطبقات الجيولوجية التي اخترقتها البئر في المنطقة الجيولوجية المحاذية للساحل اللبناني (Basin margin area) ما يجعل من هذه المنطقة منطقة جيولوجية واعدة.

-التثبت من وجود العناصر الأساسية لنظام جيولوجي – بترولي في البحر اللبناني، ولكن لم يتم التحقق من وجود مكمن غازي.

- التأكد من طبيعة الطبقات الجيولوجية وأوجه التشابه والاختلاف بينها وبين ما هو موجود في الحوض المشرقي، ما يعزز فهمنا للواقع الجيولوجي لجزء من البحر اللبناني.

-إن المعطيات والبيانات الجيولوجية والبتروفيزيائية التي تمّ الاستحصال عليها من هذه البئر هي ثروة من المعلومات التي ستساهم في تعزيز فرص حصول اكتشاف تجاري في المواقع المتعددة المحدّدة في الرقعة 4 من وزارة الطاقة والمياه والهيئة وأكثر من 60 موقعاً محدداً على امتداد البحر اللبناني.

- الاستحصال على عيّنات وقطوعات سيتم إخضاعها للتحليل من قبل شركة توتال والهيئة تمهيداً لتحديث النظام الجيولوجي – البترولي  للمنطقة.

"نحن راضون على الرغم من النتائج السلبية"

وهذه النتائج أكدتها أيضاً شركة توتال في بيانها أمس الإثنين، إذ أشارت إلى أنها أنجزت أعمال حفر البئر على عمق 4076 متراً وعبرت طبقة الأوليغو-ميوسين الجيولوجية المستهدفة بالكامل، ووجدت آثاراً للغاز ما يؤكد وجود نظام هيدروكربوني، غير إنه لم يتم العثور على خزانات في تكوين تمار، الذي شكل الهدف الرئيسي لهذه البئر الاستكشافية. ولفتت الشركة النظر إلى أنها ستجري دراسات على العينات التي حصلت عليها أثناء الحفر لفهم النتائج وتقييم احتمالات الاستكشاف عن كثب في البلوكين العائدين للائتلاف الذي تشغله في المياه اللبنانية مع شركتي "إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية.

وأشار المدير العام لشركة "توتال-لبنان" ريكاردو داريه إلى أن الشركة راضية عن نتائج حفر البئر الأولى على الرغم من النتائج السلبية.

المسيرة طويلة

وبعد هذه النتائج ارتفعت أسهم المتشائمين والمشككين بثروتنا حتى وصل البعض إلى الاحتفال بهذه النتائج وكأن ثروتنا هي ملك لعهد أو حكومة أو حزب سياسي.

وبالعودة إلى الوقائع نذكر أن البلوك 4 هو فقط واحد من 10 بلوكات بحرية لبنانية وأن نسبة الوصول إلى اكتشاف تجاري من البئر الاستكشافية الأولى هي 25 في المئة فقط، كذلك حتى ولو تم العثور على كميات تجارية فالنتائج النهائية لم تكن لتعلن قبل نهاية شهر حزيران/يونيو حتى تنهي توتال دراستها للعينات وتصدر تقريرها الرسمي، وفي حال تأكيد الاكتشاف التجاري تقوم الشركات بحفر بئر تقييمية قبل وضع خطة التطوير والانتاج التي تأخذ 3 إلى 4 سنوات وترصد الميزانية لتطوير الحقل التي تكلف مليارات الدولارات، وفي هذه الحالة لن يكون لبنان دولة منتجة للغاز قبل 2026 على أحسن تقدير.

مصر وقبرص وإسرائيل

وفي هذا السياق، دروس عدة يمكن تعلمها من دول شرق المتوسط التي نمتلك طبقات جيولوجية شبيهة بها، فمثلاً تم حفر آبار عدة في حقل ظهر المصري العملاق قبل الوصول إلى الطبقات التي تحتوي كميات تجارية. وفي قبرص كانت شركة "نوبل إينرجي" أول من أعلن في العام 2011 اكتشاف الغاز قبالة سواحلها في حقل "أفروديت" الذي يقدر احتواؤه على 4.5 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي ولم تبدأ اعمال الانتاج قبل العام 2019. أما اسرائيل ​​​​​فكانت أول من عثر على مخزون للغاز في أعماق البحر شرق المتوسط في العام 2009 وهي لم تبدأ الانتاج قبل العام 2016.

ما هي الخطوات التالية؟

في العادة، بعد اثبات غياب الكميات التجارية تلجأ الشركات الى حفر بئر استكشافية ثانية في حال أظهرت النتائج مكامن قرب البئر الأولى أو تقوم بالانسحاب كلياً من البلوك نظراً إلى التكلفة المرتفعة لحفر البئر. وتنص العقود الموقعة مع الكونسورتيوم في لبنان، والتي تمتد لخمس سنوات، على حفر 5 آبار في البلوكين 4 و9 منها بئر واحدة في البلوك الرقم 4 أول 3 سنوات من تاريخ العقد وبئر أخرى في السنتين الأخيرتين من العقد. وانطلاقاً من هذه النقطة، وفي ظل قيام شركات النفط العالمية بتخفيض نفقاتها الاستثمارية للعام الحالي والعام 2021 بنسب تتراوح ما بين 25 و40 في المئة، قد نشهد تأجيلاً لمدة سنتين لأعمال حفر بئر جديدة في البلوك الرقم 4.

أما في ما خص البلوك 9  يشير الوزير غجر إلى أن البيانات المكتشفة من حفر البئر "بيبلوس-1" ستساهم في تحسين عمليات التحليل المرافقة لأعمال الاستكشاف في البلوك 9 وفي تحديد أفضل هدف جيولوجي محتمل ليتمّ استهدافه في أعمال الحفر، ويوضح أن أعمال حفر البئر الأولى في البلوك قد تبدأ في آذار/مارس 2021، وكانت شركة توتال قد بدأت بإجراء دراسة للأثر البيئي للحفر في البلوك 9 إلى جانب استيراد بعض المعدات التي تحتاجها للحفر وتحضير دفاتر الشروط لعقود الخدمات.

دورة التراخيص الثانية

وقبل التفكير ببدء الحفر في البلوك 9 ينتظر لبنان انقضاء المهلة المحددة لتقديم العروض إلى دورة التراخيص الثانية التي تشمل 5 بلوكات بحرية والذي كان مقرراً في 30 نيسان/أبريل قبل تأجيله إلى حزيران/يونيو بسبب انتشار فيروس كورونا، وكانت الشركات الصينية أبدت اهتماماً بدورة التراخيص، ومن المستبعد أن تؤدي النتائج السلبية التي شهدناها خلال أعمال حفر البئر الأولى على حماسة هذه الشركات.

الإصلاحات الداخلية

وفي ظل كل هذه المعطيات، يجب أن ترتكز كل المساعي الحكومية والتشريعية والمدنية حول وضع خطة عمل استراتيجية لمستقبل الطاقة والنفط في لبنان وحول إقرار الإصلاحات الاقتصادية كي نتجنب إضاعة وقت إضافي بعد أن أضعنا أكثر من عقد في صراعات سياسية أخرت توقيع أولى عقود الاستكشاف والتنقيب. وهنا يصح أخذ العبر من الإنجازات في قطاع الطاقة المصري التي أبرزت قوة النموذج التنظيمي والتشريعي والإصلاحي المتكامل الذي ساهم في جذب الإستثمارات ودعم الاقتصاد وحوّل مصر إلى مركز إقليمي، كما على لبنان المضي قدماً في إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية.

27 شباط/فبراير، تاريخ بدء الحفر، هو بالفعل يوم تاريخي في لبنان بدأت فيه مسيرة طويلة لمحاولة الاستغلال الأمثل لموارده، وبعيداً عن المواقف الارتجالية وردات الفعل التي "لا تُغني ولا تُسمن" لم يكن الاكتشاف التجاري ليحسن تصنيف لبنان الإئتماني أو ينقذ لبنان من أزمته الاقتصادية بل الاصلاحات و محاربة الفساد هما الحلان الوحيدان.