كيف يتم "صنع العصر" بين الصين والسعودية؟

  • 2022-12-09
  • 18:55

كيف يتم "صنع العصر" بين الصين والسعودية؟

  • أحمد عياش

 

تعبير "صنع العصر" لوصف زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للمملكة العربية السعودية، هو لوكالة رويترز، في وقت قالت بكين إن زيارة الزعيم الصيني تمثل أكبر مبادرة دبلوماسية لها في العالم العربي في موازاة قيام الرياض بتوسيع تحالفاتها العالمية لكي تشمل الشرق والغرب على السواء.

هل يأتي وصف زيارة الرئيس الصيني للمملكة بـ "صنع العصر" في مكانه؟

لعلّّ الجواب على هذا السؤال بعد وصول جينبينغ الى العاصمة السعودية، هو في الحجم الكبير من المعطيات حول مدى العلاقات بين القوة الاقتصادية العالمية وعملاق الطاقة الخليجي. ويزيد على ذلك، إعلان الرئيس الصيني نفسه من الرياض عندما رسم خريطة طريق لزيارته بقوله إنه سيبحث مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على نحو معمّق العلاقات الثنائية، والعمل سوياً على تخطيط تطويرها، بالإضافة إلى مناقشة القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

إذاً، أتى الزعيم الصيني الى المملكة بعد ستة أعوام على آخر زيارة قام بها، وبين الأعوام الستة نصفها تقريباً كانت لحرب أوكرانيا، ولوباء كورونا الذي وضع العالم في عزلة قلّ نظيرها في التاريخ.

من يعلم تاريخ العلاقات الصينية -السعودية، يدرك انها أعمق بكثير مما تبدو عليه الآن وسط تشابكات الظروف الدولية، فهذه العلاقات تعود الى 32 عاماً، ما يعني انها موجودة قبل ان يغرق العالم في أزمات في مقدمها توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وتوتر مماثل بين واشنطن والرياض. في موازاة ذلك، هناك بداية انفراج ظهر على مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بدأ في قمة العشرين الأخيرة في أندونيسيا، ومثله انفراج في طور التكوين بين الحليفيّن التاريخييّن الأميركي والسعودي.

وفي العودة الى الانفراج الأميركي- الصيني، يمكن استعادة ما أعلنته كريستالينا جورجيفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، من أن اجتماع الرئيس الاميركي مع الرئيس الصيني في قمة العشرين كان إشارة "بناءة للغاية" قد تخفف التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

أما العلاقات الاميركية-السعودية، فبعد قرار أوبك أ+، خفض الانتاج وما تركه  من ندوب في العلاقات بين الرياض والادارة الاميركية الحالية، أكدت واشنطن منذ ذلك الحين دعمها لأمن المملكة، حيث شدد المسؤولون الأميركيون على "الميزة النسبية" للولايات المتحدة في بناء هياكل دفاعية متكاملة في الخليج. وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي عشية القمة السعودية-الصينية، إن واشنطن تريد التأكد من أن علاقتها "الاستراتيجية" مع الرياض تعمل "لمصلحتنا". ورفض مسؤولون أميركيون التعليق عندما سئلوا عن العلاقات الثنائية بين السعودية والصين قبل زيارة شي.

عندما تكون الكلمة للاقتصاد وليس للسياسة، تأخذ العلاقات الدولية بعداً أكثر واقعياً. وليس هناك من يجادل في ان إنفراج الاقتصاد هو مؤشر الى ان العالم يسير على خط مواز لخط التأزم السياسي الذي بلغ ذروته ولا يزال في حرب اوكرانيا. 

 من هنا، أهمية توقَّيع شركات سعودية وصينية، عشية وصول الرئيس الصيني، 34 اتفاقية استثمارية شملت قطاعات عدة في مجالات الطاقة الخضراء، والهيدروجين الأخضر، والطاقة الكهروضوئية، وتقنية المعلومات، والخدمات السحابية، والنقل، والخدمات اللوجيستية، والصناعات الطبية، والإسكان، ومصانع البناء. 

واكتسبت ملاحظة  المهندس خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي أهمية من خلال الإشارة الى أن الاتفاقات بين  الرياض وبكين تأتي في ظل "رؤية 2030" التي  تتيح "فرصاً استثمارية غير مسبوقة في قطاعات عدة. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية 304 مليارات ريال خلال العام 2021، مسجَّلاً 103 مليارات ريال في الربع الثالث من العام الجاري.

ولا بدّ من الاشارة الى ان الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم، شريك تجاري رئيسي لمنتجي النفط والغاز في الخليج، كما إن السعودية هي أكبر مورد للنفط الى الصين. وقد قال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان إن الرياض ستظل شريكاً "موثوقاً وموثوقاً به في مجال الطاقة" لبكين وأن البلدين سيعززان التعاون في سلاسل إمدادات الطاقة من خلال إنشاء مركز إقليمي في المملكة للمصانع الصينية.

وتأتي زيارة شي في الوقت الذي تخيم فيه حالة من عدم اليقين على أسواق الطاقة بعد أن فرضت القوى الغربية سقفاً لأسعار مبيعات النفط من روسيا التي تزيد الكميات إلى الصين بالنفط المخفض.

وعلى الرغم من أن العلاقات السعودية مع الصين تبدو وكأنها تنمو "بسرعة أكبر بكثير" من العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أن العلاقات الفعلية غير قابلة للمقارنة، كما قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية. وقال أيضاً: "العلاقات مع الصين تتضاءل مقابل العلاقات مع الولايات المتحدة من حيث التعقيد والحميمية".

وقال مسؤولون من دول الخليج العربية إنه في حين تظل واشنطن شريكاً استراتيجياً رئيسياً، فإن من المهم للمصالح الاقتصادية والأمنية الوطنية في المنطقة تعميق العلاقات مع الشركاء الآخرين مثل الصين وروسيا، وقال المسؤول الإماراتي الكبير أنور قرقاش الشهر الماضي:"علاقاتنا التجارية تتطلع بشكل متزايد إلى الشرق، في حين أن علاقاتنا الأمنية والاستثمارية الأساسية في الغرب".

وقالت كارين يونغ، كبيرة الباحثين في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: "سيرغب جميع مصدري النفط في المنطقة في المزيد من المعلومات حول خطط الصين لرفع قيود COVID، خصوصاً أولئك مثل العراق وعمان الذين يعتمدون بشدة على هذه السوق". أما تسفيتانا باراسكوفا فكتبت في موقع Oil Price الالكتروني تقول :"يبدو أن العمل كالمعتاد بالنسبة لشركات التكرير الصينية، التي تواصل شراء الخام الروسي وتتجاهل سقف الأسعار الذي تفرضه الدول الغربية. لكن بسبب الطلب الفاتر، تشهد شركات التكرير المستقلة في الصين أكبر تخفيضات في أشهر لخام إسبو الروسي. وقد دخل الحد الأقصى لسعر الخام الروسي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا حيز التنفيذ يوم الاثنين، لكن الصين لم تنضم إلى ما يسمى بتحالف الحد الأقصى للأسعار، الذي يحظر خدمات النقل البحري للنفط الخام الروسي ما لم يتم بيع النفط عند أو أقل من 60 دولاراً للبرميل.

وهكذا، استقرت أسعار خام برنت دون 80 دولاراً للبرميل هذا الاسبوع  واستمرت في التداول دون هذا المستوى في وقت مبكر من يوم الأربعاء في التعاملات الآسيوية، مما أدى إلى محو جميع المكاسب من العام 2022 حيث انخفض إلى أدنى مستوى في عام. وكانت آخر مرة استقر فيها برنت دون 80 دولاراً للبرميل كان في أوائل كانون الثاني يناير من هذا العام، قبل أكثر من شهر من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي عكر صفو أسواق الطاقة العالمية وأرسل أسعار النفط الخام فوق 100 دولار للبرميل في الربيع.

وفي ظل هذه التحولات في أسواق الطاقة، تنفتح نوافذ لتوسيع نطاق العلاقات الاقتصادية بين الصين والعالم العربي من خلال السعودية، وعندما تستضيف المملكة ثلاث قمم هي :السعودية - الصينية، والخليجية - الصينية، والعربية - الصينية، في حضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية، فهذا ما يعكس أهمية انعقاد هذه القمم، وما تحظى به من اهتمام إقليمي ودولي.

أليس فيما تشهده السعودية حالياً من خلال زيارة الرئيس الصيني لها هو "صنع العصر" وفق توصيف رويترز؟ انه كذلك، وهذا ما يجب مواكبته من الآن فصاعداً خلال خروج العالم من مستنقع الحروب والاوبئة ولو تدريجياً.