هل يبقى القطاع العقاري في لبنان الملاذ الآمن للمستثمرين؟

  • 2020-04-16
  • 11:27

هل يبقى القطاع العقاري في لبنان الملاذ الآمن للمستثمرين؟

استثمارات جديدة واختلاف بنوعية المشاريع وتعويل على دور الدولة

  • عمر عبد الخالق

خلال الأشهر الماضية، شهدت الساحة اللبنانية حركة ناشطة لجهة استبدال اللبنانيين لودائعهم المصرفية بالعقارات على اختلافها باستخدام الشيكات البنكية، لكن سرعان ما خفّت هذه الحركة لتسجّل نوعاً من الجمود بسبب تفشي فيروس كورونا، و"إعلان التعبئة"من قبل الحكومة اللبنانية الذي أدى إلى إقفال المصارف في مختلف المناطق اللبنانية.

وكانت المعاملات العقارية في لبنان سجلت خلال الأشهر (كانون الأول/ديسمبر، كانون الثاني/يناير، شباط/فبراير) زيادة لافتة للانتباه ولاسيما لجهة حجم البيوعات المسجلة، إذ أظهرت أرقام المديرية العامة للشؤون العقارية أن إجمالي البيوعات المسجلة بلغت نحو 2.9 مليار مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الرقم لا يشمل العقود كافة لأن هناك بعض العقود التي تم توقيعها ولم يتم تسجيلها بعد في الدوائر العقارية. ويوضح أمين سر نقابة المطورين العقاريين مسعد فارس في حديث لـ "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن حركة شراء العقارات بشيكات مصرفية ستظهر مجدداً مع عودة الأمور إلى طبيعتها.

ويشرح فارس أن الحركة العقارية لا قاعدة واضخة لها اليوم والوضع القائم هو "كل يوم بيومو وكل حالة بحالتا"، إذ يترقب الجميع في هذه الأيام التعميمات التي يصدرها مصرف لبنان والتي قد تبدّل أولويات المودعين والراغبين في البيع في ظل غياب أي خطة دعم أو سياسة عقارية وطنية محفزة، ويضيف أن حجم الاستثمارات تغير بشكل كبير أخيراً "فكنا نتعامل مطلع العام مع راغبين بالشراء والاستثمار بمبالغ تتراوح ما بين 1 و3 ملايين، أما اليوم فنحن أمام استثمارات تصل إلى حدود 30 مليون دولار مع تحول الرغبة من شراء المباني والشقق إلى تملك العقارات الكبيرة الخالية".

توقعات بانخفاض الطلب على المكاتب

أما بالنسبة إلى الطلب العقاري اليوم وفي المستقبل القريب، فيوضح المدير العام لشركة CENTURY 21 1ST GLOBAL اللبنانية احمد الخطيب لـ "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن الطلب سينخفض على المكاتب كذلك على الشقق الكبيرة والمتوسطة، مشيراً إلى أن الفرصة الذهبية التي استفاد منها أصحاب الشقق الكبيرة في الأشهر الماضية لتسييل شققهم قد لا تتكرر قريباً خصوصاً في ظل الغياب المتوقع للمستثمرين المغتربين أو الأجانب.

ويضيف أن الاتجاه نحو الشقق الذي كان سائداً، تحول إلى الأراضي، كما إن عدد الراغبين في البيع مقابل شيكات مصرفية تراجع بشكل كبير، ومعظم الراغبين في التملّك يرغبون في شراء الأراضي ذات المساحات الكبيرة وصولاً إلى مليون متر مربع والمصنّفة زراعية وصناعية في ظل ازدياد الحديث عن الامن الغذائي.

شركات التطوير العقاري تواجه كورونا بتعديل استثماراتها

وكما تغيرت اهتمامات المودعين، تبرز اليوم تحديات أمام شركات التطوير العقاري لمواجهة أزمة كورونا من خلال تعديل استثماراتها المستقبلية للصمود في وجه الأزمة الاقتصادية والتفاعل مع حاجات الناس الجديدة وطبيعة الأسواق في ظل تبدل أولويات اللبنانيين وتغير نمط حياتهم وأعمالهم، وفقاً لـ فارس.

وهذا ما تشدّد عليه أيضاً ميراي القراب أبي نصر نائب رئيس جمعية مطوري العقار ومدير تطوير الأعمال في شركة "FFA Real Estate" في حديثها مع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" قائلة: "تغيير مفهوم التطوير العقاري الخاطئ السائد في لبنان وابتعاده عن إنشاء الوحدات السكنية والمباني والمكاتب فقط سيشكل خشبة خلاص للقطاع وللشركات". وتلفت النظر إلى أن مشاريع المدن الصناعية والزراعية والطبية والصحية والـSILICON VALLEY هي مستقبل القطاع، مشددة على أن المناطق البعيدة عن بيروت ستكون محط أنظار المطورين كون هذه المشاريع تحتاج إلى مساحات كبيرة. وبالنسبة إلى المشاريع الجديدة تشرح القراب أن المطلوب اليوم مشاريع في قلب الطبيعة وليس تكسير الطبيعة لبناء مشاريع، وتضيف: "في السابق كنا نعمل على التصاميم لإبقاء مساحات خضراء بينما المساحة الخضراء بالتصاميم اليوم تأتي في سلم الأولويات قبل البناء".

وهذه الاستثمارات كافة ستساهم في ما بعد في خلق فرص عمل وتنشيط قطاع السياحة والخدمات وقد تعيد جذب الاستثمارات الخارجية. وعلى صعيد شركة FFA  توضح القراب أن الشركة تقوم منذ زمن بتنويع مشاريعها بين السكنية والصحية والسياحية والمجمعات المتكاملة الصديقة للبيئة إيماناً منها بأهمية الاستفادة من نقاط القوة كافة التي يمتلكها لبنان وبأن التطوير العقاري هو تطوير شكل البلد ومناطقه كافة.

شركات الوساطة العقارية لم تستفد جميعها من "الفورة"

وماذا عن شركات الوساطة العقارية في ظل كل هذه المستجدات؟ يجيب الخطيب بأن شركات الوساطة لم تستفد جميعها من فورة استبدال الودائع بعقارات نظراً إلى أن عدداً كبيراً من الصفقات كان يتم مباشرة بين المطور وصاحب الوديعة أو من خلال المصارف، وهي تعاني منذ سنوات وقد تؤدي الأزمات الحالية إلى إقفال عدد منها. ويوضح بأن صمود الشركات كافة أمر صعب، إذ بدأ بعضها بالإقفال، وقد نشهد عمليات اندماج بين شركات تعمل في مناطق مختلفة. اما الشركات التي ستستمر بعملها، فيشير الخطيب إلى أن عدد موظفيها سينخفض بكل تأكيد وسيقفل بعض مكاتبها في حال كانت لديها أكثر من فرع. ومن الأمثلة عن الشركات التي أقفلت أبوابها يشير الخطيب إلى شركة كانت ناشطة جداً في قضاء المتن الشمالي واضطرت إلى الإقفال التام مع تحول صاحبها نحو مهنة المحاماة.

استثمارات جديدة: إعادة التأجير

ومن الاستثمارات الجديدة التي بدأت بالظهور، وفقاً لـ فارس هي الاستثمار من أجل إعادة التأجير او ما يعرف بـBUY TO RENT، وقد جرى الأسبوع الماضي إتمام عملية في هذا المجال بقيمة تقارب 20 مليون دولار، ويشمل هذا النوع من الاستثمارات قيام شركات كبيرة ببيع مكاتبها ومقراتها إلى مستثمرين لحل أزمة سيولة قد يعانون منها مقابل توقيع عقود إيجار طويلة الأجل لهذه المكاتب مع المالك الجديد.

وفي موضوع الصناديق الاستثمارية يوضح فارس أن اقتراح إنشاء صناديق عقارية بمبالغ كبيرة قد تراجع لمصلحة إنشاء صناديق بقيمة لا تتجاوز الـ25 مليون دولار ومن أشخاص معروفين من بعضهم البعض.

كذلك يتوقع أحمد الخطيب بروز شراكات كثيرة بين مطورين عقاريين وشركات من قطاعات أخرى، وقد شهدنا أخيراً صفقات كهذه في إحدى شركات المواد الغذائية التي تستعد للدخول في شراكة مع مطور لبناء مستودعات لها لتوسعة أعمالها مقابل حصول المطور على حصة في الشركة الغذائية.

منصة أزمة عقارية الكترونية

وفي مجال الاقتراحات والحلول، يشرح الخطيب الطرح الذي حاول تسويقه لمساعدة شركات الوساطة الذي ينص على إنشاء منصة أزمة الكترونية عقارية، ويستطيع كافة الراغبين بالشراء وضع طلباتهم على هذه المنصة على أن يقوم الوسطاء والمطورون الذين لديهم القدرة على تصفح المنصة على ارسال عروضهم مباشرة وذلك لتسهيل اتمام الصفقات، لكن غياب الإطار الموحد الذي يجمع شركات ومكاتب الوساطة العقارية كافة أفشل هذا المقترح.

 

دعوات للتعاون بين القطاعين العام والخاص

أما على صعيد الحلول الرسمية وعن دور الدولة في ظل كل هذه التغيرات، يشير مسعد فارس إلى أن الدولة اصبحت تعي اليوم أهمية إحياء العقلية الانتاجية لكن الانشغال بالأزمة الاقتصادية ومشكلة المصارف والأزمة الصحية المستجدة صرف الأنظار عن التركيز على وضع خطط مستقبلية واضحة للقطاعات ومنها التطوير العقاري.

ويشدد فارس أنه على الدولة التعاون مع المطورين في إطار مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص P.P.P  حيث تتشارك الدولة مع بعض المطورين لبناء مشاريع مدن صناعية متكاملة وغيرها على عقارات تمتلكها في الأرياف.

وفي السياق نفسه، توضح القراب أن جمعية مطوري العقار تتواصل مع الوزراء المختصين والمستشارين على صعيد فردي من خلال الأصدقاء ورسمياً عبر الهيئات الاقتصادية لمحاولة إقرار تحفيزات لقطاع التطوير العقاري "لأننا في أمس الحاجة إلى تشجيع المشاريع الصناعية والزراعية، ولإقامة هذه المشاريع يجب الحفاظ على المطورين العقاريين"، وتعيد القراب التشديد على ضرورة إلغاء المفهوم الخاطئ عند الناس والدولة بأن دعم القطاع العقاري يعني فقط الإسكان المدعوم، بل هناك تحفيزات ضريبية عدة وغيرها من الإجراءات التي قد تساهم في دعم القطاع وتشجع على ضخ الاستثمارات فيه.

وفي الختام، فإنه على الرغم من التشاؤم الذي يسود مستقبل القطاعات الاقتصادية في لبنان والعالم، فإن القطاع العقاري قوي واجتاز في الماضي ازمات كبيرة كانت تهدد استمراره وهو اليوم سيصمد في وجه الأزمات المستجدة وسيبقى الملاذ الآمن للمستثمرين.