هل الاقتصاد العالمي بات أفضل بعد عام على حرب أوكرانيا؟

  • 2023-02-26
  • 11:00

هل الاقتصاد العالمي بات أفضل بعد عام على حرب أوكرانيا؟

  • أحمد عياش

هناك من يجيب بنعم على هذا السؤال. فقد قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين عشية الذكرى الأولى لهذه الحرب إن الاقتصاد العالمي "في وضع أفضل مما كان متوقعاً قبل بضعة أشهر مع التداعيات الاقتصادية لوباء كوفيد وغزو روسيا لأوكرانيا". فهل يمثل الموقف الأميركي، الكلمة الأخيرة في تقييم آثار هذه الحرب التي ما زالت متفجرة، ما يطرح أسئلة حول الانفجار الكبير الذي يمكن ان تحدثه على المستوى العالمي؟

 

إقرأ:

"مصدر" الإماراتية تفتتح محطة بينونة للطاقة الشمسية في الأردن

 

 

في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في ثلاثة بلدان هي الأكبر ضمن العالم العربي من حيث مجموع السكان فيها، وهي مصر والمغرب وتونس، تقع في شمال أفريقيا، هناك مصاعب إقتصادية تسببت بها هذه الحرب ولا تزال. فقبل ان يطوي العام الماضي صفحته، أعلن صندوق النقد الدولي عن قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمصر، وهو رابع خطة إنقاذ من نوعها في ست سنوات، فيما يرقى إلى إسعافات أولية أكثر من طوق نجاة لبلد يعاني من تداعيات الحرب في أوكرانيا وتشدد السياسات النقدية في الولايات المتحدة الاميركية. ووقت ذاك، كان من المتوقع أن يتم سداده على مدى أربع سنوات، بمقدار مليار دولار أخرى إذا وافق الصندوق على تقديم تمويل إضافي لمساعدة مصر في مكافحة تغيّر المناخ، كما يمكن أن يكون بمثابة تصويت رمزي على الثقة، ما يشير إلى عودة المستثمرين الذين تركوا مصر إلى أسواق أكثر أماناً.

لكن اقتصاديين قالوا إن مصر بحاجة إلى أموال أكثر بكثير، وتغييرات اقتصادية هيكلية عميقة لتغطية ديونها الهائلة لإعادة تشكيل الاقتصاد وتعزيز قدرتها على النمو وخدمة ديونها ولاسيما مع ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً ومع التراجع المتواصل في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وبعد بدء الحرب وما صاحبها من أزمات اقتصادية وأزمة طاقة، جفّت صناعة السياحة الحيوية في مصر، والتي تعتمد بشكل كبير على السياح الروس والأوكرانيين، وتضخمت فواتير استيراد القمح والنفط؛ وانسحب المستثمرون الأجانب ولا سيما من السندات بشكل جماعي، وأخذوا معهم ما لا يقل عن 25 مليار دولار.

وتعهد الداعمون لمصر بقيادة دول خليجية من بينها السعودية والإمارات وقطر باستثمارات بنحو 22 مليار دولار العام الماضي لمساعدة مصر على تجاوز الازمة وتخفيف وطأتها على الاقتصاد والمجتمع.

وبعد أعوام من إضطراب إدارة إمدادات المياه والصناعات الزراعية، لا تستطيع دول مثل مصر والجزائر وتونس والمغرب إطعام سكانها من دون استيراد الغذاء – ودعمه بشكل كبير. وفي السنوات الأخيرة، ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في العالم العربي بسبب الاعتماد المتزايد على الواردات الغذائية، فضلاً عن ندرة الأراضي الصالحة للزراعة والنمو السكاني السريع.

ويواجه المغرب، حيث يوظف قطاع الزراعة المهم نحو 45 في المئة من القوى العاملة، أزمة اقتصادية عجّل بها التضخم العالمي، وارتفاع أسعار الغذاء والنفط، وأسوأ موجة جفاف منذ ثلاثة عقود. وتشير التطورات إلى أن العديد من المغاربة شعروا بالضيق بعد حرب أوكرانيا في الوقت الذي يكافحون فيه لتغطية نفقاتهم بعد عامين من الوباء الذي قضى على صناعة السياحة التي كانت مربحة ذات يوم.

وقال خبراء إن أزمة المغرب كانت متوقعة نتيجة تضاؤل هطول الأمطار في البلاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وهناك تقديرات بأن تشهد معدلات الامطار المزيد من الانخفاض بحلول نهاية القرن، وفقاً لمعهد الموارد العالمية. وفي المقابل، أعلن الديوان الملكي المغربي عن خطة بقيمة مليار دولار للتخفيف من آثار الجفاف على المزارعين من خلال توفير المساعدات المالية وإدارة المياه والإمدادات الغذائية للماشية.

 

قد يهمك:

وزير الاقتصاد الإماراتي: حجم تجارتنا غير النفطية مع الجزائر يرتفع إلى 800 مليون دولار في 2022

 

 

ووفقاً للنيويورك تايمز، لا تريد أي دولة في الشرق الأوسط أن تصبح مثل لبنان، الذي شهد انهياراً نقدياً واقتصاده بشكل كارثي منذ أواخر العام 2019، ويستورد لبنان أكثر من نصف احتياجاته من القمح من أوكرانيا، ويتحدث بالفعل مع دول أخرى مثل الهند والولايات المتحدة في شأن شراء هذا القمح.

وفي تونس، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية مع تذبذب المالية العامة، تكافح الحكومة للحفاظ على الاستقرار وهي كانت في حاجة ماسة إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، لكن مثل هذه الصفقة أجبرتها على الأرجح على اتخاذ تدابير لا تحظى بشعبية مثل خفض الأجور العامة والإعانات.

بالعودة الى جذور الحرب في أوكرانيا، والتي على ما يبدو قد حجزت مكاناً بارزاً في التاريخ الآتي. وفي هذا الاطار يمكن العودة الى ما كتبه بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 2008 لعمله في التجارة الدولية والجغرافيا الاقتصادية. فتحت عنوان "كيف قد تؤثر صدمة بوتين على الاقتصاد العالمي" كتب كروغمان بعد أقل من إسبوعيّن على نشوب الحرب في صفحة الراي في النيويورك تايمز:" ستفرض الأحداث في أوكرانيا وروسيا بشكل خاص تكاليف باهظة على الاقتصاد العالمي. إنها ستكون سيئة ، لكنها لن تكون كارثية. وعلى وجه التحديد، يبدو من غير المرجح أن تكون صدمة بوتين سيئة مثل الصدمات النفطية التي هزت الاقتصاد العالمي في 1970". وأضاف: "كما هي الحال في 1970، فإن الضربة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي تأتي من أسعار السلع الأساسية. روسيا هي مصدر رئيسي للنفط والغاز الطبيعي. كل من روسيا وأوكرانيا - أو كانتا - مصدرين رئيسيين للقمح، لذا فإن الحرب لها تأثير كبير على أسعار الطاقة والمواد الغذائية." وخلص الى القول: "إن تأثير الاضطراب الروسي لن يكون كبيراً حتى أواخر هذا العام، ما يمنح أوروبا الوقت لاتخاذ تدابير لجعل نفسها أقل عرضة للخطر...في الإجمال، ستكون الصدمة الروسية للاقتصاد العالمي سيئة، ولكن ربما لن تكون كلها سيئة".

بعد مضي عام على حرب أوكرانيا، وأقل من عام بقليل على ما كتبه كروغمان، بدا أن الأخير قد أطلق تنبؤات قد حالفها الحظ بشهادة ما صرّحت به بالأمس وزيرة الخزانة الأميركية على هامش اجتماع وزراء المال ومحافظو المصارف المركزية لدول مجموعة العشرين يوميّ الجمعة والسبت في 24 و25 شباط/فبراير في مدينة بنغالور الهندية لمناقشة تدابير لمعالجة الآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وإمكانية تخفيف عبء الديون عن البلدان الفقيرة الأكثر ضعفاً.

كيف تبدو الصورة على الجانب الروسي؟ في هذا الاطار أوردت بلومبرغ  ان معدل التضخم بلغ في روسيا 13.8 في المئة وهو يعتبر معدلاً مرتفعاً، لكنه لم يكن أسوأ بكثير من معدلات التضخم في بعض الدول الغربية، فقد تمكنت روسيا من إبقاء عجز ميزانية العام الماضي في مستوى معقول بلغ 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم القيود المفروضة على إصدار أدوات الدين الخارجي بسبب العقوبات الغربية، كما انخفض معدل البطالة الرسمي إلى 4 في المئة نزولاً من 4.8 في المئة العام الماضي، وفقاً لتقديرات بلومبرغ، غير "ان توقعات نمو الاقتصاد الروسي قبل الحرب كانت قد بلغت 3 في المئة على الأقل، مع إعادة فتحه بعد الوباء. وبالتالي، يُفترض بإجمالي الانخفاض في الإنتاج الفعلي أن يقارب 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بواقع 1.8 تريليون دولار، لكنه يعادل من حيث القيمة المطلقة، 108 مليارات دولار، أي نصف الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا في 2021 تقريباً، ما يعني أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا تجاوز تراجع نظيره الأوكراني".

ما هي الخلاصة المفيدة في نهاية عام على اندلاع حرب أوكرانيا ومضيّها نحو عام جديد؟ سيكون الجواب ملتبساً تبعاً للجهة التي تقدمه. ففي كل حرب، هناك رابحون وخاسرون كما هي العادة ولاسيما في عالم الاقتصاد. وكما قيل: "ليس من يأكل العصيّ كمن يعدها".