ماذا يريد ولي العهد السعودي من مجلس التعاون الخليجي؟

  • 2022-12-12
  • 08:11

ماذا يريد ولي العهد السعودي من مجلس التعاون الخليجي؟

  • رشيد حسن

 

تحرك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بسرعة ليبني على نجاح القمة التاريخية السعودية الصينية مشروعاً لترقية التعاون الخليجي إلى مستويات يمكنها أن تحول القوة المتنامية للسعودية إلى قوة اقتصادية ودبلوماسية لدول الخليج مجتمعة، وان تبني على جو الوئام الذي يسود علاقاتها والتطور المستمر في تعاونها السياسي والاقتصادي لإعادة تكوين هذه المنظومة الإقليمية الفريدة باتجاه يجعل منها كياناً إقليمياً منسجماً ومتزايد الثقل على الساحة الدولية.

تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في نهاية العام 1981 عندما كانت الحرب مستعرة بين نظام صدام حسين والنظام الخميني في إيران، وشكل ذلك يومها خطوة سبّاقة أظهرت وعي حكّام المنطقة لحقائق الجغرافيا السياسية والمصير المشترك الذي يجمع بين بلدانهم، وتضمنت اتفاقية مجلس التعاون معاهدة أمنية (تتعلق فقط بجوانب ضبط الحدود والأمن وملاحقة الجرائم، كما تضمنت اتفاقية اقتصادية عمومية تمّ تطويرها إلى حدّ كبير في اتفاقية وقّعت في أواخر العام 2001 وكانت بمثابة مخطط لوحدة اقتصادية ومالية ونقدية. وقد حققت اتفاقية العام 2001 لمنطقة الخليج درجة عالية من سوق موحدة ومواطنة خليجية سمحت لمواطني الدول الست بالانتقال الحرّ والتجارة والاستثمار في أي بلد خليجي من دون قيود، كما وحدت الأنظمة والإجراءات الجمركية لكن من دون التوصل إلى اتفاقية لتوحيد الرسوم الجمركية حتى الآن. وعزز المجلس في الوقت نفسه التعاون الأمني والدفاعي كحدّ أدنى مع ترك الباب متاحاً لعقد تحالفات واتفاقات ثنائية كما تلك التي جمعت بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وبالطبع حسناً فعلت دول الخليج بتأجيل السعي إلى الهدف غير الواقعي للوحدة النقدية على الطريقة الأوروبية.

ومن أهم نجاحات تجربة مجلس التعاون أنه طبّق مبدأ الأخذ بالممكن والتطور التدريجي، وذلك مراعاة لطبيعة الأنظمة الخليجية وخصوصيات كل بلد و"الحساسيات الوطنية"، فكان بذلك أقرب إلى صيغة تعمل بمبدأ "الإجماع"، وليس لأي دولة بموجبها امتياز على الدول الأعضاء الأخرى. وكان لهذه الرابطة المرنة دور كبير في استمرار المجلس وتطوره على مدى 41 عاماً من مسيرته السياسية والاقتصادية، لكن اتضح مع الوقت أن هذه الاستمرارية تحققت على حساب جمود التعاون عند حدود لم يستطع تجاوزها، بل وبسبب المسارات المختلفة التي اتخذتها تجربة كل بلد والتطورات الاقتصادية فيه أو التجربة الخاصة بإمارة دبي أو التحول الكبير في التجربة السعودية فإننا رأينا المزيد من التنوع والافتراق بين الأوضاع الخاصة بكل دولة، وبلغ تباين التجارب والحسابات في وقت ما، حداً تسبب بأزمة كبيرة هزت مبدأ التعاون وأعادت تجربة المجلس سنوات عدة إلى الوراء.

لكن شهدنا في السنوات الأخيرة جملة من التطورات الإيجابية التي أعادت اللحمة الخليجية إلى سابق عهدها. ومن أهم تلك الأسباب بروز المملكة العربية السعودية كقوة اقتصادية ضخمة ومنفتحة وصاحبة رؤية طموحة، كذلك شهدنا عودة التقارب بين القوى الإقليمية الرئيسية وهي تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، ثم دعم انطلاقة المونديال من قطر، وأخيراً طي ملف التطرف، وكل هذه التطورات الاستراتيجية ساهمت في بلورة محور اعتدال وتعاون، ووفرت الأجواء بالتالي لانطلاقة مشاريع تخفيف الاعتماد على الاقتصاد النفطي وتحقيق المزيد من الانفتاح على العالم.

في هذا الجو وفّرت الزيارة التاريخية للرئيس الصيني إلى السعودية، الإطار المناسب لمواجهة مجلس التعاون الخليجي بالوضع العالمي المستجد، والفرص المهمة لعقد شراكات استراتيجية مع ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم والشريك الأول للمنطقة في التجارة النفطية، وكذلك التجارة السلعية غير النفطية. وجاءت التلبية الإجماعية للقمة الخليجية الصينية مؤشراً واضحاً على أن دول الخليج باتت تستشعر سمات الوضع الجديد، وأصبحت مستعدة بعد 41 عاماً على قيام المجلس للبحث في تطوير التعاون بينها، بما يأخذ في الاعتبار التحولات الدولية وما تحمله من مخاطر ومن فرص. 

إن الاتفاقات السعودية الصينية هي تطور مهم يضاف إلى جملة التحولات الإيجابية التي شهدتها المنطقة. وهذه التحولات تخلق وضعاً جديداً يجب أن يدفع إلى التفكير بتطوير صيغة مجلس التعاون وبرنامج عمله وأهدافه المشتركة وآلياته، بحيث يمكنه أن يتحول مع الزمن الى منظومة سياسية واقتصادية ودفاعية قوية قادرة باستمرار على إثبات وجودها وحيثيتها السياسية والتمثيلية على النطاق الدولي.

يكفي في الواقع التدقيق في معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين السعودية والصين وعدد القضايا والمجالات التي تغطيها، لكي ندرك أن في إمكان دول مجلس التعاون على الأقل أن ترتقي بالتزاماتها الجماعية إلى المستوى الذي أمكن التوصل إليه مع دولة صديقة لجهة تنسيق السياسات الدولية والمواقف من الملفات العالمية والإقليمية. وعندما يطرح الأمير محمد بن سلمان الحاجة إلى تطوير التعاون الخليجي، فإنه وبالإضافة إلى تطلعه إلى تنسيق فعّال في مسارات التنمية وخطط تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط  يشير ايضاً إلى حاجة دول المجلس إلى التحدث بصوت واحد قوي وإلى حضور دبلوماسي دولي  يذكر بالصوت الواحد التي يتحدث به الاتحاد الأوروبي مثلاً في الملفات الدولية وهو صوت مسموع لكنه لا يحول دون الحكومات في كل بلد أوروبي من التعبير عن موقفها.

لكن هذا التطور المنشود في التعاون الخليجي يحتاج أولاً إلى إعادة تقييم شاملة لدور المجلس والاستثمار في تطوير آلياته وأجهزته وخبراته، وإلى ترقية عمله وزيادة موارده البشرية والفكرية والسياسية، بما يمكنه فعلاً من مواكبة الأوضاع العالمية والإقليمية الجديدة، كما إنه يحتاج إلى تعزيز الحضور السياسي للحكومات الخليجية داخل المجلس واعتبار هذه المؤسسة المهمة امتداداً لهذه الحكومات وتعبيراً فاعلاً عن تفكيرها وأهدافها ومواقفها.