الأرصدة الجيوسياسية لجولة الامير محمد بن سلمان الإقليمية

  • 2022-07-05
  • 09:00

الأرصدة الجيوسياسية لجولة الامير محمد بن سلمان الإقليمية

  • وليد صافي

شكّلت جولة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان الإقليمية التي شملت مصر والأردن وتركيا، الحدث الأبرز الذي يسبق زيارة الرئيس الأميركي بايدن الى المنطقة ما بين 13 و16 تموز/يوليو الحالي، واللقاءات المرتقبة له في جدة مع الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد، ومع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن والعراق. وتعطي السعودية أهمية بالغة لجولة ولي العهد الإقليمية لبلورة وحدة الموقف الإقليمي في مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد، وتتطلع إلى أن تقود زيارة بايدن إلى إزالة أزمة الثقة بين البلدين، إذ ترتفع المخاوف "من أن الولايات المتحدة لم تضع حتى الآن استراتيجية شاملة للتعامل مع الطموحات النووية الإيرانية وترسانة الصواريخ الباليستية ودعم الجماعات الإقليمية المتشددة"، كما إن "إدارة بايدن لم تخبر حلفاءها، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بما ستكون عليه "الخطة ب" (الخطة البديلة) المحتملة إذا فشلت المحادثات النووية". تنتظر المملكة أيضاً من لقاء الرئيس الأميركي مع الملك سلمان وولي العهد، معرفة استراتيجيته في مواجهة التهديدات الإيرانية، وفي ضوء ما يطرح من قيام نظام دفاع جوي مشترك أو إنشاء ناتو شرق اوسطي. فكيف ظهرت جولة ولي العهد السعودي الإقليمية في ضوء نتائجها والتحديات التي تنتظرها المملكة؟ 

تصفية الخلافات الاقليمية وتعزيز التحالفات 

لا شك في أن جولة الأمير محمد بن سلمان الاقليمية، تأتي في إطار تحوّلات إقليمية ودولية كبيرة قادت المملكة إلى مراجعة هادئة لسياستها الإقليمية المتعلقة بالعديد من القضايا، إذ باتت مرجعية هذه السياسة قائمة على تصفية الخلافات الاقليمية التي انطلقت من قمة العلا في العام 2021، والبناء على القواسم المشتركة وتعزيز دور مجلس التعاون الخليجي الذي ترأس المملكة دورته الحالية. وتركز المراجعة هذه، على تعزيز التحالفات بهدف الاستقرار الاقليمي ومواجهة التحديات التي تمثلها سياسة إيران التوسّعية. وفي مجال مراجعة المملكة لخياراتها الاقليمية، ذكرت مجلة "Foreign Affairs"، "أن الخطاب السعودي والسياسة الخارجية تغيرا بشكل كبير منذ نهاية إدارة ترامب، وقد بدأت المملكة العربية السعودية في قمة كانون الثاني/يناير 2021 في العلا، عملية مصالحة مع قطر - وتقارب مع عُمان والكويت"، وأضافت المجلة أنه "منذ ذلك الحين، كثفت الرياض من مشاركتها مع العراق وجهودها لتعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل مصر والأردن والمغرب وباكستان". 

ويمكن وضع هذه الجولة الاقليمية لولي العهد في إطار التقدم الكبير الذي أنجزته الدبلوماسية السعودية في ترجمة توجهات جديدة في سياسة المملكة الخارجية، والاستقلالية التي مارستها المملكة في موقفها الحيادي من الحرب في أوكرانيا، وعدم السير في تطبيق العقوبات الغربية على روسيا، ولا في الطلبات المتكررة لقادة المملكة للانسحاب من اتفاقها مع روسيا في منظمة "أوبك +" وتعويض نقص النفط الروسي في أسواق الطاقة. وتأتي الجولة في سياق قدرة هذه الدبلوماسية على إظهار التحديات التي تواجهها المنطقة، والثقة التي تمنح للمملكة والايمان بقدراتها على قيادة عملية إعادة رسم التحالفات الاقليمية، وتشكيلها بما يتوافق مع التهديدات القائمة وتراجع الالتزام الأميركي والتغاضي عن صعود النفوذ الإيراني. 

مصر والأردن: الاستثمارات السعودية في خدمة الاستقرار السياسي 

افتتاح ولي العهد جولته الاقليمية بزيارة مصر تبعث برسائل متعددة وأهمها الموقع الذي تمثله مصر في العلاقات الثنائية بين البلدين وأهميتها الجيوستراتيجية في المعادلة الإقليمية التي تحاول السعودية الحفاظ عليها في ضوء التحولات الجارية. إن مصر تتعامل بجدية وتفهم ومرونة لاستمرار الثقل الجيوسياسي في منطقة الخليج، إذ تمثل المملكة العمود الفقري لهذه المكانة الجيوسياسية، كما تعطي السعودية الثقل الذي تتمتع مصر في الجغرافيا السياسية للمنطقة حقه، الأمر الذي أتاح التأسيس لشراكة استراتيجية بين البلدين بحيث باتت هذه الشراكة، الممر الالزامي لأي تحالفات إقليمية قادرة على بلوغ معادلة ميزان قوى جديد يستوعب التحولات ويفرض الاستقرار. الاهتمام السعودي بحاجات الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات التي يتعرض لها منذ سنوات، يعكس الرهانات السعودية الكبيرة على أهمية استقرار مصر والحاجة الاستراتيجية لها في التوازنات الاقليمية. ولا شك في أن الاتفاقات التي وقعت أثناء الزيارة بقيمة 7.8 مليارات دولار والتي تهدف الى الاستثمار في الطاقة المتجددة، والبترول، والحلول الرقمية، والأمن السيبراني، من شأنها تعزيز استقرار مصر، كما إن الاستثمار السعودي في مصر بقيمة 3.36 مليارات دولار لبناء مركز تخزين للبترول يشكل إدراكاً عميقاً للدور الذي ستلعبه هذه المنطقة في إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية.

وبالطبع المحطة الثانية التي كانت في الأردن اكتسبت ايضاً أهمية بالغة، نظراً للتماس الذي يشكله الاردن تاريخياً مع القضية الفلسطينية، إن في العلاقة حالياً مع السلطة الفلسطينية أو في دوره في تخفيف التوترات القائمة مع سلطة الاحتلال، بالإضافة إلى الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فضلاً عن الدور المرتقب للأردن في الحل النهائي. ويلعب الأردن دوراً مهماً في بناء التحالفات والتوازنات الإقليمية، إذ يتفق كلياً مع المملكة في سياسته الخارجية المبنية على رفض التدخلات الايرانية في دول المنطقة، وهو شريك موثوق في أية تحالفات وتشكيلات سياسية أو عسكرية آتية، كما يلعب دوراً مهماً في أمن البحر الاحمر وشبه جزيرة سيناء وغربي شبه الجزيرة العربية، من خلال المزايا الجيوسياسية لمنطقة العقبة التي تعتبر المنفذ الوحيد للاردن وإسرائيل على البحر الاحمر. ويشكل الموقع الجغرافي للأردن ودوره في حماية الخاصرة الغربية للمملكة العربية السعودية أهمية بالغة لها، ويكتسب هذا الدور أهميته من التطورات التي تجري على الحدود الاردنية - السورية. من هنا يأتي اهتمام ولي العهد بتعزيز العلاقات مع الأردن وتوجيه "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي إلى الاستثمار في الاقتصاد الاردني، حيث تشكل التنمية الاقتصادية المرتكز الاساسي في الاستقرار السياسي في الأردن، الذي يواجه تحديات داخلية معقدة، لذلك تكتسب الاتفاقات التي وقعت خلال جولة ولي العهد أهمية استراتيجية لما سيكون لها من دور في تعزيز الاستدامة الاقتصادية والاستقرار السياسي في الاردن. 

العلاقات السعودية التركية والعودة الحذرة 

ذكرت صحيفة اللوموند الفرنسية، أن المعسكر الغربي يحتاج تركيا أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة. بالنسبة لموسكو، فهي محاور ذو أهمية كبرى. في كييف، يُنظر إليها على أنها شريك دفاعي رئيسي. ومن خلال سيطرتها على المضائق، ووجودها في البحر الأسود، ستكون أيضاً القوة الرئيسية في أي اتفاقية تسمح بتصدير القمح الأوكراني إلى بقية العالم عند خطر حدوث أزمة الغذاء العالمي، وتعتزم الحكومة التركية الاستفادة من الوضع الجديد الذي افرزه الغزو الروسي لاوكرانيا ولاسيما عندما تواجه وضعاً اقتصادياً متدهوراً وموعداً انتخابياً رئيسياً في العام 2023. وعلى مستوى الشرق الاوسط، تدرك السعودية دور تركيا المهم في التوازنات الاقليمية والمزايا الجيوسياسية التي تتمتع بها، كما تدرك أهمية عودة العلاقات السعودية - التركية  الى المستوى الذي كانت عليه قبل العام 2017، في هذا الوقت من إعادة تشكيل النفوذ في المنطقة، حيث تدهورت هذه العلاقات بشكل دراماتيكي خلال السنوات السابقة على خلفية قضايا متعددة، لذلك، كانت تركيا المحطة الاخيرة في جولة ولي العهد الاقليمية لاستكمال المشهد الذي تستعد له المملكة قبل استقبال الرئيس الاميركي بايدن في منتصف تموز/يوليو الجاري.

وبالطبع تبدو الزيارة استكمالاً للمناخ الهادىء الذي اخذ يسيطر على علاقات البلدين منذ عودة العلاقات السعودية القطرية إلى طبيعتها، والتغييرات التي اخذت تظهر عملياً في سياسة اردوغان الاقليمية، منذ قمة العلا، بدءاً من التوقف عن الاستثمار السياسي في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، ومروراً بمراجعة علاقته بالإخوان المسلمين، ووصولاً إلى تخفيف التوتر مع مصر على خلفية حماية قيادات إخوانية، فضلاً عن التورط في النزاع الداخلي الليبي. وتوج اردوغان هذا التوجه الجديد في علاقاته الإقليمية في قيامه بزيارة الرياض في الربيع الماضي، ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد، إذ فتحت هذه الزيارة الطريق نحو إعادة تطبيع العلاقات. ولكن هذا الانفتاح على المملكة، مرده أيضاً إلى حاجة أردوغان للاستثمارات السعودية في مواجهة الازمة التي يعاني منها الاقتصاد التركي. ومن المعروف أن نسبة التضخم العالية، وفقدان اكثر من 70 في المئة من قيمة العملة التركية، بالإضافة الى التحديات الاقتصادية التي يواجهها بسبب تراجع الاستثمارات الاجنبية، والانعكاسات الجيوسياسية على الاقتصاد التركي من جراء الحرب في اوكرانيا، قد عجّلت في خطوات التطبيع هذه، إذ تملك المملكة إمكانات كبيرة في مجالات الاستثمار التي يحتاجها اردوغان، وبالطبع تلتقي مصالح الطرفين في تطبيع العلاقات، حيث تعوّل المملكة ايضاً على الدور الاقليمي لتركيا واهميته بالنسبة لاستقرار المنطقة. لكن الواقعية السياسية، تقتضي الاعتراف بوجود تناقضات عديدة في السياسة الخارجية لكلا البلدين، بدءاً من حذر المملكة من احتمال عودة اردوغان للرهان على "الاخوان المسلمين"، إلى دور تركيا في شمال سوريا والعراق وليبيا واثيوبيا. وعلى الرغم من اعلان اردوغان أن "امن الخليج من امن تركيا"، فإن المتوقع منه أن يقف في الوسط بين السعودية وايران التي يتزود منها بالطاقة ويحتفظ بعلاقات جيدة معها، إذ اعلنت منذ ايام عن تفهم قيام تركيا بعملية عسكرية في شمال سوريا. ويجيد اردوغان اللعب في الوسط، إذ تمكن من عقد صفقة مع بوتين لشراء منظومة الدفاع الجوي S400، في الوقت الذي تحتل فيه تركياً موقعاً مهماً كدولة عضو في حلف شمالي الاطلسي، كما تمكن من المحافظة على علاقته المميزة بين موسكو وكييف ويلعب دور الوسيط بين الطرفين، ومن الامساك بالعصا من الوسط في علاقته بين إسرائيل وطهران، التي كشف أخيراً عن محاولاتها استهداف الإسرائيليين على الاراضي التركية، وذلك رداً على العمليات التي تستهدف المسؤولين الإيرانيين من قبل الموساد الاسرائيلي. 

الأوراق التي يملكها بايدن وبن سلمان 

من المؤكد أن جولة ولي العهد الاقليمية التي تناولت مصر والاردن وتركيا، تشكل رصيداً سياسياً له على طاولة المباحثات مع الرئيس الأميركي بايدن ومساعديه، بالإضافة إلى الأرصدة المتعلقة بدوره في الهدنة في اليمن وسعي المملكة الجدي لإنهاء الحرب، ومن المؤكد أيضاً أن الأمير محمد بن سلمان يملك بين يديه ورقتين استراتيجيتين، تهدئة اسواق الطاقة وحاجة الولايات المتحدة الأميركية لشريك استراتيجي موثوق في الشرق الاوسط مثل المملكة العربية السعودية. وفي المقابل، يملك بايدن أوراقاً متعددة، وأهمها: استمرار تمكين السعودية من استيراد الاسلحة المتطورة اذ تعتمد المملكة في وارداتها العسكرية على 80 في المئة من الأسلحة والذخائر الاميركية، وتأثير الولايات المتحدة الاميركية الكبير في مواجهة التهديدات الايرانية وإنهاء حرب اليمن، ودور التكنولوجيا والاستثمارات الاميركية المهم في تحقيق استهدافات رؤية 2030. وفي ضوء الاوراق الاستراتيجية التي يملكها الطرفان، يبدو الاعتراف بالحاجة المشتركة لمواجهة الطموحات الايرانية أصبح امراً واقعاً، وبالتالي تشكل السعودية حجر الزاوية في صياغة التحالفات الاقليمية على خلفية هذه الحاجة. ومن جهتها، نجحت الولايات المتحدة الاميركية بتكريس معادلة عدم المواجهة المباشرة مع إيران، واستخدام التهديدات الايرانية كسلاح  يهدف الى ادماج إسرائيل في المنطقة قبل أي تقدم في مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية. وبانتظار ما ستؤول اليه المحادثات الاميركية - الايرانية التي تجري في قطر، والموقف الاسرائيلي الذي يدفع الى عدم العودة الى الاتفاق النووي مع ايران، وبانتظار ما ستحققه زيارة بايدن من اهداف، ومن تعزيز الديناميكية الجديدة للتحالفات، تظهر الورقة الذهبية التي تملكها المملكة في تخفيف التوترات القائمة في أسواق الطاقة وتخفيف ضغط الأسعار عن إدارة بايدن، مرهونةً أيضاً بصادرات النفط الروسية التي تتسارع الى الاسواق الصينية والهندية، وذلك على حساب حصة المملكة من هذه الأسواق، إذ نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ميغان أوسوليفان، مديرة مشروع الجغرافيا السياسية للطاقة في كلية هارفارد كينيدي والمساعدة السابقة للرئيس جورج دبليو بوش: "إن إزاحة النفط الروسي للخام السعودي من الاقتصاد الصيني يمكن أن يخلق ضغوطاً في أوبك بلس"، كما نقلت الصحيفة عن لسان مدير مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية جيسون بوردوف، إن إحدى عواقب هذا الصراع هي إعادة تنظيم جذري لنظام الطاقة العالمي، والعلاقات التجارية، والاصطفافات الجيوسياسية، مع الصين والهند بشكل وثيق أكثر مع روسيا. فهل تدفع هذه التطورات إلى نهاية الاتفاق بين السعودية وروسيا في "اوبك+"، فتضخ السعودية المزيد من النفط الخام في الاسواق، فيرتاح بايدن وحزبه قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي؟ وهل تعيد المملكة النظر بتطوير الشراكة مع الصين في ضوء نتائج حرب أوكرانيا وإعادة هيكلة نظام الطاقة العالمي؟