فيروس كورونا يُنعش "سوق التوصيل" في الإمارات

  • 2020-03-10
  • 19:09

فيروس كورونا يُنعش "سوق التوصيل" في الإمارات

  • رانيا غانم

من النفط إلى الطيران فالسياحة، لم يترك كورونا قطاعاً إلا وأربكه، لكن في المقابل كان الفيروس أكثر رأفة بقطاعات أخرى ومنها خدمات التوصيل والتسليم.
في ظل الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإماراتية للحدّ من انتشار عدوى الفيروس، بدأت عادة جديدة بالظهور، هي التسوّق عن بعد من خلال استخدام المنصات الالكترونية، أمرٌ أدى إلى زيادة الطلب على خدمات التوصيل، فازدهر القطاع، الذي يشهد في الأصل نمواً متسارعاً خلال السنوات الأخيرة، مستفيداً من بنية تحتية مؤهلة.

تصدرت الإمارات دول المنطقة في نسبة المستهلكين الذين يطلبون حاجاتهم من البقالة عبر تطبيقات الهواتف الذكية. وبحسب الشركة الاستشارية PwC، فإن نسبة السكان الذين يطلبون هذه الخدمة مرة واحدة على الأقل أسبوعياً في دبي 53 في المئة، فيما بلغت في أبوظبي 47 في المئة، وذلك في مقابل متوسط نسبة عالمية تقدّر بـ 35 في المئة فقط.

هذا الواقع دفع المستثمرين وروّاد الأعمال الباحثين عن فرص استثمارية جديدة إلى جعل الإمارات من ضمن وجهاتهم المرغوبة، كما شكّل حافزاً للشركات القائمة من أجل توسيع رقعة أعمالها بهدف الاستحواذ على حصة أكبر من السوق، ما أدى إلى دخول مئات الشركات الناشئة والصغيرة إلى السوق الإماراتية تلبية للطلب المتزايد على خدمات البيع الالكتروني والتوصيل، وقد تمكنت من تحقيق نتائج جيدة كشركة "غولد لاين" التي نمت أعمالها في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل غير مسبوق نتيجة الطلب المرتفع، واستطاعت خلال تلك الفترة من توسعة محفظة أعمالها، إذ باتت لديها عقود مع 500 تاجر تتوزع بين محال البقالة والألبسة والمجوهرات والعطور والورد وغيرها. 

وسائل جديدة لتشجيع التسوّق الإلكتروني

وفي ظل هذه الطفرة، بادرت الشركات والمحال التجارية الكبيرة إلى ابتكار وسائل تشجع المستهلك على التسوق الإلكتروني وتسليمه المنتجات في منزله. فاعتمد كارفور، الذي تديره شركة ماجد الفطيم، أساليب جديدة مبتكرة بهدف دعم خدمات التوصيل، وباشر في تحضير سلة استهلاكية جاهزة فيها كل ما يحتاج إليه المستهلك من الخضار الأساسية يتم توصيلها إلى الزبون خلال ساعة من دون أن يتكبّد عناء اختيار المنتجات.

كذلك أطلق كارفور متجر "موبي مارت" Mobimart المتنقّل على متن حافلةّ، الذي يقوم بخدمة الزبائن بالقرب من منازلهم في مناطق سكنية عدة على مستوى إمارة دبي وعلى مدار ستة أيام في الأسبوع، بما يلائم احتياجاتهم. 

وإلى كارفور، كان عدد من الشركات يستفيد بدوره من تداعيات فيروس كورونا، ليرسم نهجاً جديداً في التسوق الالكتروني. ومن تلك الشركات توسيلة  (Tawseelah) التي ارتفع الطلب على خدماتها بشكل لافت للإنتباه. تقوم "توسيلة" بتسليم منتجات مختلفة كالطعام والبقالة والألبسة والالكترونيات وغيرها، ويقول الرئيس التنفيذي للعمليات في الشركة أديل أحمد إن نمو الأعمال مرشح للارتفاع في الفترة المقبلة في حال استمرت وتيرة سرعة تفشي فيروس كورونا، مضيفاً أن "تفادي المستهلكين للأماكن المكتظة وأماكن التسوق والمولات على وجه التحديد، سيدفعهم إلى تفضيل تسلّم حاجياتهم على أبواب منازلهم، وهذا الأمر يعزز أعمالنا".

بدورها، لاحظت شركة Sky Delivery، شركة التوصيل المتمركزة في الإمارات، ارتفاعاً في الطلب على خدماتها على وقع انتشار المرض التاجي، إذ تضاعف الطلب لدى شركة "غولد لاين" للتوصيل السريع، التي تأسست في الإمارات في العام 2015، على خدمات التوصيل منذ بدء انتشار الفيروس في الشهر الماضي. ويلفت  مؤسس الشركة طارق صلاح الانتباه  إلى أنه "مع انتشار كورونا في الشهر الماضي، بدأ المستهلك باتخاذ تدابير وقائية ما أدى إلى ارتفاع الطلب على خدمات التوصيل بنسبة 50 في المئة". ويضيف أن شريحة لا بأس بها من المستهلكين الذين كانوا ينتظرون عطلة نهاية الأسبوع بهدف التسوق في المتاجر، باتوا يتسوقون المنتجات عبر المنصات الإلكترونية ويطلبون توصيلها إلى منازلهم. 

طفرة خدمات.. وفرص واعدة

كما في كل أزمة، فإن هناك خاسرين ورابحين، وإذا كانت قطاعات حيوية أساسية قد تعرضت لإنتكاسة، فإن عزوف الناس عن ارتياد المطاعم خوفاً من الإصابة بالعدوى عزز الطلب على خدمة توصيل الطعام إلى المنازل، علماً أن خدمة "التوصيل" سائدة في الإمارات منذ سنوات، حيث بلغت نسبة المستهلكين الذين يطلبون توصيل الطعام عبر تطبيقات الهواتف الذكية في دبي مرة واحدة على الأقل أسبوعياً  67 في المئة، وفي أبوظبي 58 في المئة، فيما بلغ متوسط النسبة العالمية 40 في المئة فقط، بحسب PwC . وفي هذا السياق يؤكد الرئيس التنفيذي للعمليات في "توسيلة" أديل أحمد أن قطاع توصيل وجبات الطعام يشهد طفرة غير مسبوقة في الإمارات ولا سيما دبي، وقد ساهمت منصات إلكترونية مثل Zomato وDeliveroo وTalabat في تعزيز عمل شركات التوصيل لأنها تعتمد على تلك الشركات لإيصال وجبات الطعام إلى المستهلك".

كذلك، إستفادت شركة "طلبات" منصة الطلب الإلكترونية التي تتضمن أكثر من أربعة آلاف مطعم في الإمارات من الواقع الراهن لتحقق نمواً بنسبة 50 في المئة في العام الماضي، مقارنة بالعام الذي سبقه. ويشير المدير الإداري في شركة Talabat محمد يلدرم إلى إمكانات هائلة للنمو في هذا القطاع على الرغم من أن الشركة من أقدم اللاعبين في السوق. ويقول: "يبشر هذا القطاع بالخير، نظراً الى اعتماد الإماراتيين أكثر فأكثر على وجبات الغذاء الواصلة إلى المنازل". ويلفت أحمد النظر إلى أن هذا الواقع أدى إلى ارتفاع عدد مزودي خدمات التوصيل ودخول لاعبين جدد إلى السوق، لافتاً إلى أن مشغلي المطاعم يتطلعون إلى توسيع رقعة تواجدهم على تطبيقات تسليم متعددة بهدف تعزيز أدائهم في السوق، وتشير هذه الاتجاهات إلى الفرص الكبيرة الماثلة أمام المستثمرين وتحفّزهم على الإفادة من الإمكانات الهائلة للنمو في هذا القطاع. 

في المحصلة، يبدو أنه لا تزال ثمة فرص استثمارية هائلة في قطاع التوصيل في الإمارات نتيجة ارتفاع الطلب، فضلاً عن الكثير من الفرص المحتملة أمام الشركات الموجودة للتوسع. وهنا يقول أديل: "قد يبدو للبعض أن خدمات التوصيل للعملاء وصلت إلى مرحلة التشبع في المدن الكبرى، لكن الحقيقة مغايرة وثمة إمكانية كبيرة للتوسع في الإمارات".