الانباء السارة أيضاً من الدول المنتجة للنفط: أرامكو نموذجاً

  • 2022-08-24
  • 07:44

الانباء السارة أيضاً من الدول المنتجة للنفط: أرامكو نموذجاً

  • أحمد عياش

 

تقلبات أسعار النفط الأخيرة والتي تراجعت الى مستويات ما قبل نشوب حرب أوكرانيا في شباط/ فبراير الماضي، اعادت الى الواجهة مستقبل الذهب الاسود الذي شهد الطلب عليه انتعاشاً غير مسبوق منذ أعوام. لكن التراجع الأخير في أسعاره أثار علامات إستفهام حول كل التوقعات التي راجت في الشهور الماضية انطلاقاً من أن سعر البرميل قد تجاوز عتبة المئة دولار وبلا رجعة. لكنه تراجع، فهل من توضيح لهذه الاحجية؟

بداية مع آخر معطيات الاسواق، فقد اوردت رويترز في 18 آب/ اغسطس الحالي، انه لم يطرأ تغير يذكر على أسعار النفط في ذلك اليوم في الوقت الذي يواجه فيه المستثمرون صعوبات في تراجع المخزونات في الولايات المتحدة وارتفاع الإنتاج من روسيا والمخاوف من ركود عالمي محتمل. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 15 سنتاً أو 0.2 في المئة إلى 93.80 دولار للبرميل، وارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي 4 سنتات أو 0.1 في المئة إلى 88.15 دولار للبرميل، على الرغم من أن برنت انخفض في مرحلة ما إلى أدنى مستوياته منذ شباط/ فبراير.

وقال مايك تران من آر بي سي كابيتال إن سوق النفط لا تزال في دورة تشديد لسنوات عدة، مضيفاً أن المستثمرين يبحثون عن محفزات صعودية على المدى القريب، وأضاف أن "مخاوف الركود معترف بها جيداً، لكن المحفزات الصعودية مثل عودة الصين أو تدهور الإمدادات من روسيا لا تزال بعيدة المنال".

تحت عنوان "إنخفاض أسعار النفط يتحدى التوقعات. ولكن ماذا عن الفصل التالي؟" كتب كليفورد كراوس في النيويورك تايمز يقول:"عندما غزت روسيا أوكرانيا، كان خبراء الطاقة يتوقعون أن تصل أسعار النفط إلى 200 دولار للبرميل، وهو السعر الذي من شأنه أن يرسل تكاليف الشحن والنقل إلى طبقة الستراتوسفير ويجعل الاقتصاد العالمي يركع".

والآن أصبحت أسعار النفط أقل مما كانت عليه عندما بدأت الحرب، بعد أن انخفضت بأكثر من 30 في المئة في غضون شهرين فقط، وأدت أنباء تباطؤ الاقتصاد الصيني وخفض أسعار الفائدة الصينية إلى انخفاض الأسعار أكثر، إلى أقل من 90 دولاراً للبرميل للمعيار الأميركي.

بدورها، انخفضت أسعار البنزين كل يوم على مدى الأسابيع التسعة الماضية، إلى متوسط أقل من 4 دولارات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كما إن أسعار وقود الطائرات والديزل آخذة في التراجع أيضاً. وينبغي أن يترجم ذلك في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار أشياء متنوعة مثل الطعام وتذاكر الطيران.

ولكن سيكون من السابق لأوانه الاحتفال، يمكن أن ترتفع أسعار الطاقة بسهولة بقدر ما يمكن أن تنخفض، بشكل غير متوقع ومفاجئ.

وقبل المضي في مناقشة توقعات صعود أسعار النفط أو هبوطه، أطلت أرامكو السعودية بالاعلان عن أرباح الربع الثاني من العام 2022 حيث بلغ صافي الدخل 48.4 مليار دولار، والتدفق النقدي الحر 34.6 مليار دولار لهذا الربع، و65 مليار دولار للنصف الأول، متجاوزاً  بشكل كبير أرقام العام الماضي البالغة 22.6 مليار دولار و40.9 مليار دولار في الفترة نفسها. كل هذا كان مدفوعاً بتحقيق أسعار النفط الخام التي تجاوزت مستوى 113.00 دولار للبرميل في الربع، متجاوزة أسعار العام الماضي (67.90 دولار) بنسبة 66 في المئة.

إعلان ارامكو هذا تناوله ديفيد ميسلر في مقال نشره موقع "أويل برايس" الالكتروني تحت عنوان "أرامكو السعودية تأخذ صفحة من كتاب قواعد العمل بالنفط الصخري الأميركي." وجاء في المقال :"ما كان جديراً بالملاحظة، وتم توثيقه في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً، هو أن ميزانية الانفاق الراسمالي للشركة لزيادة الإنتاج ظلت دون تغيير إلى حد كبير في الطرف الأدنى من نطاقها المعلن عنه سابقاً والذي يتراوح ما بين 40 و 50 مليار دولار لعام 2022. وخلصت وول ستريت جورنال إلى الملاحظة:"لكي نكون منصفين، فإن 40 مليار دولار هي الكثير، أكثر بكثير مما كانت عليه في العام 2021، لكن أرامكو لديها سيولة مرتفعة للغاية، وحققت الشركة أكثر من 65 مليار دولار من التدفق النقدي الحر في النصف الأول من هذا العام. ويشمل هذا الإنفاق أيضاً التنويع في الغاز الطبيعي والرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأزرق. وعلى الرغم من أن الانضباط الرأسمالي جدير بالثناء، فمن المؤكد أنه إذا كانت الإدارة تعتقد حقاً أن الطلب على النفط ينمو خلال العقد المقبل، فعليها على الأقل تسريع الخطط الرامية إلى توسيع طاقتها النفطية المستدامة القصوى إلى 13.0 مليون برميل يومياً، والمقرر حالياً في العام 2027".

ويضيف ميسلر قائلاً:"يبدو أن العقلية السعودية تبتعد عن أبناء عمومتها المنتجين للنفط على الجانب الآخر من الكوكب، هو ما يجب القيام به مع النقد الزائد الذي يتم تحقيقه الآن، في الوقت الذي يمطر فيه منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة الثروة على  مساهميهم، في شكل عمليات إعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح الخاصة، ركزت المملكة العربية السعودية - 94 في المئة المالكة لشركة أرامكو، على سداد الديون، وتنويع محفظة الطاقة الخاصة بها. في بعض النواحي محاكاة تصرفات منتجي النفط الضخمين مثل إكسون موبيل و(NYSE:XOM) وشيفرون (NYSE:CVX) و BP (NYSE:BP) ، من خلال الخوض في أشكال الطاقة البديلة". 

وتابع مقال "أويل برايس" يقول:"على الرغم  من  وجهة النظر العلنية التي أكدها الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر، بأن الطلب على النفط سينمو لبقية هذا العقد، يبدو أن المملكة العربية السعودية ليست في عجلة من أمرها لتسريع الجدول الزمني لتحقيق العتبة العليا في اليوم المحدد لعام 2027. وبدلاً من ذلك، شرعت المملكة العربية السعودية في سعي طموح استمر عقداً من الزمن لتنويع اقتصادها بعيداً عن اعتمادها الوحيد على النفط والغاز، واختارت نهجاً متعدد الجوانب يشمل الهيدروجين وطاقة الرياح والطاقة الشمسية".

وأشار المقال الى "ان أحد المجالات التي يركز فيها السعوديون جهودهم هو إنتاج الهيدروجين. ووفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، فإن السعوديين يخططون للسيطرة على إنتاج الهيدروجين، بعد بضع سنوات. مع إمداداتها الوفيرة من الغاز بالقرب من مدينة نيوم، يتم بناء مصنع ضخم لانتاج الهيدروجين الازرق، ومن المقرر أن تأخذ هذه المحطة 2.2 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً من  حقل غاز الجافورة العملاق، لمعالجته واستخراج الهيدروجين الازرق. ومن المتوقع أن يدخل طور الانتاج في العام 2026. وهناك مشروع هيدروجين ضخم آخر سينتج Green H-2، مع توفير الطاقة من قبل مزرعة رياح توربينية مكونة من 99 توربيناً. تناقش SP Global هذا في مقال يركز على مشروع الهيدروجين الأخضر لشركة Acwa Power الذي يبلغ 240 ألف طن متري/طن سنوياً والذي سيصنع 1.2 مم طن متري من الأمونيا، ومن المتوقع أيضاً أن يبدأ الإنتاج في العام 2026.

الى ذلك، يعتقد أن الطاقة الشمسية لديها إمكانات غير محدودة في المملكة، من المنطقي أن تشرق الشمس بشكل مشرق هناك أكثر من 300 يوم في السنة. وبناء على ذلك، تقوم المملكة العربية السعودية بإطلاق عدد من مشاريع مزارع الطاقة الشمسية الجديدة التي يجري تنفيذها، ومنح صندوق الثروة السيادية للمملكة هذا العام فقط عقدين بإجمالي 1 جيجاوات من الطاقة المستقلة ذهبت إلى أكوا باور عن مزرعة بقدرة 700 ميجاوات في الرس ومزرعة ثانية أصغر بقدرة 300 ميجاوات في سعد. وتهدف المملكة إلى تركيب 54 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول العام 2030.

وتجد الطاقة الشمسية أيضاً استخدامات صناعية مع تشكل مجمع Glass Point، هذا المشروع الذي تبلغ طاقته 1.5 جيجاوات، وهو أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في العالم، سيعمل على تشغيل محطة لصهر الألمنيوم مصممة لاستخدام المرايا الشمسية على الأنابيب المملوءة بالماء لإنتاج البخار الشمسي، وهذا سيوفر ما يقرب من 600 ألف طن من الكربون سنوياً".

في سياق متصل، خصصت مجلة الايكونوميست في عددها الصادر في 13 آب اغسطس الجاري مقالاً حول "مكاسب نفطية غير متوقعة توفر لدول الخليج فرصة أخيرة"، وتناول المقال مشروع "نيوم" السعودي قرب خليج العقبة، وقال :"تهدف هذه المدينة المحتملة إلى أن تكون خطوة جريئة نحو المستقبل، وواجهة لمحاولة المملكة تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط." ورأى المقال انه "يتعين على قادة الخليج الآن أن يعملوا على كيفية إنفاق عائدات ما يمكن أن يكون آخر تدفق كبير من الثروة النفطية. ويعد البعض بسداد الديون والادخار لمستقبل ما بعد النفط... ويهدف قادة آخرون إلى توفير الكثير من أرباحهم. ويقول محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، إن حكومته لن تنفق ايراداتها الناتجة عن الارتفاع الاخير في اسعار النفط قبل نهاية العام لحين التأكد من محافظة هذه الاسعار على مستويات مقبولة، وستضع الأموال في البنك المركزي، ثم تستخدمها في العام 2023 لتغذية الاحتياطات الأجنبية أو زيادة اموال صندوق الاستثمارات العامة، صندوق الثروة السيادية الذي أصبح المحرك الرئيسي للاستثمار الرأسمالي في المملكة".

بالتوزاي مع مقال  الايكونوميست، رجّح صندوق النقد الدولي "أن تكون السعودية واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم هذا العام، وأن تحافظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي عند 7.6 في المئة هذا العام، كأسرع نمو منذ عقد"، وأعلن صندوق النقد الدولي يوم الأربعاء في 17 آب أغسطس الجاري، في مؤتمر تقييمي لآفاق الاقتصاد السعودي، قدرة احتواء التضخم في السعودية، على الرغم من ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مشيراً إلى أنه سيظل التضخم في السعودية محصوراً عند 2.8 في المئة خلال العام الحالي، حيث يشدد البنك المركزي سياسته بما يتماشى مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

مرة أخرى نعود الى تقلبات أسعار النفط حالياً. ووفقاً للنيويورك تايمز، فإن الصين حيث لا تزال عمليات الإغلاق Covid-19 واسعة الانتشار، ستعيد في نهاية المطاف فتح مدنها لمزيد من التجارة وحركة المرور، ما يزيد من الطلب، وستنتهي عمليات سحب النفط من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وستحتاج إلى إعادة تعبئته. وهناك حدث واحد غير متوقع - على سبيل المثال، إعصار يغمر قناة هيوستن للسفن ويخرج العديد من مصافي خليج المكسيك من الخدمة لأسابيع أو حتى أشهر - يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود.

هذا النوع من الكوارث يمكن أن يرسل موجات المد والجزر عبر الاقتصاد الأميركي وحتى العالمي لأن أسعار الطاقة أساسية لأسعار كل ما يتم شحنه وإنتاجه، سواء كانت الحبوب أو إمدادات البناء.

ووفقاً لدانيال يرجين مؤرخ الطاقة ومؤلف كتاب "الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصراع الأمم" فإن "أسعار النفط لديها دائماً القدرة على المفاجأة".

في المقابل، تقول معطيات شركة أرامكو الاخيرة، أن هناك أنباء سارة توفرها مشاريع الطاقة البديلة التي تأخذ في الاعتبار ان ثروة النفط في باطن الارض ليست نهاية المطاف، بل هناك ثروات واعدة فوق سطح الارض.