الدعم الخليجي لمصر وباكستان وتركيا يحتوي أزماتها المالية ويعزز استقرارها

  • 2022-09-22
  • 08:00

الدعم الخليجي لمصر وباكستان وتركيا يحتوي أزماتها المالية ويعزز استقرارها

سياسة دعم الدول النامية مستمرة منذ سبعينات القرن الماضي

  • رشيد حسن

في مرحلة تشهد تفاقماً في الأزمات المالية لدول نامية كبرى مثل مصر وباكستان وتركيا، قررت السعودية والإمارات وقطر تخصيص نحو 22 مليار دولار لمصر وحدها هذا العام بهدف المساهمة باحتواء عجوزاتها المالية ودعم موازين مدفوعاتها في الفترة القريبة المقبلة، كما تعهدت هذه البلدان في الشهر الماضي بتوفير قرابة 10 مليارات دولار لدعم الباكستان بعد الفيضانات المدمرة التي فاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد. وحصلت تركيا التي تشهد أحد أعلى معدلات التضخم في العالم على تعهدات باستثمار مليارات الدولارات في اقتصادها من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة ناهيك عن الاستثمارات الكبيرة التي ضخّتها دولة قطر في الاقتصاد التركي خلال السنوات الخمس الماضية. وتمثل هذه التدفقات الضخمة المتزامنة تحولاً واضحاً في استراتيجية العون الخارجي لهذه البلدان، هذا مع العلم ان بلدان الخليج كانت ولا تزال منذ عقود بين اكبر الدول في العالم من حيث نسبة العون التنموي الخارجي التي تقدمه الى ناتجها المحلي.

إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية بدلت الوضع إذ زادت من الصعوبات الاقتصادية لبلدان كبرى تواجه عجزاً مالياً مثل مصر وتركيا وباكستان، كما إن الحرب نفسها تسببت بارتفاع كبير في أسعار الطاقة يتوقع أن يحقق لدول الخليج ومصدري النفط في شمال أفريقيا فوائض تفوق قيمتها الـ 1.3 تريليون دولار خلال فترة السنوات الأربع المقبلة. وبحسب ديفيد باتر أحد المحللين في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن، فإن الفوائض الضخمة التي تحققت للدول الخليجية المنتجة للنفط تزامنت في المقابل مع إحدى الفترات الاصعب في التاريخ القريب للدول غير النفطية في المنطقة وهي فترة تمثلت من جهة بارتفاع كبير في فاتورة الطاقة وفي تكلفة السلع الأولية والغذائية المستوردة كما إنها ترافقت أيضاً بارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار الفائدة وبالتالي تكلفة خدمة الدين في تلك البلدان. وقد ضاعفت الحرب الأوكرانية من حدة الأزمة في هذه المجالات كافة إذ دفعت بالمستثمرين إلى بيع المليارات من محافظ السندات العائدة لهم في البلدان النامية مما ولد ضغوطاً كبيرة على أسعار صرف عملات هذه البلدان واحتياطاتها من العملات الاجنبية وبالتالي قدراتها على خدمة ديونها.

تحت ضغط هذه التطورات، تقدمت باكستان ومصر وتونس بطلبات مساعدة من صندوق النقد الدولي، بينما تستعد دول عدة أخرى للتقدم بمثل هذه الطلبات. وكانت هذه الدول زادت في السنوات الماضية مديونياتها الخارجية في ظروف توافر سيولة وفوائد منخفضة، إلا أنها واجهت فجأة تبعات ارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم وتراجع أسعار صرف العملات المحلية وارتفاع أسعار الفائدة على الدولار نتيجة جنوح السياسات النقدية الى التشدد، كل هذه المستجدات حدثت في وقت قصير لم يترك لهذه الدول النامية فرصة التكيف واحتواء العاصفة، لذلك نجد حكوماتها تتهافت في كل اتجاه في محاولة لإيجاد الموارد الكافية لتمويل خزانتها.

والحال وفي ظل هذا الوضع، فإن التقديمات المالية والاستثمارية التي توفرها بلدان الخليج ولاسيما السعودية والامارات وقطر والكويت بدأت تساعد على سد الفجوة  بين ما تحتاجه هذه البلدان وبين ما يمكن أن يقدمه صندوق النقد الدولي ومصادر اخرى.  وبحسب د. جهاد أزعور رئيس قسم الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي، فإن المساعدة المالية المباشرة لباكستان مكنّت هذه الأخيرة من تأمين قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي، كما إنها يفترض ان تمكن مصر من التوصل إلى اتفاق مماثل مع الصندوق قريباً، وقد أدت تلك المساعدات وتمويلات صندوق النقد الدولي وكذلك إعفاءات لبعض الديون من الصين إلى تحسن فوري في سعر صرف العملة الباكستانية، وظهر التحسن أيضاً في انخفاض الفائدة على السندات بالروبية الباكستانية التي ارتفع سعرها نحو 10 في المئة بينما شهدت سندات الخزانة المصرية بالدولار أيضا تحسناً  في سعرها.

وتحافظ الدول الخليجية على سياسة دعم ثابت لمصر وباكستان ودول أخرى عن طريق شحنات النفط أو الودائع لدى البنك المركزي أو المنح المباشرة، إلا أن هذه الدول سجلت في الفترة الأخيرة تحولاً في أسلوب المساعدات من التقديمات المالية إلى أسلوب الاستثمارات المباشرة خصوصا عبر صناديقها السيادية في شركات مساهمة في تركيا ومصر.

لكن يجب القول إن المساعدات الخليجية لدول كبيرة وكثيفة السكان هي العنوان العريض فقط لسياسة أشمل يجري تطبيقها منذ سبعينات القرن الماضي وتقضي بتخصيص جزء من العائدات النفطية لتوفير الدعم للدول العربية والإسلامية والنامية التي تواجه مصاعب مالية أو تفتقد إلى الموارد لتحسين بناها التحتية وتطوير خدماتها واقتصادها، وهذه السياسة مستمرة سواء عبر الحكومات أم عبر صناديق التنمية المحلية أو صناديق التنمية العربية أو "بنك التنمية الإسلامي" أم عبر مساهمة الدول الخليجية في برامج البنك الدولي أو برامج مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من المبادرات. ويتميز العون التنموي الذي تقدمه بلدان الخليج بأنه يحتوي على نسبة عالية من المنح غير المقيدة بشروط سياسية وغيرها  من الشروط التي عادة ما تحدّ من نسبة الاستفادة الفعلية للدول المتلقية لهذه الاموال.