دول الخليج تكتشف نفط الرياضة وتصبح مستثمراً كبيراً في الأندية الدولية

  • 2022-05-09
  • 11:30

دول الخليج تكتشف نفط الرياضة وتصبح مستثمراً كبيراً في الأندية الدولية

"انفستكورب" يقترب من تملك نادي "آي سي ميلان" الإيطالي

  • رشيد حسن

مع تعزّز الأنباء حول اقتراب بنك "انفستكورب" الاستثماري الخليجي من إنجاز صفقة لتملك نادي "آي سي ميلان" "AC Milan" الإيطالي الشهير بمبلغ قد يصل إلى 1.26 مليار دولار، يكون المستثمرون الخليجيون قد أضافوا نادياً أوروبياً جديداً إلى مجموعة الأندية الكرويّة التي يسيطرون عليها ويتولّون دوراً مباشراً في تطويرها وغالباً عبر ضخّ استثمارات كبيرة في استقدام أفضل المدرّبين واللاعبين وإعادة الهيكلة وتعزيز التنافسية والإنفاق على الملاعب وعلى وسائل الترويج والتواصل وكسب المناصرين.

سجل أداء لامع

ويظهر سجل الأداء الذي حققه غالبية المستثمرين الخليجيين في الأندية التي تملكوها أنهم أظهروا التزاماً كبيراً بنواديهم وخبرات متزايدة في إدارة هذه النوادي وتطويرها وتحفيز لاعبيها وأنصارها. فقد اثبتوا انهم مستثمرون أكفّاء وبالإضافة إلى ذلك، هم مالكون متحمسون ومتعطّشون للفوز وتركوا آثارهم في اللعبة الكروية، ولا يترددون في الإنفاق ورصد الأموال لتوفير أمهر اللاعبين لنواديهم، ولهذه الأسباب فقد كان أثر الاستثمارات الخليجية على النوادي الكروية الأوروبية إيجابياً للغاية إذ يعود لهؤلاء المستثمرين الفضل في تعويم عدد من النوادي العريقة التي أفل نجمها ووجدت نفسها غالباً فريسة لمسار انحداري تمثل خصوصاً بأزمات مالية وإدارية حادّة والفشل في تحقيق البطولات والإيرادات الكافية للمنافسة على البطولات.

وعلى الرغم من الدور المهم الذي تلعبه الاستثمارات الخليجية في دعم الأندية الكروية وضخّ الدماء في عروقها، فإن بعض الجهات في البلدان التي تتواجد فيها هذه الاندية وجدت بعض الذرائع لمواجهة الإقبال الخليجي خصوصاً على الأندية الرياضية في البلدان الأوروبية بافتعال العقبات احياناً على اعتبار أن الأموال المتوافرة للمستثمرين الخليجيين تسمح لهم بالإنفاق على تطوير الفرق وتحسين أدائها وتعزيز حظوظها في كسب المباريات أو المنافسات الدولية، وبالتالي فإن دخول المستثمرين الخليجيين مع قوتهم المالية سيعزّز الفوارق الاقتصادية بين الفرق الرياضية، ولهذا السبب قامت الاتحادات الرياضية الأوروبية بإدخال ضوابط عديدة حدّت من إمكان الإنفاق السخي على شراء اللاعبين أو على عقد النادي الرياضي لاتفاقات الرعاية مع شركات الطيران في الدولة المالكة بل تم فرض غرامات مالية باهظة على نادي "باري سان جرمان" بسبب عقد رعاية بقيمة 200 مليون دولار منحه لشركة الطيران القطرية.

وبصورة عامة، فإن المعلقين الغربيين لا ينظرون إلى المساهمة الخليجية الكبيرة في ترقية اللعبة وإنقاذ أندية متردية وتحسين أوضاع اللاعبين والعاملين وقطاع الرياضة الكروية عموماً، بل ينظرون إلى تأثير الاهتمام الخليجي على وضعيّة الفرق الأخرى الضعيفة، وهذه حجة ضعيفة من الأساس لأن كل الفرق التي نجحت في العالم كانت تلك التي حظيت بمستثمرين أنفقوا من أموالهم على تطويرها ونادي "آي سي ميلان" مثلاً كان أفضل فريق في العالم عندما كان مملوكاً من سيلفيو برلوسكوني رئيس الوزراء الأسبق لإيطاليا، كما إن دخول الملياردير الروسي أبراموفيتش كمالك لنادي "تشلسي" كان نقطة تحول في إدارة ونجاحات هذا النادي وترتيبه بين الفرق الأوروبية وهو قوبل آنذاك من الصحافة البريطانية بترحيب يختلف عن التحفظ الذي يبرز في كل مرة يتقدم فيها مستثمرون خليجيون لشراء ناد أوروبي أو حصة مؤثرة فيه.

لكن بغض النظر عن الموقف السلبي لبعض وسائل الإعلام الغربية، فإن المستثمرين الخليجيين أثبتوا وجودهم وعزّزوا موقعهم وخبراتهم في قطاع الرياضة الكروية الذين رأوا فيه أحد المجالات الواعدة لاستثمار أموالهم، كما إن عمليات الشراء نشطت أيضاً بسبب عامل المنافسة ورغبة عدد من الدول الخليجية في مواكبة توجه الدول الباقية لأخذ مكان تحت شمس الأندية الرياضية العالمية والاستفادة من هذه الاندية لتطوير رياضة كرة القدم المحلية.

وتحت ملكية أبوظبي، تمكّن "مانشستر سيتي" من تحقيق العديد من البطولات المحلية والأوروبية وأصبح النادي الأكثر تنافسية في الدوري البريطاني. كذلك، تمكّن نادي "باري سان جرمان" من السيطرة على الدوري الفرنسي لسنوات والمنافسة على البطولات الاوروبية ولاسيّما بضمّه أهم نجوم العالم مثل نيمار ومبابي وميسي.

دور الصناديق السيادية

اللافت للإنتباه هنا، أن قسماً كبيراً من الاستثمارات الخليجية في النوادي الكروية الأوروبية حظيت بدعم مباشر من الدولة عبر صناديقها السيادية، وهو ما يلقي الضوء على تداخل حسابات المستثمرين بالاستراتيجيات الحكومية الخليجية التي تتوخى من الاستثمار في الرياضة وخصوصاً عقود الرعاية مع بعض الأندية الشهيرة أهدافاً تتجاوز الأداء المالي إلى ترقية صورة بلدانها في العالم. وقد عقدت شركات "طيران قطر" و"طيران الإمارات" و"طيران الاتحاد" المملوكة من أبوظبي اتفاقات رعاية مع بعض الأندية العالمية تتضمن ارتداء لاعبي هذه الفرق قمصاناً مع لوغو هذه الشركات وكذلك عرض شعارات الشركات الراعية في الملاعب الدولية وعبر التغطية الإعلامية الفورية للمباريات وهو ما يؤمّن بث شعارات الشركات الراعية إلى مئات الملايين من الجماهير المتابعة.

كما المداخيل النفطية والاستثمارية الوفيرة والبنى التحتية واللوجيستية والرقمية المتقدمة، ساعدت دول الخليج على الاستثمار في استضافة أحداث عالمية مثل معرض "إكسبو" في دبي ومباريات المونديال 2023 في قطر ودورات "الفورمولا-1" في البحرين وأبوظبي والسعودية وقطر وسباقات "الفورمولا أي" ورالي داكار في السعودية إضافة الى سباقات الدراجات النارية ودورات كرة المضرب والغولف الدولية في هذه الدول.

الرياضة كقوة ناعمة

كما إن شراء أندية رياضية شهيرة لها ملايين المناصرين يساعد وفي وقت قصير في تقديم صورة جذّابة لدى المجتمعات الغربية عن الدول الخليجية المستثمرة كدول راعية للرياضة وللأندية الشهيرة ويمنحها أداة مفيدة للديبلوماسية الاقتصادية أو ما يمكن تسميته بالقوة الناعمة، وقد ربطت الصحافة البريطانية بين انضمام اللاعب المصري الشهير صلاح إلى نادي "ليفربول" وبين التراجع الملحوظ في مشاعر العداء للإسلام وكره الأجانب وسط الشباب والرأي العام البريطاني.

أهداف وخطط وطنية

لكن من أهم المكاسب التي تحققها حكومات الخليج من الاستثمار في الأندية الرياضية وفي الأحداث الرياضية خلق الحماس الكبير للرياضة والنشاطات الرياضية بين الشباب وهذا أحد الأهداف التي وضعتها الحكومة السعودية في خطة تحسين جودة الحياة للمجتمع السعودي، كما إن هذه الاستثمارات تلعب دوراً في رفع شعور الاعتزاز الوطني وحب المنافسة والفوز خصوصاً في صفوف الشباب، ومن أجل نشر حب الرياضة بين الأجيال الجديدة فتحت المملكة العربية السعودية الباب واسعاً أمام النساء لحضور الأحداث الرياضية كما إنها بدأت بالتشجيع على تأسيس الفرق الرياضية النسائية والمنافسة بينها. وتشدد "رؤية 2030" السعودية مثلاً على أهمية تأمين اللياقة البدنية والصحية والنفسية للشباب كإحدى الوسائل لتعزيز شعورهم بالسعادة وانخراطهم الإيجابي في التقدم الاجتماعي. ولهذا، تضمنت خطة جودة الحياة السعودية برامج شراكة بين القطاعين العام والخاص في بناء آلاف المنشآت والأندية والمرافق الرياضية وتجهيزها أفضل تجهيز ووضعها في تصرف الأجيال الجديدة، كما إن الحكومة السعودية وضعت خططاً ترمي إلى تبؤ رياضيو المملكة مواقع صدارة عالمية في العديد من الرياضات.  

فضلاً عن ذلك، فإن الاهتمام بالأندية وباستقدام المنافسات الدولية في شتّى الألعاب إلى بلدان الخليج يخلق حركة سياحية نشطة في البلد المضيف ويساهم في تعريف الزوار الأجانب بالبلد واهتمام هؤلاء بالتعرف على معالمه وآثاره ومناطقه وربما شراء العقارات فيه.

وفي سياق استخدام الحماس للرياضة كمحفز لرفع مستوى الصحة العامة وتحسين جودة الحياة لدى المواطنين ولاسيما الشباب، قدمت مؤسسة قطر برامج أونلاين للتدريب على اليوغا وإمكان متابعة مباريات اتحاد "فيفا" لكرة القدم على الإنترنت، كما حظرت الحكومة القطرية تدخين النارجيلة في المطاعم والمقاهي خصوصاً على أثر انتشار وباء الكورونا وأطلقت برامج واسعة للتواصل الاجتماعي بهدف التحذير من مخاطر التبغ والتدخين.

في الوقت نفسه، قدمت المؤسسة السعودية "رياضة للجميعِ" على شاشات التلفزيون منافسات وتحديات رياضية تستهدف زيادة حماس الشباب للنشاطات الرياضية كما قررت السلطات السعودية تطوير منطقة العلا لتصبح مركزاً لنشاطات الاعتناء باللياقة الجسدية، كما إن كل دول الخليج أدخلت تقليد الاحتفال بـ"اليوم الوطني للرياضة" والذي يحرص قادة البلد على المشاركة فيه شخصياً والإفادة من إحيائه لتعزيز الهوية الوطنية وتقوية الروابط بالمواطنين وتعزيز شعور الافتخار بالنجاحات الرياضية وبأداء الأندية المملوكة من البلد ولاعبيها لدى الرأي العام.

على سبيل الختام، فإن دول الخليج أثبتت القدرة على اكتشاف الفرص وحققت نجاحاً لافتاً في اقتحام الملاعب الرياضية الدولية وتحويل خبراتها المتزايدة وثرواتها المالية إلى قوة يحسب حسابها في صناعة الرياضة العالمية والتي تعتبر من القطاعات الصاعدة من حيث توفير الفرص لتحقيق مردود جيد وتنويع الاستثمارات وتعزيز الرصيد المعنوي لهذه الدول في البلدان المستقبلة لهذه الاستثمارات الرياضية.