في صقيع دافوس 2023.. الطاقة الاحفورية لها كلمة مسموعة

  • 2023-01-24
  • 12:30

في صقيع دافوس 2023.. الطاقة الاحفورية لها كلمة مسموعة

  • أحمد عياش

في ختام أيام اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عاد مجدداً هذه السنة بعد جائحة كورونا إلى إقامته الشتوية الثلجية بدافوس في جبال الألب السويسرية، حدث أمر لافت للانتباه لم يكن مألوفاً في وقت سابق. فوفق ما أوردته رويترز، فإنه على عكس مؤتمر المناخ COP26 للعام 2021 في غلاسكو، حيث كان المسؤولون التنفيذيون في مجال النفط والغاز أشخاصاً غير مرغوب فيهم، جلس رؤساء الوقود الأحفوري ورؤساء الطاقة المتجددة متلاصقين في المنتدى. فكيف حدث ذلك؟

قبل الخوض في الجواب، من المفيد إلقاء نظرة على جدول أعمال المنتدى الذي انعقد من 16 الى 20 كانون الثاني/ يناير الحالي، وقد تصدّر أعمال المنتدى موضوع، "التعاون في عالم مجزأ"، في إشارة إلى التحول التكتوني في الأسواق العالمية والعلاقات السياسية الذي حدث منذ الوباء.

تعميق الانقسامات الإيديولوجية

وكان الحدث السنوي يعتبر ذات يوم مشجعاً للعولمة. والآن، النخبة العالمية اجتمعت هذه السنة على خلفية الحمائية، وهي الحرب التي أدت إلى توتر التحالفات السياسية وتعميق الانقسامات الإيديولوجية، كما هدد ارتفاع أسعار الفائدة وأزمة تكاليف المعيشة بتحويل الانتباه. لكن تغيّر المناخ تصدّر مسح المنتدى الاقتصادي العالمي للمخاطر العالمية واختلط، كما ورد آنفاً، المسؤولون التنفيذيون لشركات الطاقة مع نشطاء المناخ ووزراء البيئة في المنتدى. وقد شملت الموضوعات الأخرى تكلفة المعيشة، وسوق العمل الضيق، والكوارث الطبيعية والظواهر الجوية المتطرفة، وكيفية منع حدوث ركود عالمي في العام 2023، وعودة ظهور عدوى COVID في العديد من البلدان، وأزمة الطاقة والذكرى السنوية الأولى التي تلوح في الأفق لحرب روسيا في أوكرانيا.

بالعودة إلى السؤال حول جلوس رؤساء الوقود الأحفوري ورؤساء الطاقة المتجددة متلاصقين في المنتدى، لم يكن هذا التطور مرغوباً به عند نشطاء مثل غريتا ثونبرغ. لكن البعض في صناعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية تغيّر موقفهم. وقد فوجئ تيجبريت شوبرا، الذي يرأس إحدى شركات الطاقة النظيفة في الهند بهارات لايت آند باور، بدعوته إلى حدث جانبي مع أكثر من 60 من كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط والغاز. وقال لرويترز "يجب أن يتخذ مسار هذا الانتقال نهجاً أكثر شمولاً حتى نصل جميعاً إلى خط النهاية حيث نريد جميعاً أن نكون".

 لا جدال في أن هذا التحول، ناجم جزئياً عن أزمة الطاقة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، والتي كرّس لها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خطاباً له.

ومع ارتفاع الأسعار الذي أدى إلى ارتفاع التضخم، وإجبار الصناعات على وقف الإنتاج، ورفع فواتير الطاقة، عكس القادة الأوروبيون خططهم لخفض الاستثمارات في الوقود الأحفوري الجديد.

هل يمكن الاعتماد على الطاقة المتجددة وحدها؟

وحذّر الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص، الذي كان في دافوس، من أن الحجم الهائل للنمو الاقتصادي يعني أن الطلب على الطاقة لا يمكن تلبيته من خلال مصادر الطاقة المتجددة وحدها. هذه الرسالة، التي رددها الكثيرون في الصناعة، سواء كانوا منتجي الوقود الأحفوري التقليديين أو الطاقة المتجددة طوال العام الماضي، وجدت مكاناً في المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام. وقال جوزيف ماكمونيجل الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي انه "من المؤكد أن الحرب (في أوكرانيا) أضافت علاوة لكن السبب الجذري هيكلي"، وأضاف "حاولنا الحدّ من العرض، في حين أن الطلب لا يتناقص".

في المقابل، رأى المبعوث الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري خلال كلمته أمام منتدى دافوس أن العالم في المقابل يتجه نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 2.5 درجة أو أكثر، وأضاف أن الاستثمارات في حماية المناخ تجب مضاعفتها لهذا السبب، وأعرب المرشح الأسبق للحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس الأميركي، عن اعتقاده أن مكافحة التغير المناخي "لا يمكن أن تنجح إلا إذا خلقت الحكومات محفزات بالنسبة للقطاع الخاص لكي يستثمر في التقنيات الصديقة للبيئة".

بدورها، قالت الناشطة البيئية غريتا تونبرغ، في إنه من "السخف" أن يأخذ الناس على محمل الجد الأفكار المتعلقة بتغير المناخ والتي طُرحت في دافوس، ورأت "أن الأشخاص الذين يجب أن نستمع إليهم ليسوا هنا، بل في الخطوط الأمامية".

المناخ قد لا يكون الهاجس الأول

من ناحيته، اعتبر رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنتدى مارون كيروز انه "من الصعب أن يكون المناخ الهاجس الأول لدى دول تعاني من ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، أو شح في مواردها، ولكن تأثير تغير المناخ على منطقة الشرق الأوسط تحديداً سيكون "هائلاً جداً". وقال: "من المتوقع أن تشهد المنطقة ضعف ارتفاع درجات الحرارة بالمقارنة مع بقية العالم، أي أن ارتفاع حرارة العالم درجتين سيُقابل بارتفاع 4 درجات في الشرق الأوسط. ورأى كيروز أن التصدي للتغير المناخي في المنطقة "ليس رفاهية أو استجابةً لأجندة خارجية، بل إن هناك مصلحة للمنطقة بالتصدي لهذه الظاهرة والتعاون في مواجهتها"، وخلص الى القول: "إن قمة المناخ (كوب27) في مصر، والقمة المقبلة (كوب28) في الإمارات محطتان أساسيتان لتتحمل المنطقة جزأها من هذا العبء، وتقوم بالتغيير المطلوب في هذا الإطار".

في سياق متصل، وعملاً بالقول المأثور، " إضاءة شمعة بدلاً من لعن الظلام"، أطلقت وزارة الاقتصاد والتخطيط  في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع "آب لينك UpLink"، منصة الابتكار المفتوحة للمنتدى الاقتصادي العالمي، تحدياً ابتكارياً يهدف إلى حشد حلول تحولية تسهم في توفير الأغذية المحلية بالبلدان المتضررة من شحّ الأمطار والجفاف والتصحر. وتم إعلان التحدي خلال الاجتماع السنوي للمنتدى، في إطار جهود السعودية لتطوير حلول مبتكرة لأبرز التحديات في العالم من خلال التعاون والتشارك.

وتُعدّ التحديات التي تواجه المنظومات الغذائية والمناطق القاحلة نداءً عالمياً لرواد الأعمال والشركات الناشئة والمشاريع الاجتماعية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في مجال الأغذية لتقديم حلول تتضمن تقنيات بسيطة أو متطورة. وستحصل المجموعة الفائزة على 100 ألف فرنك سويسري لتنفيذ المشروع وتوسيع نطاقه في المناطق القاحلة. ويعدّ هذا التحدي هو الأول من أصل تحديين يتمحوران حول الأنظمة الغذائية، فيما سيتم إطلاق التحدي الثاني في وقت لاحق من العام 2023 بشأن الزراعة الذكية مناخياً.

ماذا عن الأمن الغذائي؟

 وتأتي هذه المبادرة في الوقت الذي يعاني فيه اليوم نحو 828 مليون إنسان من الجوع، بينما يعاني 2.3 مليار إنسان من مخاطر الأمن الغذائي، كما أنّ هناك 3.1 مليارات إنسان على مستوى العالم عاجزون عن تحمل تكاليف النظام الغذائي الصحي. وتشير التقديرات إلى أنّ 700 مليون شخص سينزحون عن مواطنهم بسبب الجفاف بحلول العام 2030.

ويهدف التحدي إلى تعزيز الأمن الغذائي وتحسين إمدادات الأغذية الصحية في المناطق القاحلة من خلال دعم الحلول ذات الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والتعليمي البارز لتعزيز سلاسل القيمة الغذائية المحلية.

وبفضل المبادرات التي تقودها المملكة في هذا المجال، فإنّ السعودية تقترب من تحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع في حلول العام 2030.

ما سبق من معطيات، هو أجزاء من الصورة الشاملة التي يندرج فيها في رأي الخبراء الذين يرون أن هناك إجماعاً يتزايد داخل صناعة الطاقة على أن المطالبة بالتخلي الفوري عن استثمارات النفط والغاز وتركها في الأرض تأتي بنتائج عكسية. لذا، على العالم ان يتدبر امره بشتى السبل في انتظار بلوغ عالم من الطاقة النظيفة بالكامل الذي يبدو اليوم مثالياً.