هل يمكن للدول استغلال كورونا للحدّ من التغير المناخي؟

  • 2020-04-19
  • 17:30

هل يمكن للدول استغلال كورونا للحدّ من التغير المناخي؟

  • حنين سلّوم

بداية الشهر الحالي، قرر القيّمون على مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، أو United Nations Climate Change Conference (COP26)، إرجاء المؤتمر الذي كان من المقرّر انعقاده من 9 إلى 19 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020 في المملكة المتحدة، وذلك إثر تفشّي وباء كورونا وعدم استطاعة البلدان السيطرة عليه حتّى هذه الساعة، ولم يعلن حتّى اليوم عن الموعد الجديد للمؤتمر غير إنّه وفقاً لـ ريشيرد ديكسون، رئيس جمعيّة Friends of the Earth Scotland، يجب أن يعقد المؤتمر في النصف الأول من العام المقبل على أن تنعقد النسخة السابعة والعشرين منه، أي COP27، في خريف 2021.

وعلى الرغم من الضرر الكبير، الاقتصادي والاجتماعي، الذي رافق انتشار فيروس كورونا، فإن فرض الحجر المنزلي وإغلاق عدد كبير من المدن بما فيها مصانع ومعامل وحركة مرور ساهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل لافت للانتباه، وهذه من الإيجابيات الكبيرة للفيروس، ذلك أنه لو أرادت الحكومات أن تعمل مع الشركات من أجل الخفض الحاصل، ربّما كانت ستحتاج إلى قرارات قاسية وإجراءات خارج المألوف والتي كان من الممكن أن ترفضها الشركات تحت ذرائع اقتصادية.

وصحيح أن انشغال الحكومات في محاولة إنعاش الاقتصاد الذي سرّع الوباء في ركوده، صرفها عن خطط التغير المناخي الذي كان من المفترض أن يستحق بعض بنودها هذه السنة وذلك وفق اتفاق باريس. ولكن، بخلاف ما يزعمه البعض، فإنّ ثمة من يرى أن انقاذ المناخ لا يتعارض مع انقاذ الاقتصاد بل على العكس، قد تكون هناك فرصة أمام الدول في استغلال تداعيات الجائحة من أجل الحدّ من التغير المناخي وذلك من خلال حزم المساعدات التي رصدت لمنع انهيار اقتصاداتها والعودة بها إلى النهوض، إذ يمكن لها استخدام هذه الحزم لدفع الشركات إلى تصويب خططها المناخية، فهل يمكن ذلك؟

 كيف تستطيع الحكومات تصويب أهداف الشركات؟

سارعت الحكومات أخيراً الى الإعلان عن الحزم التحفيزيّة الأضخم والتي تخطّت تريليونات الدولارات حتّى الآن، وذلك لمساعدة الأفراد والشركات على تخطّي هذه المرحلة. لنأخذ على سبيل المثال، الحزم التحفيزيّة التي قدّمتها الولايات المتّحدة الأميركيّة والتي وصلت إلى تريليوني دولار، ومن بين المستفيدين من هذه الحزم، قطاع النقل الجوي أي شركات الطيران التي حصلت على مبلغ 58 مليار دولار أميركي مجزأ إلى قسمين، الأول، أي 29 مليار دولار، على شكل هبة والقسم الثاني على شكل قروض وضمانات للقروض، وجميعنا على دراية أنّ قطاع النقل الجوي يشكّل أحد مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة، خصوصاً ثاني أوكسيد الكربون فقد انبعث 915 مليون طن من الطائرات سنة 2019 كما إنّ القطاع مسؤول عن 12 في المئة من ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن قطاع النقل وذلك وفقاً لـ Air Transport Action Group. فالسؤال هنا هو التالي: كيف تستطيع الحكومات مساعدة هذه الشركات على تخطّي هذه المرحلة وتصويب أعمالها في آن واحد؟ والجواب بسيط: على الحكومات أن تفكّر في المدى البعيد (long-term) أثناء اتخاذ القرارات القصيرة الأجل (short-term). كيف؟ تستطيع الحكومات إعطاء هذه الحزم (خطّة قصيرة الأجل) الهادفة إلى مساعدة الشركات والاقتصاد ولكن شرط أن تتعهّد هذه الشركات باتخاذ التدابير اللازمة لخفض الانبعاثات عند انتهاء الأزمة (خطّة طويلة الأجل). في الواقع أنّ قطاع النقل الجوي ليس سوى مثال، ولكن باستطاعة الحكومات تطبيق ذلك في مختلف القطاعات لضمان تحقيق الأهداف البيئية من دون أن يتعارض ذلك مع انقاذ ما تبقّى من الاقتصاد.

Green Financing لتحفيز النمو الاقتصادي

Green Financing أو التمويل الأخضر وهو استخدام الأدوات المالية، مثل السندات أو القروض، بغرض الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة مثل الطاقة المتجدّدة وغيرها فتسمّى بالسندات الخضراء والقروض الخضراء. وكما سبق وذكرنا في مقال سابق السندات المناخية: دعم حقيقي أم "غسل أخضر"؟، سجّلت سنة 2019 عدداً قياسياً في إصدار السندات الخضراء، إذ استطاعت الشركات والمؤسسات الماليّة والحكومات إصدار 496 سنداً أخضر بقيمة إجماليّة بلغت 248 مليار دولار أميركي لتمويل مشاريع صديقة للبيئة معظمها في قطاع الطاقة (31 في المئة)، المباني (30 في المئة)، والنقل (20 في المئة). ولكن، ما هو دور التمويل الأخضر في الأزمة الراهنة؟

في الواقع، قد يلعب التمويل الأخضر دوراً أساسياً في تحفيز النمو الاقتصادي من جهة، عبر تقديم الاستثمارات اللازمة، ويسرّع عمليّة التحول إلى الطاقة النظيفة والحدّ من التغير المناخي، إذ يمكن للحكومات والشركات إصدار سندات خضراء أو أخذ قروض خضراء، خصوصاً أنّها أصبحت تلقى رواجاً من المستثمرين للاستثمار في قطاعات صديقة للبيئة، وبذلك تكون الحكومات أو الشركات قد خلقت فرص عمل في القطاعات المستهدفة فساهمت بتحفيز النمو الاقتصادي وسرّعت عمليّة مكافحة التغير المناخي في آن واحد.