سلطات لبنان تتنازع على مشروعية التصرّف باحتياطات المودعين في البنك المركزي

  • 2023-08-08
  • 08:46

سلطات لبنان تتنازع على مشروعية التصرّف باحتياطات المودعين في البنك المركزي

  • علي زين الدين


لم يكد يجف حبر مطالعة الخلف بالانابة وسيم منصوري، والذي تسلّم رسمياً صلاحية القرار التنفيذي والتوقيع "الثمين" والمنفرد كحاكم لمصرف لبنان المركزي بدءاً من اول الشهر الحالي، حتى فوجىء بأولى الانتكاسات "المعهودة" للتعهدات "البهلوانية" من قبل السلطات المعنية، ومترجمة بتبادل التنصل الحكومي والنيابي من أحمال عقود الاستقراض بالدولار لصالح الدولة من احتياطي العملات الصعبة.

 

إقرأ أيضاً:

النائب الأول لحاكم مصرف لبنان: لا تمويل للحكومة خارج الإطار القانوني

 

 

بذلك، بدا السيناريو الموعود لانسياب القرار النقدي المركزي وتمكين الحاكم المستلم للتو مقعده ومسؤولياته، متعثراً في اول خطواته بعدما اختارت حكومة تصريف الأعمال التمهّل بإقرار مشروع قانون يجيز لها الاقتراض بالعملة الاجنبية من مصرف لبنان، وبالتالي لن يمر الكثير من الوقت، حتى يتقيّن الوافد الى موقع صانع القرار في البنك المركزي، صدقية المعادلة التي استخلصها سلفه المغادر، وباح بها في آخر مقابلاته كحاكم: "المنظومة غسلت إيدها مني، وليس خفياً أنني كبش محرقة".

وفي الشرح، غير المقنع برأي مصادر مالية متابعة، برّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تراجعه، بما يعرفه مسبقاً وقبل التعهد لنواب الحاكم الأربعة توخياً لثنيهم عن اللوذ باستقالة جماعية تهيباً من ثقل المهام والمسؤوليات.

قال ميقاتي:" وزعنا على الوزراء مشروع  قانون يرمي إلى الإجازة للحكومة الاقتراض بالعملات الأجنبية من مصرف لبنان، ما يعني أن المناقشة قد تستغرق وقتاً، ومصرف لبنان يحتاج إلى وتيرة أسرع في هذه المسألة، ولذلك أقترح أن يُصار إلى تقديم اقتراح قانون من قبل نواب في مجلس النواب في هذا الصدد، ولاسيما وأن البعض ربما سيعترّض على إرسال مشروع قانون من الحكومة، ما يعني المزيد من إضاعة الوقت، ومن خلال اقتراح القانون يُمكن للمجلس النيابي اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً".

وعلى الفور، عاجل رئيس مجلس النواب نبيه بري هذا الطرح بإعرابه عن غضبه "من تنصُّل ميقاتي ومحاولته إلقاء التبعة على البرلمان بالإمتناع عن وضع مشروع قانون بذلك وإحالته على مجلس النواب"، معلناً بوضوح، ان المجلس "لا يتخلى عن دوره لكنه لا يأخذ دور سواه ولا يمانع إقرار الإقتراض من مصرف لبنان عندما يصل الى المجلس مشروع قانون بذلك، عندئذٍ يُقرّ باقتراح قانون، بيد أن ذلك يوجب إحالة المشروع من الحكومة أولاً".

 

قد يهمك:

لبنان: موازنة غير متوازنة!

     

     

    وقبل رفع جدران الحكومة والمجلس امام مطلب الحاكم بالانابة ورفاقه، تم نشر كتاب رسمي ممهور بتوقيع نائبه سعادة الشامي، يشكك اساساً بقدرة الدولة على سداد اي اقتراض جديد من احتياطات العملات الصعبة، باعتبار ان قيمة هذا العقد  تشكّل 6 في المئة  من النّاتج المحلّي الإجمالي ونحو 75 في المئة من إيرادات الموازنة السّنوية والمقدّرة بنحو 1.6 مليار دولار، ليستدرك بعدها "ان هذه الأموال هي حقوق للمودعين في البنوك".

    واذ يشدّد الحاكم منصوري ونوابه، على ضرورة الحفاظ على الاحتياطات المتبقيّة بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان إلى حين وضع خطّة شاملة تحدّد مصير الودائع في المصارف. لكنهم فتحوا، بالتوازي، منفذاً لتمويل الاحتياجات المالية الملحة للدولة من خلال اشتراط صدور تشريع يسمح للمصرف المركزي إقراض الحكومة، وبحسب طلبها، مبلغ يقارب 200 مليون دولار شهرياً، وعلى ان يتم تخصيص جزء منه يقارب 50 مليون دولار لحفظ الاستقرار النقدي والتدخل في سوق القطع عند الحاجة.

    وسواء حصل منصوري على التغطية الرسمية أم لا، فإن البازار المفتوح على الرمق الأخير من مدخرات المقيمين وغير المقيمين، لبنانيين وغير لبنانيين، افراداً وشركات، هو مكمن الانحراف الذي يتوجب عليه التحوط أكثر وأكثر لتلافي جسامته وتبعاته. الأمر ببساطة، ان الجميع يقرّ بأن هذه الأموال عائدة لجزء حيوي من نسبة الـ 14 في المئة المفروضة على اجمالي الودائع القائمة بالدولار والبالغة حالياً نحو 93 مليار دولار.

    اما في ميزان "الاستقراض" المشروط بآليات السداد الممنهجة، فإن المخاوف من تبعات توكيل الدولة بتبديد مبالغ جديدة من الاحتياطي الذي تدنى عن عتبة 9 مليارات دولار، تعلو على تزويد البنك المركزي بتغطية قانونية لم تنفع بتاتاً وبصيغ متعددة في عهد الحاكم السابق الذي اختزن فقط تعهدات تشريعية "ورقية" عبر مواد محددة في الموازنات وعقود ائتمانية لصالح الدولة ومؤسساتها، لقاء انفاق فعلي بعشرات مليارات الدولار على مدى ثلاثة عقود امضاها في البنك المركزي.

    وفضلاً عن الشكوك الموضوعية بتعذر ايفاء المبالغ الجديدة من قبل الدولة بعقود اقراض او بمواد خاصة في قانون الموازنة، وعلى منوال التنصل المستمر من موجبات الدين العام الذي يفوق حسابياً عتبة 100 مليار دولار، يلفت مسؤول مصرفي الى ان المادة 91 من قانون النقد والتسليف التي تتيح للحكومة طلب التمويل الطارىء من البنك المركزي، تفرض عليه في الوقت عينه اقتراح " التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحدّ من تأثيره على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية".

    وفي بعد آخر، ثمة مخاوف حقيقية تسود القطاع المالي، من استجرار نظرية الودائع المؤهلة وغير المؤهلة الى تصنيف الديون المتوجبة على الدولة، فالمقاربات الحكومية لمعالجة الفجوة المالية البالغة نحو 73 مليار دولار، لا تزال ترتكز، وحتى إشعار آخر، على تحميل الجزء الأكبر من الأعباء على المودعين في المصارف الذين يعانون في تنفيذ حصص سحوبات شهرية محدودة ( 1600 دولار بموجب التعميمي 151) وتتعرض لاقتطاعات قاسية بنسبة تقارب 84 في المئة من المبلغ المستحق.

    وفي الأصل الذي تشيح الحكومة انظارها عنه، كشفت البيانات المالية الأحدث الصادرة عن البنك المركزي، والموقوفة بنهاية شهر تموز/يوليو الماضي، جانباً من الازمة الحادة التي تواجه الدولة اللبنانية في تأمين السيولة النقدية لمصروفاتها الملحة بالدولار بدءاً من نهاية الشهر الحالي، وبما يشمل خصوصاً صرف مخصصات القطاع العام بما يناهز 80 مليون دولار شهرياً.

    وقد تدنّى الرصيد الصافي لاحتياط العملات الصعبة، ومن دون احتساب القيمة المقابلة لمخزون الذهب "المحظور" التصرف به، الى نحو 8.76 مليارات دولار، اي ما يقل عن 4.25 مليارات دولار عن مستوى التوظيفات الالزامية الخاصة بالودائع الدولارية في الجهاز المصرفي، وهذه هي الاشكالية الكامنة والتي تثير اعتراضات وردود افعال غاضبة من قبل المودعين والجمعيات التي تنادي بحفظ ما تبقى من مدخراتهم وحقوقهم.

    وفي الملاحظة المثيرة للتنبّه، وفقاً لمصادر معنية، تسجيل صرف نحو 609 ملايين دولار في النصف الثاني من شهر يوليو\تموز الماضي، من اجمالي انكماش بلغ نحو 1380 مليون دولار خلال دورة سنة كاملة، وهو ما يفسّر الارتياح "الظرفي" لدى الحكومة والحاكمية معاً الى واقع فترة السماح الجزئية التي تكفّل بها الحاكم السابق في الايام الأخيرة لولايته القانونية، والتي ترجمها بتلبية الحاجات المالية الطارئة للدولة بالدولار للشهر الحالي من رواتب ومستحقات لصالح قطاع الكهرباء وكلفة الأدوية.

    اما في التحليل، فتشير المصادر الى ان ضغوط الصرف من المخزون تضاعفت بعد وقف عمليات شراء الدولار النقدي من قبل الحاكم السابق، وستسير في الاتجاه عينه ربطاً برفض الحاكم الجديد اعتماد هذه الآلية، بدءاً من ابلاغ المصارف رسمياً وفور تسلّمه المنصب اول الشهر الحالي، بايقاف المبادلات النقدية على المنصة واقتصارها فقط على ضخ كميات الدولار الموازية لمخصصات موظفي القطاع العام والمتقاعدين.