أسعار الطاقة ارتفعت بسرعة ضربة البحر الاحمر

  • 2024-01-12
  • 12:07

أسعار الطاقة ارتفعت بسرعة ضربة البحر الاحمر

  • أحمد عياش

بعد أيام قليلة من تحذير البنك الدولي من ارتفاع أسعار الطاقة إذا انتشرت حرب الشرق الأوسط، تحقق هذا التحذير يوم الجمعة في 12 كانون الثاني/ يناير. ففي هذا اليوم، قفز سعر النفط مع ضرب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للحوثيين في اليمن، ما أدى أيضاً الى تراجع الأسهم، كما أفادت رويترز. وقفزت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 2.0 في المئة إلى 79.00 دولار للبرميل، في حين ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي WTI بنسبة 2.1 في المئة إلى 73.55 دولار.

وقال خون جوه، رئيس أبحاث آسيا في ANZ في سنغافورة: "أعتقد أنه في هذه المرحلة من السابق لأوانه معرفة نوع التأثير الذي سيحدثه، وتتخذ الأسواق نهج الانتظار والترقب في الوقت الحالي، وبالتالي فإننا لا نرى الكثير من رد الفعل": وأضاف: "إذا رأينا تصعيداً هائلاً للوضع... ثم ستشهد الرحلة التقليدية إلى الأمان استفادة سندات الخزانة الأميركية وعملات الملاذ الآمن مثل الين والفرنك السويسري".

واتى هذا التطور العسكري رداً على أكثر من عشرين هجوماً بطائرات من دون طيار وصواريخ حوثية على ممرات الشحن التجارية الحيوية في البحر الأحمر. ومنذ أن بدأ الحوثيون مهاجمة السفن التجارية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اضطرت خطوط الشحن العالمية التي تستخدم البحر الأحمر وقناة السويس إلى تحويل مئات السفن حول أفريقيا ما أضاف نحو أسبوعين وتكاليف للرحلة.

ماذا عن تحذير البنك الدولي الذي استبق التطور العسكري هذا؟ بحسب النيويورك تايمز في 9 كانون الثاني/ يناير الحالي، حذر البنك من أن الاقتصاد العالمي معرض لخطر عقد "ضائع" وأضعف فترة نمو في 30 عاماً، قائلاً إن التعافي البطيء من الوباء والحروب المعوقة في أوكرانيا والشرق الأوسط من المتوقع أن يؤثر بشكل كبير على الإنتاج.

وفي تقريره النصف السنوي عن الآفاق الاقتصادية العالمية، توقع البنك الدولي أن يتباطأ نمو الناتج العالمي أكثر في العام 2024، لينخفض إلى 2.4 في المئة من 2.6 في المئة. وعلى الرغم من أن الاقتصاد العالمي كان مرناً بشكل مدهش، إلا أن التقرير حذّر من أن توقعاته تخضع لحالة من عدم اليقين المتزايد بسبب الحربين وتراجع الاقتصاد الصيني وزيادة مخاطر الكوارث الطبيعية الناجمة عن الاحتباس الحراري.

لقد وضعت الأزمات المتقاربة في السنوات الأخيرة الاقتصاد العالمي على المسار الصحيح لأضعف نصف عقد منذ 30 عاماً.

وقال إندرميت جيل، كبير الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي انه "من دون تصحيح كبير للمسار، فإن العام 2020 سينخفض باعتباره عقداً من الفرص الضائعة".

ومن المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي للعام الثالث على التوالي في العام 2024، وتتحمل البلدان النامية وطأة التباطؤ، حيث يثقل كاهل اقتصاداتها ارتفاع تكاليف الاقتراض وحجم التجارة الهزيل.

على الرغم من أن صنّاع السياسة قد أحرزوا تقدماً في خفض التضخم من أعلى مستوى له في العام 2022، إلا أن الحرب في غزة بين إسرائيل و"حماس " تهدد بأن تصبح صراعاً أوسع نطاقاً يمكن أن يحفز موجة جديدة من الزيادات في الأسعار من خلال التسبب في ارتفاع تكلفة النفط والغذاء. وبحسب تقرير البنك الدولي، فإن "الصراع الأخير في الشرق الأوسط، الذي يأتي على رأس غزو الاتحاد الروسي لأوكرانيا، زاد من المخاطر الجيوسياسية. ويمكن أن يؤدي تصاعد الصراع إلى ارتفاع أسعار الطاقة، مع تداعيات أوسع نطاقاً على النشاط العالمي والتضخم".

وقبل ان يحصل التطور العسكري في البحر الأحمر، كتب اقتصاديون في كابيتال إيكونوميكس في تقرير هذا الشهر أن إعادة توجيه السفن التجارية بعيداً عن البحر الأحمر من غير المرجح أن تؤدي إلى عودة التضخم العالمي، لكنهم أشاروا إلى أنه إذا أصبحت الحرب صراعاً إقليمياً أوسع نطاقاً، فقد تشكل مخاطر تضخمية.

وتأتي الاضطرابات في طرق الشحن في أعقاب عام كان فيه نمو التجارة العالمية، بخلاف فترات الركود العالمية، هو الأبطأ في السنوات الـ 50 الماضية، وفقاً للبنك الدولي. وإذا لم يتسع الصراع في الشرق الأوسط، يتوقع البنك الدولي أن تنخفض أسعار النفط العالمية هذا العام مع ضعف النمو وزيادة إنتاج النفط.

وبعيداً عن الحروب الجارية، لا تزال علامات الهشاشة في الاقتصاد الصيني مصدر قلق. وأشار خبراء اقتصاديون في البنك الدولي إلى الضعف المستمر في قطاع العقارات في الصين والإنفاق الاستهلاكي الباهت كدليل على أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيستمر في الأداء الضعيف هذا العام، وأشاروا إلى أن ذلك قد يشكل رياحاً معاكسة لبعض شركاء الصين التجاريين في آسيا.

كما تستعد أوروبا والولايات المتحدة لعام آخر من ضعف الإنتاج في العام 2024. ويتوقع البنك الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي في منطقة اليورو إلى 0.7 في المئة في 2024 من 0.4 في المئة في 2023. وعلى الرغم من تراجع التضخم وارتفاع الأجور، من المتوقع أن يؤدي تشديد شروط الائتمان إلى تقييد النشاط الاقتصادي.

ومن المتوقع أن يتباطأ النمو في الولايات المتحدة إلى 1.6 في المئة هذا العام من 2.5 في المئة في 2023. ويعزو البنك الدولي التباطؤ إلى ارتفاع أسعار الفائدة - التي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 22 عاماً - وتراجع الإنفاق الحكومي، ومن المتوقع أن تكون الشركات حذرة بشأن الاستثمار بسبب عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، بما في ذلك حول انتخابات 2024.

وماذا عن أسعار الطاقة في المدى المنظور من سنة 2024؟ تجيب تسفيتانا باراسكوفا على موقع Oilprice الالكتروني، بالقول: "بينما تكافح أسعار النفط للتحرك فوق 80 دولاراً للبرميل منذ أسابيع، راهن بعض التجار على وصول النفط إلى 110 دولارات للبرميل في أوائل الربيع". ويبدو أن بعض المضاربين، بحسب الكاتبة يراهنون على تصعيد كبير للصراع في الشرق الأوسط في الأشهر المقبلة، بالنظر إلى حقيقة أن الأساسيات والمحللين تشير إلى سوق متوازنة أو سوق في فائض طفيف في وقت مبكر من هذا العام.

واجتذبت فروق خيارات الشراء البالغة 110 دولارات / 130 دولاراً على خام برنت لشهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو المقبليّن رهانات تعادل نحو 30 مليون برميل، وفقاً لما ذكرته بلومبيرغ نقلاً عن بيانات من البورصات والوسطاء. وسيربح مشترو هذا الفارق المحدد للخيار، إذا وصلت أسعار النفط إلى 110 دولارات للبرميل بحلول نهاية آذار/مارس ونهاية نيسان/أبريل المقبليّن، عندما تنتهي عقود الخيارات في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، على التوالي.

بصرف النظر عن التصعيد الواسع للحرب في الشرق الأوسط لتشمل دولا أخرى وتهديدا مباشرا لإمدادات النفط الخام، لا يرى المحللون حاليا كيف يمكن أن ترتفع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل في النصف الأول من العام.

وأنهت صناديق التحوط ومديرو المحافظ الآخرون الأسبوع الأخير من العام 2023 بأكبر عدد من المراكز الهبوطية الجديدة في العقود الآجلة وعقود الخيارات منذ مارس وثاني أكبر قفزة في إضافات البيع الأسبوعية منذ العام 2017. وكتب الاستراتيجيون في ING وارن باترسون وإيوا مانثي في مذكرة: "كانت هذه الخطوة مدفوعة في الغالب بصفقات بيع جديدة تدخل السوق، مع زيادة إجمالي البيع بمقدار 28،578 عقد خلال الأسبوع".

ماذا بعد هذه التطورات المتسارعة في الاحداث العسكرية والاقتصادية؟ ربما من السابق لأوانه اللجوء الى الأجوبة القاطعة، إلا ان هناك مساحة للقول إن بداية العام 2024 تضع العالم في مسار يشبه ذلك الذي بدأ في 24 شباط/ فبراير العام 2002 عندما اندلعت حرب اواكرانيا والتي ما زالت مستمرة. وبالمقارنة مع هذه الحرب وتداعياتها على كل الصعد وبين مثيلتها التي بدأت تتكون حالياً في الشرق الأوسط، يجد العالم نفسه مجدداً امام احداث، قد تنتهي الى نتائج مثل الحديث عن برميل نفط يتخطى سعره الـ 110 دولارات.