ماذا قدمت مصر بمواجهة كورونا؟

  • 2020-04-02
  • 14:02

ماذا قدمت مصر بمواجهة كورونا؟

  • د. مغاوري شلبي علي - القاهرة

 

ما زال الاقتصاد العالمي ينزف في جميع قطاعاته الإنتاجية والخدماتية، ومن الطبيعي في هذه المرحلة أن تكون هناك صعوبة كبيرة للوقوف على حجم الخسائر الفعلية التي لحقت والتي سوف تلحق بالاقتصاد العالمي، وهذا الأمر ينطبق على جميع الاقتصادات ومنها الاقتصاد المصري، وعلى الرغم من ذلك، فإن جميع المؤشرات توضح أن تفشي الوباء أدى إلى تباطؤ معظم القطاعات والأنشطة الاقتصادية، كما إن الإجراءات الاحترازية التي طبقتها الدولة للحدّ من انتشار الفيروس أثرت بقوة على نشاط القطاعين الحكومي والخاص، وعلى نشاط جميع المنشآت الكبيرة والصغيرة، وعلى العاملين في القطاع غير الرسمي.

وبصفة عامة، تأثر القطاع السياحي بشكل كبير، وبالتبعية تكبّد قطاع النقل والسفر خسائر كبيرة، وتأثر الوضع المالي لشركة مصر للطيران بسبب وقف حركة الطيران لنقل المسافرين مع جميع دول العالم، وجميع الأنشطة المرتبطة بحركة السياحة والسفر إلى مصر، بداية من شركات الطيران والنقل البحري والبري وانتهاءً بسائق سيارة الأجرة في الشارع المصري، أيضاً أصبح القطاع الصناعي مرشحاً للتأثر بقوة بسبب التراجع المتوقع للصادرات الصناعية غير البترولية، وتأخر وصول مستلزمات الإنتاج الصناعي وقطع الغيار اللازمة لتشغيل المصانع، خصوصاً المستلزمات ذات المنشأ الصيني، وهناك توقعات بتراجع صادرات المواد البترولية والتعدينية بسبب تراجع الطلب العالمي عليها، هذا، الى جانب تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.

توقعات بزيادة الضغط على ميزان المدفوعات

أيضاً، هناك توقعات بزيادة الضغط على ميزان المدفوعات بسبب تراجع الصادرات وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتراجع إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، وهو ما ينذر بتعرض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار لضغوط، ليعود الدولار إلى الارتفاع أمام الجنيه مرة أخرى إذا طالت فترة الأزمة.

ولمواجهة حالة الارتباك التي سيطرت على الأسواق المالية والسلعية وعلى الأسواق المحلية والعالمية، سارعت الحكومة المصرية إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات، اذ ركّزت على مراجعة الخطة العامة للدولة، لأخذ المستجدات المترتبة على أزمة كورونا في الحسبان، ولتعبئة كل جهود الدولة وتوجيهها نحو مواجهة انتشار هذا الفيروس والحدّ من تداعياته الاقتصادية على الاقتصاد الكلي وعلى الشركات والمصانع وعلى الأسر والأفراد.

وكان أول القرارات الحكومية هو رصد موازنة خاصة لمواجهة تداعيات فيروس كورونا بمبلغ 100 مليار جنيه مصري، كما تمّ إقرار موازنة ضخمة للعام المالي 2020/2021، وذلك من دون وجود تفاصيل حول تأثير هذه الأزمة على جانبي الإيرادات والنفقات العامة وعلى عجز الموازنة المستهدف، وكذلك تمت مراجعة معدل النمو المستهدف في ظل التأثر المتوقع للاقتصاد المصري خلال الربعين الثالث والرابع من العام المالي الحالي الذي ينتهي في حزيران / يونيو 2020، وفي ظل تراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 15 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي، حيث تمّ تخفيض معدل النمو المستهدف ليتراوح ما بين 5,4 و5,5 في المئة مقارنة بمعدل مستهدف 6 في المئة قبل أزمة فيروس كورونا.

تفاؤل حكومي بانتهاء الأزمة في يونيو

ولكن الملاحظ أن هذه المعدلات المتوقعة للنمو الاقتصادي بعد تخفيضها تعكس تفاؤل الحكومة بانتهاء الأزمة في نهاية العام المالي الحالي في حزيران/ يونيو 2020، وسرعة تجاوز الاقتصاد المصري لتداعياتها، كما يلاحظ أن معدل التضخم المستهدف من البنك المركزي لم يطرأ عليه أي تغيير بسبب هذه الأزمة، حيث من المهم التركيز على تجنب ارتفاع معدل التضخم في ظل احتمالات نقص المعروض من بعض السلع وارتفاع أسعارها إذا اتسع نطاق تفشي هذا الفيروس.

كما قام البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة بنسبة 3 في المئة لتسهيل الحصول على الائتمان وتشجيع المنشآت على مواجهة تداعيات الأزمة، لتصل بذلك أسعار الإقراض والودائع في الليلة الواحدة إلى 9,25 و 10,25 في المئة على التوالي، وعلى العمليات الرئيسية إلى 9,75 في المئة، إلى جانب تخفيض سعر الخصم بنسبة 3 في المئة ليبلغ 9,75 في المئة، كما تمّ تأجيل المستحقات الائتمانية للشركات والقروض الشخصية لمدة ستة أشهر، وتمّ رفع حدود المعاملات اليومية باستخدام بطاقات الائتمان، وإلغاء الرسوم والعمولات المطبّقة في نقاط البيع، واستعداد الجهاز المصرفي للتعامل مع أي زيادة في الطلب على الخدمات المالية، خصوصاً المعاملات البنكية الإلكترونية وعبر الإنترنت، وفي هذا الإطار، قام البنك المركزي بإلغاء رسوم السحب من الصرافات الآلية للبنوك لتشجيع التعاملات المصرفية الرقمية، وللحدّ من التزاحم على البنوك.

كما قامت الحكومة بتخفيض أسعار الطاقة للمصانع، وهذا كان مطلب ملح للقطاع الصناعي قبل الأزمة، حيث تمّ خفض سعر الغاز الطبيعي للصناعة ليصبح 4,5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وخفض أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي والمتوسط بقيمة 10 قروش، وتثبيت أسعار الكهرباء لباقي الاستخدامات الصناعية لمدة تتراوح ما بين 3 – 5 سنوات مقبلة، وقد شجّع التراجع الملحوظ للأسعار العالمية للنفط والغاز الحكومة على تخفيض أسعار الطاقة .

تقديمات

كما قامت الحكومة بتوفير مليار جنيه للمصدرين خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل 2020، لسداد جزء من مستحقاتهم، مع سداد دفعة إضافية بقيمة 10 في المئة نقداً للمصدرين، وتمّ تأجيل الضريبة العقارية المستحق سدادها على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، إضافة إلى رفع الحجوزات الإدارية على الممولين كافة الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10 في المئة من الضريبة المستحقة عليهم، وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فضّ المنازعات، كما تمّ خفض ضريبة الدمغة على غير المقيمين لتصبح 1,25 في الألف، وخفض ضريبة الدمغة على المقيمين لتصبح 0,5 في الألف بدلاً من 1,5 في الألف، مع خفض سعر ضريبة توزيع الأرباح الرأسمالية للشركات المقيدة بالبورصة بنسبة 50 في المئة لتصبح 5 في المئة، بالإضافة إلى الإعفاء الكامل للعمليات الفورية على الأسهم من ضريبة الدمغة لتنشيط حجم التعامل.

ولا شك في أن هذه القرارات سيكون لها تأثير كبير في مساندة القطاعات الاقتصادية المختلفة في مواجهة تداعيات أزمة كورونا في مصر، والحدّ من تراجع النشاط الاقتصادي خصوصاً بعد فرض حظر التجول الجزئي واضطرار الغالبية العظمى من المواطنين للبقاء في البيوت، كما تعتبر هذه القرارات كافية جداً لمواجهة التداعيات الاقتصادية للأزمة حتى الآن، ولكن سيتطلب الأمر قرارات وإجراءات أقوى إذا تطورت الأزمة وتمّ فرض حظر شامل في مصر لمواجهة تفشي الفيروس على نطاق واسع، ففي هذه الحالة سيتطلب الأمر مساندة أكبر للشركات والمصانع والمواطنين. فبالنسبة إلى الشركات والمصانع سيتطلب الأمر تقديم إعفاءات ضريبية للشركات والمصانع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص، والتعليق المؤقت لدفع هذه الشركات والمصانع لحصتها في التأمينات الاجتماعية، ووقف تحصيل فواتير الكهرباء والمياه، ومد عقود القطاع الخاص مع الجهات الحكومية من دون غرامات بسبب تأثير تفاقم الأزمة على شحن مستلزمات الإنتاج للمصانع من الخارج، وتراجع الإنتاجية بسبب حظر التجول، والتأكيد على الشركات والمصانع كافة عدم تسريح العمالة خلال تفاقم هذه الأزمة.

ضبط وأمان إستقرار الأسواق

 وعلى صعيد ضبط وضمان استقرار الأسواق الداخلية، ستكون الدولة معنية بقوة بضمان الرصيد الكافي من جميع السلع الأساسية، وتجنّب حدوث أي أزمة فيها، خصوصاً مع قدوم شهر رمضان وارتفاع الطلب على السلع الغذائية، ويرتبط بذلك ضمان استقرار أسعار هذه السلع التي بدأ بعضها يشهد بالفعل ارتفاعاً غير مبرر، ليس لقلة المعروض منها، ولكن بسبب استغلال التجار بعد غلق أغلب الأسواق الأسبوعية في المدن والقرى وبقاء المواطنين في البيوت، ولذلك، ستكون الدولة بحاجة إلى التعامل بحزم مع الممارسات التجارية غير المشروعة في الأسواق المحلية، خصوصاً تخزين السلع، والامتناع عن البيع، وتعطيش السوق، ورفع الأسعار، والغش، والممارسات الاحتكارية، وقد يتطلب ذلك تشديد العقوبات والتعامل مع هذه الجرائم على أنها جرائم أمن دولة لردع المستغلين والمتاجرين بأقوات الناس في هذه الظروف الصعبة.

كما سيتطلب الأمر تطبيق حزمة من الإجراءات الاستثنائية لمساندة الأفراد بشكل مباشر في حالة تفاقم الأزمة، وبخاصة محدودي الدخل والعمالة غير المنتظمة، ومن هذه الإجراءات، توسيع مظلة صندوق الطوارئ في وزارة القوى العاملة لصرف معونة كوارث لهذه الفئات في شكل مرتبات إستثنائية، وتأجيل دفع فواتير بعض الخدمات مثل فواتير الكهرباء والغاز والمياه، ومراجعة أسعار البنزين والسولار والغاز لاستهلاك الأفراد خصوصاً في ظل التراجع الكبير للأسعار العالمية للنفط والغاز، وقد يكون من المناسب وقف تحصيل الرسوم التي تدفعها السيارات على الطرق السريعة سواء السيارات الخاصة أو سيارات نقل البضائع، أيضاً من المهم أن تقوم الدولة بزيادة الحصة التموينية التي تحصل عليها الأسر المستحقة لها.

وعلى الرغم من أهمية كل الإجراءات التي اتخذتها أو ستتخذها الحكومة في مصر لمواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا، من المهم أن يكون الهدف الاقتصادي الأسمى للدولة هو مراعاة عدم تأثير النفقات العامة والإجراءات الطارئة المتوقعة في هذه المرحلة على ما تحقق من مؤشرات اقتصادية كلية إيجابية خلال المرحلة الأولى من الإصلاح الاقتصادي، بمعنى أهمية ضمان استدامة هذه النتائج الإيجابية، وبخاصة الاستقرار الذي تحقق في مؤشرات الاقتصاد الكلي، حتى لا تضيع أهم الانجازات التي حققتها مصر خلال المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وأخيراً، على الرغم من أهمية التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة وأهمية مواجهتها، فإن الأمر البالغ الأهمية الذي يجب التأكيد عليه هو ضرورة ضمان توفير العلاج لجميع الأشخاص الذين أصيبوا أو سوف يصابون بالفيروس، وضمان ألا يموت أي مواطن بسبب عدم قدرته على تحمّل تكاليف العلاج، وذلك لأن المواطن هو أغلى ما تمتلك مصر، ولأن المواطن هو غاية الاقتصاد وليس الاقتصاد هو غاية المواطن.