بازار الدولار.. يستهلك "أخضر" اللبنانيين وليرتهم

  • 2020-04-27
  • 16:01

بازار الدولار.. يستهلك "أخضر" اللبنانيين وليرتهم

  • علي زين الدين

 ربما صار مملاً الحديث عن سوق سوداء لصرف الدولار في بيروت. فواقع الحال أن "المزاد اليومي" لتسعير العملة الخضراء احتكر سلطة تحديد الهوامش والسقوف، متخطياً تعاميم البنك المركزي المتلاحقة وفارضاً ايقاعه على العمليات داخل ردهات المصارف التي "تعجز" عن تزويد مودعيها بالدولار النقدي، ولا تستقر على آلية واضحة للتبديل بالليرة توخياً لتلبية حاجتهم إلى السيولة.

في الأحدث، حدد مصرف لبنان سعر الدولار في التداول لدى الصرافين عند 3200 ليرة مشفوعاً بحقهم في الهامش "المعتاد" بين الشراء والبيع، متخلياً عن السقف "النظري" السابق عند ألفي ليرة، وحدد سعر 3800 ليرة لصرف الحوالات الواردة عبر المؤسسات غير المصرفية، صاعداً من المستوى السابق عند ألفي ليرة. وسبق أن حددت المصارف سعر 2600 ليرة لتلبية السحوبات الودائع التي تقل عن 3 آلاف دولار، وترغب في تطبيق السعر ذاته على شريحة الحد الأعلى الجديد للسحب من الودائع بما لا يتخطى 5 آلاف دولار شهرياً.

واليوم الإثنين أفادت مصادر مصرفية لوكالة "رويترز"، أن البنوك ستحدد سعر الصرف عند 3 آلاف ليرة للدولار للسحب من حسابات بالدولار الأميركي في الأسبوع.

 

آلية العرض والطلب بالنسبة إلى الصرافين

وحدها الحاكمة وليس "الحاكم"

 

هي حقاً أحجية لا ينفع معها علم نقدي ولا تذاكي. فالسعر الواقعي لا يعترف بهذه المستويات السعرية ولا يخشى، على ما يبدو، الصفة المرجعية والملزمة التي كان يتمتع بها البنك المركزي. آلية العرض والطلب بالنسبة إلى الصرافين وحدها الحاكمة وليس "الحاكم"، وما من حاجة إلى دليل دامغ ما دام سعر التداول تعدى اليوم عتبة 4000 ليرة ووصل الى 4300 ليرة، قبل أن ينكفئ قليلاً الى 4200 ليرة، مع ملاحظة غلبة الشراء من قبل الصرافين المتجولين قريباً من مكاتب الشركات المرخصة بسعر 4000 ليرة.

يضاف الى هذه التشكيلة السعرية، تواصل اعتماد سعر 1514 ليرة لكل دولار في العمليات الخاصة بالمستوردات للسلع الأساسية من قمح ودواء ومحروقات، وتلبية حاجات المصارف التمويلية للغرض ذاته مضافاً اليه فائدة بنسبة 20 في المئة سنوياً، بينما يقتصر صرف الدولار النقدي لدى المصارف، وحتى إشعار آخر على الأموال "الطازجة" (Fresh Money )، وإن ترافق ذلك مع محاولات حجز جزء من المبلغ بذريعة عدم توفر السيولة. وفي المقابل، يتم تسويق منتجات مغرية لجذب الأموال الوافدة أو الدولار النقدي المخزن في المنازل غير المحدد حجمه الإجمالي وفقاً لتباين التقديرات ما بين 2 و 3 مليارات دولار.

أين أصحاب الحقوق من هذه الفسيفساء العجيبة؟

لا يقتصر الوجع النقدي على المودعين في المصارف والمدخرين في منازلهم، فأصحاب المداخيل من موظفين وأجراء في القطاع العام دخلوا مرغمين، ولو بوتيرة متدرجة، دوامة النزف القاسي من رواتبهم الشهرية وتعويضاتهم التي تقلصت تباعاً بمقدار هبوط الليرة المتواصل، بعد أن اطمأنوا منذ خريف العام 2017 الى "انجاز" سلسلة الرتب والرواتب. رفقاؤهم في القطاع الخاص يتذوقون المرارات مضاعفة في كل محطة. فالمستمرون منهم بـ "الاسترزاق"، بعد "كسب" عشرات الآلاف صفة العاطلين عن العمل، عانوا بداية من اقتطاع ثلث ونصف مداخيلهم بالليرة، ثم غمرهم طوفان الدولار بموجاته الصاعدة، فصار جلهم "يعمل لأجل العمل"، على غرار "الفن للفن".

وبعد..

وسط كل هذا التدهور في القدرات الشرائية وضياع " القرش الأبيض " لعموم أصحاب المداخيل والمودعين والمدخرين، يتأخر الإنقاذ المنشود وتنتعش الاحتجاجات الشعبية وإقفال الطرقات بمصاحبة أعمال شغب مضرة، فيما يتبارى أهل الحل والربط في التبرؤ من دم ابن يعقوب وفي شد الخناق على رقاب الناس وتخويفهم بـ "الآتي الأعظم"، بل يضعون الملح على الجروح الغائرة عبر استخدام المنابر "المؤسساتية" للنيل من مؤسسات تابعة أو متبوعة، وكأن الاحتكام الى أجهزة الرقابة والتفتيش والقضاء معيب بحق "رجال الدولة".    

هم يعلمون، كما يجمع "المستشارون" ومؤسسات التقييم والخبراء والمحللون، أن طريق الإنقاذ واضح المعالم. وقد شرعت الحكومة اللبنانية فعلياً بتنقية مسودة الخطة وإدخال ما يلزم من تعديلات في ضوء المواقف والملاحظات، وإذ يؤمل إنجاز هذه الخطة المنشودة قبل منتصف شهر أيار/مايو المقبل، فإن الثابت أنه ما من أبواب يمكن طرقها للحصول على الدعم المالي الخارجي سوى عن طريق الصندوق والبنك الدوليين، وقد زادت القناعة العامة رسوخاً، عقب سيطرة "كورونا" على الاقتصاد الدولي وأسواق العالم، بأن الصعوبات والتعقيدات أضحت أقرب إلى الاستحالة في البحث عن مانحين ومقرضين خارجيين، وبما يشمل منظومة مؤتمر "سيدر" التي ستتأخر إلى وقت غير معلوم.

وفي التقديرات، إن الإنقاذ الممكن يستلزم ضخ ما بين 25 إلى 30 مليار دولار، بالترافق مع إعادة هيكلة الدين العام البالغ "رسمياً" نحو 92 مليار دولار، والمرجح بلوغه نحو 160 مليار دولار عند احتساب محفظة ودائع وشهادات إيداع الجهاز المصرفي لدى البنك المركزي، والمتوفر خارج التزامات الدين لا يتعدى 21 مليار دولار، كاحتياط عملات صعبة لدى مصرف لبنان، والملتزم بحصر الاستخدامات بتلبية الحاجات الملحة لمستوردات السلع الضرورية والتحويلات ذات الضرورات القصوى وفي الحدود الدنيا.