لبنان يفتح جبهة اليوروبوندز: تعليق السداد بداعي "العجز"

  • 2020-03-07
  • 17:00

لبنان يفتح جبهة اليوروبوندز: تعليق السداد بداعي "العجز"

قرار الحكومة قد يغلق أبواب الأسواق المالية الدولية بوجه بيروت

  • بيروت – "أوّلاً- الاقتصاد والاعمال"

شهدت الساحة اللبنانية اليوم السبت تطوراً كبيراً تمثل بإعلان الحكومة اللبنانية تعليق تسديد استحقاق 9 آذار/مارس.

وإذا كانت توقعات سابقة أشارت إلى حدوث "الامتناع"،  فإن توقعات أخرى جديدة برزت لتحجز مكانها في "معركة اليوروبوندز" على رأسها أن القرار اللبناني ستكون له تبعات قد لا يكون أقلها، تخفيض التصنيف السيادي للدين اللبناني إلى درجة التخلف عن الدفع (Default)، وبالتالي على تصنيف المصارف والذي سيحتم توفير مخصصات كبيرة لتغطية الانخفاض الحاصل في قيمة السندات، والتي يتم تداولها حاليا في السوق بسعر 20 الى 25 في المئة من قيمتها الإسمية. ومن التوقعات أيضاً خروج لبنان من الأسواق المالية الدولية لفترة من الزمن، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات مالية سلبية.

مخاوف من تخفيض التصنيف السيادي للدين اللبناني

إلى درجة التخلف عن الدفع (Default)

إذن توصل لبنان إلى قراره أخيراً  بعد اجتماعات ماراتونية شهدها قصر بعبدا. وهي اجتماعات حملت في أحد وجوهها الطابع المالي، والمقصود هنا الاجتماع المالي والاقتصادي الذي ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون وحضره الرئيسان نبيه بري وحسان دياب، ونائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر، وزير المالية غازي وزني، وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير وعدد من المستشارين، وخصص الاجتماع للبحث في مسألة استحقاق "اليوروبوندز" والأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان، والإجراءات اللازمة من أجل مواجهة الأزمة المالية.

وبدا واضحاً بعد الاجتماع الذي تلا بيانه مدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير، أن الحكومة تحظى بالدعم الكامل في أي قرار قد تلجأ إليه الحكومة. وهنا كانت بداية دياب من حيث انتهى إليه الاجتماع المذكور.

دياب: القرار لم يكن سهلاً

وهكذا أثمرت مروحة الاجتماعات والاستشارات التي شهدها قصر بعبدا وكواليس السراي الحكومية، قرار تعليق تسديد استحقاق آذار/مارس، الذي أعلنه رئيس الحكومة حسّان دياب، بعد مقدّمة "إنشائية" تحدّث فيها عن أوضاع اللبنانيين وأموالهم "المهدورة والمنهوبة"، مطلقاً في المقابل، وعوداً ستكون "ديناً" عليه، قد يضاف إلى مجموع الديون المتراكمة والتي عجزت الحكومة حتى اليوم عن إيفائها.

لدى إعلانه القرار أشار أدياب إلى أن احتياطات لبنان من العملات الصعبة بلغت مستوى حرجاً وخطيراً، الأمر الذي يفرض تعليق سداد استحقاق 9 آذار/مارس من "اليوروبوندز" لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب اللبناني. وبدا واضحاً من كلام دياب أن التعليق يعني الامتناع المؤقت تمهيداً لبدء التفاوض مع الدائنين بهدف إعادة هيكلة تشمل الأصل و/أو الفائدة. وما كان بارزاً هو تجنب رئيس الحكومة إعلان التعثر التام الذي قد يعني بدوره أن الدولة تعترف بالدين، لكنها عاجزة عن الدفع ربطاً بتخصيص مخزون العملات الصعبة لتلبية مستوردات المواد الأساسية.

وأوضح رئيس الحكومة أن القرار لم يكن سهلا، بل جاء بعد دراسات معمقة لعدد من الخيارات المتاحة، مشيراً إلى أن قرار تعليق الدفع هو السبيل الوحيد لوقف الاستنزاف بالتزامن مع اطلاق برنامج شامل للاصلاحات.

وأكد أن ما تمّ التوصل إليه، نابع من الحرص على مصلحة كل المواطنين، ومن تصميم الحكومة على استعادة قدرة الدولة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم، لافتاً النظر إلى أن الدولة غير قادرة على تسديد الاستحقاقات المقبلة، لذا ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها بما يتناسب مع المصلحة الوطنية عبر خوض مفاوضات منصفة وحسنة النية.

وأشار دياب إلى أن  مجموع الدين العام تخطى 90 مليار دولار، وأنه أصبح أكبر من قدرة لبنان على تحمله وأكبر من قدرة اللبنانيين على تسديد فوائده، محذراً من الوصول إلى ما تنبأ به البنك الدولي بوصول 40 في المئة من اللبنانيين إلى تحت خط الفقر قريباً، وذلك بسبب النموذج الاقتصادي الذي أرسته السياسات السابقة التي أثبت عجزها.

وقال دياب إن كل 1000 ليرة من إيرادات الدولة يذهب أكثر من 500 ليرة منها على خدمة الدين، وهذا النهج غير مستدام ولا يمكن أن يستمر، خصوصاً أن لبنان بات على مشارف أن يصبح البلد الأكثر مديونية في العالم نسبة إلى حجم الإقتصاد. وهو ليس البلد الأول الذي يتخذ مثل هذا القرار، "إذ أن هناك 50 دولة تخلّفت وتعافت".

وأضاف أن الحكومة تصرفت منذ ولادتها على صياغة برنامج إصلاحي، يرتكز على معالجة الدين ضمن برنامج يهدف إلى إعادة الثقة إلى لبنان، موضحاً أن إعادة التوازن إلى المالية العامة، تتصدر سلم أولويات الحكومة بحيث لا يجوز أن يتم الإنفاق أكثر مما يتم جنيه.

وأكد أن البرنامج الاصلاحي سيؤمن موارد إضافية تستفيد منه قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية وتهدف إلى خفض النفقات، وعليه كان الطلب من الوزراء لتقديم إقتراحات في شأن الإصلاحات، متعهداً بالوقوف سداً منيعاً في وجه التهرب الضريبي.

وإذ شدّد رئيس الحكومة على أهمية إصلاح القضاء، أكد أن الحكومة تقدّمت بمشروع قانون يرمي إلى كشف السرية المصرفية عن كل من تولى ويتولى الشأن العام.

وخلص رئيس الحكومة اللبنانية إلى أن مثل هذه الاجراءات من شأنها أن تساعد على الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، موضحاً في هذا السياق أن لبنان سيركّز أكثر على القطاعات كالصناعة والزراعة والمعرفة والتكنولوجيا بالإضافة غلى قطاعي السياحة والخدمات.

وفيما اعلن أنه سيتم العمل على تطوير القطاع المصرفي، أوضح في المقابل أن البلد لا يحتاج إلى قطاع مصرفي يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصاده، مشدداً على ضرورة إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع. وفي السياق ذاته، أكد دياب أن الحكومة ستعمل على حماية الودائع في القطاع المصرفي خصوصاً ودائع صغار المودعين الذين يشكلون أكثر من 90 في المئة من الحسابات، وذلك تمهيداً لوقف النزيف المالي. وهنا برز تمييز رئيس الحكومة المتعمد بين احجام الودائع ما يفتح الخيارات للقيام بعملية اقتطاع لاحقاً.

اجتماع بعبدا

وفي خصوص اجتماع بعبدا المالي والاقتصادي، كان شقير قد تلا بياناً أوضح فيه أن اجتماع بعبدا ناقش الأوضاع المالية والظروف المحيطة قبل تاريخ استحقاق سندات يوروبوندز والتي تم تداولها ومناقشتها خلال الاجتماعات واللقاءات المتتالية التي انعقدت برئاسة دياب، مع حاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، وفريق عمل من الاختصاصيين والخبراء والاستشاري المالي (Lazard) والاستشاري القانوني (Cleary Gottlieb Steen & Hamilton) والاستشاري في مجال التواصل (Highgate) المتخصصين بإدارة الديون السيادية.

وأشار شقير إلى أن المجتمعين قرروا بالإجماع الوقوف إلى جانب الحكومة في أي خيار ستعتمده في مجال إدارة الديون، باستثناء دفع الديون المستحقة. وأضاف أنه "تم التركيز على اعتماد وتنفيذ الخطة الشاملة المتكاملة، المبنية على إصلاحات مالية وإدارية ومصرفية تتزامن معها خطة نهوض اقتصادية واجتماعية، كما وردت في البيان الوزاري".