العبور الآمن للبنان في أخطر مرحلة في تاريخه؟

  • 2022-05-30
  • 06:45

العبور الآمن للبنان في أخطر مرحلة في تاريخه؟

  • أحمد عياش

لم تكد الانتخابات النيابية في لبنان التي جرت في منتصف أيار/ مايو الجاري تضع اوزارها، حتى غرق لبنان مجدداً في دوامة انهيار سعر الدولار الأميركي مقابل العملة الوطنية في صورة دراماتيكية أعادت الى أذهان اللبنانيين الذكريات المؤلمة في ثمانينات القرن الماضي، عندما شهدت أول هبوط في سعر الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية، (قفز سعر صرف الدولار في حينها، من 5 ليرات الى 3 آلاف ليرة) كنتيجة لانهيار الدولة في ذلك الزمن تحت وطأة الحرب الاهلية التي نشبت العام 1975، الى أن جاء اتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية العام 1989 بتعاون عربي - أميركي، فأنهى الحرب ورسم مساراً إنقاذياً للبنان استمر قرابة ثلاثة عقود.

في 27 أيار/ مايو الحالي، عمّت لبنان، ما وصفته الصحف المحلية "حالة ذعر معممة او حتى هستيريا، "بسبب انفلات سعر صرف العملة الأميركية وبلوغه سقف 38 ألف ليرة، مقابل كل دولار. وإذا جرت مقارنة هذا السعر بما كان عليه العام 2019 لتبيّن كم هو حجم الانهيار. ففي ذلك العام، كان سعر صرف الدولار هو 1500 ليرة، أي انه تضاعف خلال 3 أعوام أكثر من 30 مرة! وهذا أدى بكل الأسعار في بلد يعتمد في معظم استهلاكه على الاستيراد، الى ارتفاع جنوني غيّر كل أنماط الحياة في لبنان.

إذا كان لا بدّ من قراءة غير اقتصادية لهذه المرحلة التي يجتازها هذا البلد، ينظر المراقبون الى ان التدخل الحاسم الذي قام به حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، في "اليوم الأسود" الاخير لانهيار سعر صرف العملة الوطنية، وأدى في أقل من ثلاث ساعات الى تراجع الدولار بما يوازي الثمانية آلاف ليرة، على أنه بمثابة رسالة ضمن رسائل أخرى، مفادها ان هناك إرادة، للحفاظ على استقرار هش كي يعبر لبنان مرحلة انتقال للسلطة تبدأ في نهاية الشهر الحالي وتنتهي في نهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر المقبل. فبعد غد، سيجري انتخاب رئيس للبرلمان، والذي سيكون الرئيس الحالي نبيه بري لعدم وجود منافس له، كما سيجري انتخاب نائب لرئيس البرلمان وهيئة مكتب لهذه المؤسسة التشريعية كي تباشر عملها بعدما طرأ تغيير على مكوناتها سواء كانت قوى تقليدية ام ناشئة.

يقول الخبير المالي والاقتصادي، نسيب غبريل، إنّ ما جرى قبل أيام "سببه سياسي وليس اقتصادي".  وتكشف وقائع الأسابيع القليل الماضية، ان دخول لبنان "مرحلة انتقال للسلطة" والتي تمتد لنحو 6 أشهر، يدل على ان هذا البلد يمرّ بتغييرات لن تكون عادية والتي ستكون مختلفة عما كانت عليه الحال بعد العام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانتهاء الوصاية السورية وبدء حقبة من المهادنة والصراع ومن ثم ربط النزاع . ومن ملامح المرحلة الجديدة، التغيير الذي أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة، ما أدى الى وصول 13 نائباً يمثلون توجهات المجتمع المدني الذي انخرط في انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 رافعا شعارات محاسبة الطبقة السياسية عن الانهيار الاقتصادي والمالي الذي أصاب لبنان، كما أدت الانتخابات الى سقوط كل مؤيدي النظام السوري ومجيء وجوه جديدة في الطائفة السنيّة بعد تعليق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري نشاطه السياسي في بداية العام الجاري، إضافة الى خروج الأكثرية النيابية من يد "حزب الله" وحلفائه، كما كانت الحال بعد انتخابات العام 2018.

وسط هذه المتغيّرات، كان لافتاً للانتباه ما تردد عن سعيّ متجدد للفريق السياسي التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون، لكي يتم تغيير حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش العماد جوزف عون. وعلى الرغم من نفيّ هذا الفريق وجود مثل هذا السعيّ، فهناك أكثر من مؤشر الى ان هذا الفريق، بمؤازرة من "حزب الله" يتطلع منذ الآن الى السلطات الجديدة التي سيتم تكوينها بحكم الدستور، ولهذا أتت الانباء في عطلة نهاية الأسبوع الحالي لتشير الى ان الاعتراضات التي برزت ما بين نبيه بري، الذي سيعود مجدداً الى رئاسة البرلمان في 31 أيار/ مايو، وبين "التيار الوطني الحر" الذي يترأسه صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل، الذي تعهد بعدم التصويت لـ بري في جلسة انتخابه، انتهت الى تسوية ضمنية ستأتي بنائب جديد للبرلمان هو النائب الياس بوصعب، عضو "التيار" بما يبقي الهيئة القيادية للبرلمان بيد حلفاء "حزب الله".

ماذا عن الحكومة الجديدة التي يجب ان تحل مكان حكومة تصريف الاعمال التي يترأسها نجيب ميقاتي؟

هنا تطل أولى التحديات الفعلية التي ستؤشر الى مسار المرحلة الانتقالية التي يمّر بها لبنان. ففي بيان أصدره مجلس الامن الدولي في 25 أيار/ مايو، تعليقاً على الانتخابات النيابية في لبنان، دعا إلى "تشكيل سريع لحكومة شاملة جديدة وتنفيذ عاجل للإصلاحات الملموسة المحددة مسبقاً، بما في ذلك الاعتماد السريع لميزانية مناسبة لعام 2022 من شأنها أن تمكّن من إبرام سريع لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، للاستجابة لمطالب اللبنانيين".

هل ما دعا اليه مجلس الأمن بشأن الحكومة المقبلة في لبنان قابل للتحقق؟ ما هو مرتقب، ان يدعو رئيس الجمهورية مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية في البرلمان، وبموجب الدستور، الى اجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس المقبل للحكومة العتيدة، وهي حكومة تنتهي ولايتها حكماً عند انتخاب رئيس جديد للجمهورية يخلف الرئيس الحالي بعد نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. وقبل معرفة من سيكون الرئيس الجديد للحكومة، يتبيّن من الأسماء التي تتردد، انها لن تكون من الفريق الموالي او المرضي عنه من فريق "حزب الله"، مثل القاضي نواف سلام المقرب من المجتمع المدني ومن "القوات، كما يتردد اسم النائب عبد الرحمن البزري، الذي يقف في منزلة وسط ما بين "حزب الله" وبين معارضيه.

وعلى فرض ان استشارات التكليف أدت الى وصول أحد تلك الأسماء او سواها الى موقع تشكيل الحكومة المقبلة، فإن المهمة الصعبة ستبدأ عندئذ والسبب ان الحكومة المقبلة التي ستبصر النور لا يمكن ان تكون على غرار الحكومات السابقة منذ العام 2005. ذلك لأن ميزان القوى في البرلمان الجديد، ومتطلبات الإنقاذ المالي والاقتصادي، يفرضان المجيء بحكومة لن يكون فيها لـ "التيار الوطني الحر" الموالي لرئيس الجمهورية، وزناً مؤثراً كما الحال في حكومة تصريف الاعمال الحالية، كما إن ملف الكهرباء وحده، يقتضي إسناد حقيبته لوزير من خارج هذا "التيار" الذي يتعاقب وزراؤه عليها منذ بداية العقد الثاني من القرن الحالي، ما أوصل العجز الناشئ عن ديون هذا القطاع الى ما فوق الـ 50 مليار دولار، أو ما يفوق نصف الدين العام.

ثم ان هناك سبباً مهماً يجعل من تشكيل الحكومة المقبلة أمراً ليس هيناً، وهو ان أي حكومة جديدة يتم تشكيلها اليوم، قد تمتد ولايتها فترة طويلة الى ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي إذا ما تعذر انتخاب خلفاً له في موعده بعد نحو 5 أشهر. وعندئذ تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعة، أي الحكومة، كما كانت الحال مع حكومة الرئيس تمام سلام التي ولدت العام 2014، في نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، وبقيت تمارس السلطة بعد انتهاء ولاية الأخير في ذلك العام، ولغاية تشرين الأول/ أكتوبر العام 2016 عندما جرى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. فهل سيكون ممكناً قيام حكومة لا يحظى فيها عهد الرئيس عون وحليفه "حزب الله" بقوة وازنة، وقد يكون مطلوب منها ان تحكم لبنان لفترة طويلة في حال تعذر الاتيان بمن يخلف الرئيس عون في رئاسة الجمهورية؟

كيف ستكون أحوال لبنان خلال هذه الفترة الانتقالية، التي وصفناها آنفاً بأنها الأخطر في تاريخه؟

قد يكون من السابق لأوانه تقديم جواب حاسم على هذا السؤال. لكنه يمكن القول، إنه في ظل قرار عربي ودولي وازن، كما يقول خبراء، بأن يبقى لبنان في منأى عن خطر الانهيار الشامل ما يجعله دولة فاشلة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، فإن هناك وسائل حماية في الوقت المناسب، على غرار تدخل المصرف المركزي الأخير، للجم انهيار سعر صرف الليرة، ومثل ذلك جهوزية الجيش اللبناني للامساك بزمام الامن في الوقت المناسب. غير إن ذلك، لا يلغي واقع ان لبنان يمرّ بصعوبات بالغة الشدة التي تضغط على اللبنانيين والمقيمين فيه على كل المستويات.