انسجام "مباح" بين مصارف لبنان وحاكمية المركزي

  • 2024-05-14
  • 15:37

انسجام "مباح" بين مصارف لبنان وحاكمية المركزي

  • علي زين الدين

تتوالى الاشارات من مصادر مختلفة في لبنان، لامكانية حصول تبدلات نوعية في المقاربات الآيلة الى تحديد خريطة الطريق الانقاذية، توطئة لصوغ مشروع متكامل يقوم على عدالة توزيع احمال الفجوة المالية البالغة نحو 73 مليار دولار، اتساقاً مع الوزن النسبي للأطراف المعنية، اي الدولة والبنك المركزي والقطاع المصرفي، والتخفيف الى الحد الأقصى الممكن من خسائر المودعين، والحماية المطلقة لحدود معينة وبمبلغ مئة الف دولار بالحد الأدنى.

ويفترض ان ترث هذه التوجهات، وبالتحديد المنهجي والعلمي، "الفشل" المشهود والمتكرر لمشاريع الخطط الحكومية الرامية الى إعادة هيكلة القطاع المالي والجهاز المصرفي، كمدخل شرطي ولازم لتحديد المخرج السليم من الأزمات المتفاقمة التي يعانيها لبنان.

وبعد حزم القضاء، عبر القرار التاريخي الصادر عن مجلس شورى الدولة، والذي حكم  من دون اي التباس بمسؤولية الدولة عن خسائر مصرفها المركزي والاموال التي اودعتها المصارف لديه، برزت الرسالة الايجابية الموجهة من قبل الجهاز المصرفي الى قيادة السلطة النقدية، والمتضمنة التنويه المعلن برصد تبدلات مشهودة في مقاربة مصرف لبنان للأزمة المالية وطريقة التعامل معها منذ بداية اغسطس (آب) من العام الماضي 2023، وهو ضمناً تاريخ تسلم الدكتور وسيم منصوري لموقع الحاكم بالانابة، اي صانع القرار في السلطة النقدية.

وفي تعداد منهجي، وعلى لسان امين عام جمعية المصارف الدكتور فادي خلف، لنقاط محورية في "خريطة" التمايز التي طرأت على سياسات مصرف لبنان "ما بعد هذا التاريخ المفصلي" ومحاولة التكهن بتحدياته المستقبلية، ورد "ان المعالجات أصبحت ترتكز أكثر على نقاش تقني بين المصرف المركزي والمصارف، وإن لم تتطابق، بالضرورة، وجهات النظر في عددٍ من المجالات".

وبدا صريحاً، ارتياح الجهاز المصرفي لإقرار البنك المركزي بمبدأ الأزمة النظامية، والتي تعني ضمناً ان الدولة هي المسؤول الأول عن الأزمة، وقد بددت الأموال وعليها مسؤولية إعادتها، على أن تتم دراسة السبل المناسبة للتسديد في المراحل المقبلة، نظراً لضعف إمكانات الدولة حالياً.

ايضاً، تتكرس القناعات المجدّدة بأن أية حلول لا تأخذ في الاعتبار استمرارية القطاع المصرفي، هي غير قابلة للحياة وتقضي على أي أمل بإعادة بناء هذا القطاع وبالتالي على أي إمكانية لإطلاق الاقتصاد من جديد. لكن صرخة الشك تبقى عالية، جراء الخوف المشروع من بقاء صلاحية مقولة "لا يُصلِحُ العطار ما أفسده الدهر".

وفي فصل الودائع، ثمة اقرار جامع بأنه ما من أحد يعتقد اليوم بإمكانية إعادة الودائع بشكل آني وفوري، لكن هذا لا يتعارض مع ضرورة إعادة الحقوق تدريجياً لأصحابها بالطرق المتاحة كافة، على ان يجري غربلة جداول الودائع بحسب مصدرها، وتصنيف المودعين بين مودع ومستثمر ومن استفاد من الفوائد المرتفعة، فضلاً عن فصل الودائع الناجمة عن عمليات استفاد أصحابها من الأزمة على حساب المودعين، عبر تجارة الشيكات وعبر صيرفة.

كما يقتضي، وفق مداخلة خلف، والمرفقة بتنويه "تقليدي" بالمسؤولية الشخصية للرأي والتحليل ومن دون الزام للجمعية، دراسة وضع المقترضين الذين أثروا على حساب المودعين، كما والمتعاملين الذين استفادوا من عمليات الدعم والتهريب. ومن ثم تنقية ميزانيات المصارف وإظهار الفرص الاستثمارية فيها، كما والتصدي لمحاولات القضاء على القطاع.

ويندرج في باب "التنويه" الإقرار بأن التوظيفات الإلزامية في مصرف لبنان هي ملك المصارف، والنجاح المحقق في توحيد سعر الصرف من دون المس باحتياطات المركزي من العملات الأجنبية، وتطبيق المعايير المحاسبية نفسها على ميزانيات المصارف وعلى ودائعها لدى مصرف لبنان، مما يعني تلقائياً ان زمن الكيل بمكيالين انتهى.

وتشمل الايجابيات في التغيير المشهود، القرار الصريح بعدم جواز تمويل أي عجز للدولة من قبل المصرف المركزي خارج الأطر القانونية، مهما علا الصراخ وكَثُرت الضغوطات السياسية، وعدم القبول بالعودة إلى الحلول الجزئية التي تهدف إلى كسب الوقت.

في المحصلة، يستنتج خلف بأن مصرف لبنان عاد إلى لعب دوره الطبيعي المنصوص عنه في قانون النقد والتسليف، لا أكثر ولا أقل. وتم تصحيح ميزانيته وتوضيح جزء مهم من بنودها، بما يشمل التوقف عن استعمال امتياز مصرف لبنان بطبع الليرة لتغطية خسائره عبر اعتبارها خسائر مؤجلة، وللاستدلال، فإنه، وللمرة الأولى منذ عقود، تتسلم جمعية مصارف لبنان أرقاماً إحصائية، كانت تطالب بها منذ سنين، تبيِّن حقيقة الوضع القائم.

اما في توصيف التحديات المستقبلية، فقد أشار خلف الى اولويات ضبط الاقتصاد النقدي من التفلُّت وتوجيهه نحو القطاع المصرفي، والمواءمة بين ضبط الكتلة النقدية وحاجات من ليس له مداخيل سوى حسابه المصرفي، وحماية السيولة المخصصة لصغار المودعين في الداخل من إمكانات كبار المودعين في الخارج.

بالتالي، يقتضي حماية موجودات مصرف لبنان (ذهب وعملات) من الدعاوى القضائية في الخارج، والعمل على ضمان المصاريف التشغيلية للمصارف، بانتظار عودة القطاع إلى نشاطه الطبيعي، والتأكيد على جلوس المعنيين كافة بمشروع إعادة هيكلة المصارف على الطاولة.