لمن يهمه الأمر: العالم سيبقى مستهلكاً للنفط والغاز طويلاً

  • 2022-09-01
  • 11:33

لمن يهمه الأمر: العالم سيبقى مستهلكاً للنفط والغاز طويلاً

  • أحمد عياش

كم تبدو تقلبات أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة مثيرة للإرباك، مقابل الصعود القياسي لأسعار الغاز. ولدى المحللين في أسواق الطاقة هذه الايام نقطة ارتكاز، هي الحرب الروسية على اوكرانيا والمستمرة منذ 24 شباط/ فبراير هذه السنة، فضلاً عن التأثيرات التي لم تتوقف لوباء كوفيد قبل أكثر من عاميّن. فهل هناك من إطار أوسع لفهم ما يجري في هذه الأسواق على المدى البعيد؟

في يوميات الأسواق التي يجب البدء منها دوماً، أوردت رويترز الاربعاء الماضي فحوى تقرير أصدرته منظمة أوبك+ مفاده أنه من المرجح أن تشهد سوق النفط فائضاً أكبر من المتوقع هذا العام في الوقت الذي يمارس فيه ارتفاع تكاليف الطاقة وتشديد السياسة النقدية ضغوطاً هبوطية على الطلب على النفط. ويأتي التقرير قبل أيام من اجتماع أوبك+ في 5 أيلول/سبتمبر الحالي، وبعد أكثر من أسبوع من إعلان السعودية زعيمة أوبك أن المنظمة قد تخفض إنتاج النفط. وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد صرّح الأسبوع الماضي، أن أوبك+ مستعدة لخفض الإنتاج وسط تقلبات في سوق العقود الآجلة للنفط، مدفوعة بالسيولة الضعيفة والانفصال عن الأسواق الفعلية.

كيف كانت ردّة فعل الأسواق على تطورات الموقف في أوبك+؟

بحسب رويترز، كانت أسعار النفط متقلبة للغاية في الأسابيع الأخيرة، وفي حين ساعدت تعليقات الأمير عبد العزيز في دفع الأسعار إلى أعلى مستوى في شهر واحد فوق 105 دولارات للبرميل يوم الاثنين الماضي، تداول خام برنت يوم الأربعاء الماضي 10 دولارات للبرميل من دون تلك المستويات، وسط توقعات بانخفاض الطلب. وعزت الوكالة هذا التراجع في الأسعار خلال يوميّن تقريباً الى "مخاوف المستثمرين بشأن الحالة المتعثرة للاقتصاد العالمي وإشارات هبوطية للطلب على النفط من أوبك+ وزيادة القيود للحدّ من كوفيد-19 في الصين" على حد تعبير رويترز.

ماذا عن الغاز الطبيعي وأسعاره؟ الجواب رصدته النيويورك تايمز في نهاية آب أغسطس الماضي ، فأشارت الى ان  تسع دول في منطقة اليورو سجلت تضخماً من رقمين. وكانت معدلات ليتوانيا ولاتفيا أكثر من 20 في المئة. وكانت فرنسا من بين الدول القليلة التي انخفض فيها مؤشر الأسعار، إلى 6.5 في المئة، وهو أدنى مستوى في المجموعة. وكان التضخم مدفوعاً بشكل رئيسي بأسعار الطاقة، التي ارتفعت بمعدل سنوي قدره 38.3 في المئة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى غزو أوكرانيا من قبل روسيا، التي كانت تزود معظم الغاز الطبيعي في أوروبا في السابق.

في موازاة ذلك، قال سعد الكعبي الرئيس التنفيذي ووزير الدولة القطري لشؤون الطاقة، إن قطر إنرجي تتفاوض مع مشترين آسيويين وأوروبيين للغاز الطبيعي المسال. وقال الوزير إنه لا يستطيع تحديد ما إذا كانت أوروبا ستواجه نقصاً في الغاز هذا الشتاء لأن الوضع يعتمد على كمية الغاز التي تتدفق إلى أوروبا من خطوط الأنابيب ومقدار ما يمكن أن يتدفق عبر المحطات.

في قراءة لمستقبل صناعة النفط والغاز في الأعوام القليلة المقبلة، حذّر مركز بحوث نفطية دولي قبل أيام، من خطورة تداعيات تراجع الاستثمارات في هذه الصناعة، مشدداً على ضرورة زيادتها، وعلى أن العالم يخاطر بحدوث عجز كبير في الإمدادات في حلول العام 2025 وما بعده، مع احتمال كبير لاستمرار ارتفاع أسعار النفط فوق مستويات 100 دولار للبرميل الواحد لفترة طويلة.
وكشف التقرير الصادر عن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) في المملكة العربية السعودية تحت عنوان "تحديات الاستثمار التي تؤثر على صناعة النفط والغاز"، عن انخفاض معدلات الاستثمار والإنفاق الرأسمالي للنفط والغاز بنسبة 30 في المئة في العام 2020 بسبب جائحة كورونا، إلى جانب الانخفاض السابق للاستثمار العالمي في مرحلة التنقيب بنحو 43 في المئة في الفترة ما بين العامين 2014 و2016.
ويرى التقرير أن السبب في انخفاض الاستثمار في صناعة النفط والغاز على المدى القصير هو تقلبات الأسعار، وعلى المدى البعيد الانطباعات الخاطئة بسبب الضغوط التي مورست من قبل ناشطين في قضايا تغير المناخ والقضايا الاجتماعية والتي أدت إلى تثبيط المستثمرين عن تمويل مشاريع التنقيب وأثرت على جاذبية القطاع بالنسبة للممولين المحتملين المستقبليين.

وفي سياق متصل، وتحت عنوان "السيناريو القادم لدول أوبك"، كتب وائل مهدي في صحيفة الشرق الأوسط، قال: "في الغالب، يقال إن ارتفاع أسعار النفط سببه تراجع إنتاج أوبك، ولكن هذه المرة تعطي أوبك كل ما لديها، بل وأكثر ما تستطيع، ومع هذا فإن الأسعار لن تهبط بشكل كبير. لقد انكشف السر أمام العالم، واكتشفنا أن السياسات العدائية للنفط وراء كل هذا". وأضاف:" أن كل هذا لا يعني أن المخاطر زالت، بل لا تزال قائمة، وإذا ما استمرت الأسعار مرتفعة لعام آخر، فلا أحد يتمكن من التنبؤ حول النتيجة، لأن العالم، على الأرجح، لن يقبل بالمزيد من التضخم والألم وتراجع الاقتصاد العالمي". وخلص الى القول: "سنرى ماذا سوف تقرر "مجموعة العشرين"، هذه المرة، وسط أزمة اقتصادية تصاحبها أزمة سياسية عالمية، وسنرى ما إذا كان لدى «أوبك» خطة طويلة المدى، إذ إن اجتماع التحالف، الأسبوع المقبل، قد لا يحمل الكثير من المفاجآت، ولكن قد يحمل بذرة للتفكير في 2023 وما وراءها".

هذا على المدى القريب في أسواق الطاقة ، فماذا عن المدى البعيد؟ يجيب كريس رايت، الذي يدير ثاني أكبر شركة لخدمات التكسير في أميركا، قائلاً إنه لا يوجد تحول في مجال الطاقة جارية، وحذر من أن دعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية لن يؤدي إلا إلى ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة عدم استقرار الشبكة. وأضاف :"نحن نستثمر الكثير من المال في بعض تقنيات الطاقة الجديدة، بعض هذا أمر رائع، لكنه ليس انتقالاً في مجال الطاقة." وقال رايت، الرئيس التنفيذي لشركة ليبرتي إنرجي ومقرها دنفر، خلال مقابلة تلفزيونية مع بلومبرغ يوم الاثنين الماضي: "بعد ثلاثة عقود من الآن، ستأتي الغالبية العظمى من الطاقة من الهيدروكربونات".

وتتناقض تعليقات رايت تناقضاً صارخاً مع المواقف التي رسمها مسؤولون تنفيذيون آخرون في مجال النفط والغاز والاتجاهات التي أبرزتها بيانات الحكومة والقطاع الخاص.

على سبيل المثال، زادت مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء في الولايات المتحدة بأكثر من الضعف في العقدين الماضيين، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تمثل السيارات القابلة للشحن 23 في المئة من مبيعات سيارات الركاب الجديدة على مستوى العالم في العام 2025، ارتفاعاً من أقل من 10 في المئة في العام الماضي، وفقاً لأرقام Bloomberg NEF.

 في غضون ذلك، تتصارع شركات الطاقة الكبرى في جميع أنحاء العالم مع أفضل السبل للحفاظ على أعمالها التقليدية في مجال النفط والغاز الطبيعي مع الاستجابة أيضاً لمطالب القادة السياسيين والمستثمرين بالانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري. في المقابل قال رايت: "إن دفع الإعانات إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي تشكل 3 في المئة من الطاقة العالمية، لن يغير ذلك بشكل كبير انبعاثات غازات الدفيئة، لكنه سيرفع أسعار الكهرباء ويجعل الشبكات أقل استقراراً".

في خلاصة هذا العرض، لا يحتاج المرء ان يكون من ذوي المعرفة العميقة في عالم الطاقة كي يدرك ان ما يستخرجه البشر من باطن الارض، ما زال أساسياً على رغم الهبوط والصعود في أسعار مشتقات الطاقة. وعليه، فإن الحديث عن عقود آتية من إستمرار الحاجة الى هذه المشتقات، ليس ضرباً من الخيال.