الطاقة البديلة في الاقتصاد العالمي الجديد: إشكالية الاختلاف بين الانتقال التدريجي أو السريع

  • 2022-02-06
  • 10:29

الطاقة البديلة في الاقتصاد العالمي الجديد: إشكالية الاختلاف بين الانتقال التدريجي أو السريع

  • د. محي الدين الشحيمي

 

 

إن صناعة الطاقة معقدة جداً، ذلك أن فهم الاتجاهات الرئيسية التي تغير الاقتصاد (التجارة، الصناعة، الخدمات) أمر صعب، إذ يحتاج المستثمرون وصانعو السياسات ورجال الأعمال وغيرهم من أصحاب المصلحة المهتمين إلى معلومات واضحة ومعتمدة على الأسس الثابتة، خصوصاً لجهة تطور النظام الطاقوي ثم احتواء وفهم القرارات الحالية، والتي يمكن أن تكون لها آثار طويلة الأمد. هذه الوقائع تضعنا أمام اشكاليتين اثنتين ومتضاربتين في كثير من الأحيان، هما كيفية التطور، وفي الوقت نفسه، انتقال النظام التدريجي أو السريع.

في حال الانتقال التدريجي، فإن عالم الطاقة في الغد سيكون تقريباً كما هي حاله اليوم، فالسيناريوهات البطيئة تستنبط الأنماط الحالية للسياسة والصناعة والاستهلاك والاستثمار، وبالتالي لن تكون مفيدة، بل ستكون بطريقة أو بأخرى داعمة لقرارات الاستثمار المخططة سابقاً والمعتمدة على الكربون المكثف. كذلك، تشير ضمناً إلى أن نظام الطاقة العالمي سيعاني من خمول غير متوافق حتى مع الاتفاقات الدولية المبرمة كبروتوكول باريس، كوبنهاغن، برشلونة، وكيوتو.

أما النمط السريع ويمكن الاصطلاح على تسميته بـ "الوثبة" فيتمثل في أن تقنيات الطاقة الجديدة توفر بسرعة وتجانس كل النمو في الطلب على الطاقة، الأمر الذي يؤدي إلى ذروة الطلب على الوقود، وعليه فإن السيناريوهات السريعة تشير إلى أن التقنيات الحالية والسياسات الجديدة، ستعيد تشكيل الأسواق ونماذج الأعمال وأنماط الاستهلاك، ما يشكل تحدياً للاستثمار المخطط له بالكربون الكثيف، ويؤدي إلى اقتصاد عالمي منخفض الكربون مع خلق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة.

إن التحول إلى انبعاثات صافية أو صفرية قد يخلق لنا فرصاً هائلة في تقنيات الطاقة النظيفة، لكن افتقار العالم النامي إلى الوصول للتمويل الميسور التكلفة يمثل عقبة رئيسية، وهو أمر خطر للعدالة الانسانية والتساوي في الحصول على معيار الاستدامة الشامل للجميع، وهذا مع امكانية أن تصل السوق المشتركة لاقتصاد الطاقة البديلة وبيئته التحتية أي لتوربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم أيون والمحللات الكهربائية وخلايا الوقود إلى حجم مماثل لسوق النفط اليوم في حلول العام 2050.

ولضمان أن يجلب لنا التحول إلى الطاقة النظيفة مستقبلاً أفضل لجميع الناس، يجب أن تتمتع الاقتصادات النامية بفرص متساوية في الوصول إلى الاستثمار الذي سيمول هذا التحول، خصوصاً في ظل نمو وانفلاش اقتصاد الطاقة العالمي، ما يشكل فرصة للدول النامية لاستغلال تطورات المرحلة وتحقيق مكاسب وأرباح إذا كانت جاهزة ومستعدة لذلك. وقد رأينا، أنه وفي خضم الاضطرابات التي أحدثتها جائحة كوفيد-19، كيف استمرت الإضافات في قدرات الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية في التسارع، وحققت مبيعات السيارات الكهربائية أرقاماً قياسية جديدة.

ومع بدء العالم في الاقتراب من مسار يؤدي إلى انبعاثات صافية صفرية، تكون الفوائد المحتملة هائلة، وسيوفر هذا التحول فرصاً غير مسبوقة في السوق لمصنعي المعدات ومقدمي الخدمات والمطورين، بالإضافة إلى شركات الهندسة والمشتريات والبناء على طول سلسلة توريد الطاقة النظيفة بأكملها.

 ففي خصوص صناعات طاقة نظيفة جديدة وعلى مستوى سوق النفط اليوم، ستخلق الأنواع الخمسة الأساسية في صناعة الطاقة البديلة بكل معداتها معاً (توربينات الرياح، والألواح الشمسية، وبطاريات الليثيوم أيون، والمحللات الكهربائية. وخلايا الوقود)، سوقاً للطاقة النظيفة مماثلة لسوق النفط وتضاهيها من حيث الحجم، وسيكون نطاق هذه السوق عالمياً ولن يقتصر على الاقتصادات الأكثر تقدماً، وهذا يخلق آفاقاً هائلة للشركات التي تتمتع بمكانة جيدة على طول مجموعة موسعة من سلاسل التوريد العالمية.

في إطار مسار وكالة الطاقة الدولية الهادف إلى صافي انبعاثات صفرية في حلول العام 2050، ستحل الكهرباء محل الوقود الأحفوري في العديد من مجالات الاقتصاد، وتشمل قطاعات رئيسية مثل النقل والتدفئة والصناعة، وفي هذا السيناريو، ستمثل الكهرباء نحو 50 في المئة من الاستخدام النهائي للطاقة في حلول العام 2050 أي ارتفاعاً بنحو 20 في المئة من الآن، وسيؤدي توسع الكهرباء إلى انفجار موازٍ للاستثمارات ذات الصلة، ليس فقط في المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتزويدنا بالطاقة النظيفة، ولكن أيضاً في مرافق النقل والتخزين، وفي التقنيات الرقمية الناشئة لتشغيل أنظمة الطاقة لدينا بشكل أكثر ذكاء وكفاءة.

ومن المقرر أن تصبح العمالة في مجالات الطاقة النظيفة جزءاً حيوياً وأساسياً للغاية من أسواق العمل، مع نمو أكثر من تعويض الانخفاض في قطاعات إمدادات الوقود الأحفوري التقليدية، هذا بالإضافة إلى خلق فرص عمل في مجال مصادر الطاقة المتجددة وصناعات شبكات الطاقة، وستعمل تحولات الطاقة النظيفة على زيادة التوظيف في مجالات مثل التعديلات التحديثية وتحسينات كفاءة الطاقة الأخرى في المباني، وتصنيع الأجهزة الفعالة والمركبات الكهربائية وخلايا الوقود. ونشير هنا أيضاً إلى انه في طريق وكالة الطاقة الدولية إلى صافي صفر في حلول العام 2050، سيتم توظيف 26 مليون عامل إضافي في الطاقة النظيفة والقطاعات ذات الصلة في حلول 2030.

ان الزخم بالتوجه نحو اقتصاد طاقة جديد لا يمكن إنكاره أبداً، ولكن هنالك عقبة بعدم تمتع كل شخص بفرص متساوية للوصول إلى الفوائد المحتملة الهائلة التي يمكن أن يجلبها، حيث تواجه العديد من الاقتصادات الناشئة والنامية تحديات تقطعها عن اقتصاد الطاقة الجديد هذا، وتمثل الاقتصادات الناشئة والنامية حالياً ثلثي سكان العالم، ولكنها لا تمثل سوى خُمس الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة.

إن العقبة الرئيسية قد تبدو في الوصول إلى الاستثمار وتأمين التمويل على الصعيد العالمي، وبما أنه لا يوجد نقص في التمويل إلا أنه وبسبب المخاطر المتصورة، فإن قطاعات كبيرة من العالم تكافح لجذب الاستثمار الأساسي في أنظمة الطاقة الخاصة بها فقط، فالمال موجود ولكنه ليس مخصص للطاقة البديلة بمعظمه، ذلك أن رأس المال جبان ولا يحبذ المغامرة خصوصاً الآتي من القطاع الخاص.

الاقتصادات النامية: خمس الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة

يقدر المنتدى الاقتصادي العالمي ووكالة الطاقة الدولية، أن تكاليف التمويل الإسمية على مستوى الاقتصاد في بعض الاقتصادات التي يُنظر إليها على أنها من بين أكثر الاقتصادات خطورة، تصل إلى سبع مرات أعلى منها في الولايات المتحدة وأوروبا. هذه الفجوة هي أحد الأسباب التي تجعل الاقتصادات الناشئة والنامية تمثل حالياً ثلثي سكان العالم، ولكنها لا تمثل سوى خُمس الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة.

هذه الفجوة المالية غير مستدامة ولا يمكن تجنبها، وللمساعدة في إغلاقها يخطط المنتدى الاقتصادي العالمي ووكالة الطاقة الدولية معاً لإنشاء مرصد تكلفة رأس المال لزيادة الشفافية في قطاع الطاقة وإلهام وتحفيز ثقة المستثمرين، وسيوجه المرصد مطوري المشاريع والمؤسسات المالية وواضعي السياسات للمساعدة في تشجيع الاستثمار في الطاقة النظيفة المطلوب بشكل عاجل في الاقتصادات الناشئة والنامية.

وختاماً، فإن الجهود المبذولة لإزالة الكربون من نظام الطاقة العالمي تؤدي إلى نظام طاقوي مستدام ومتكامل بشكل متزايد، مع تفاعل أكبر بكثير بين قطاعات الطاقة والنقل والصناعة والبناء، كما يؤدي التحرك لإزالة الكربون من إمدادات الطاقة إلى مستويات عالية من اللامركزية في قطاع الطاقة، وسيتطلب ذلك مستويات أعلى بكثير من التنسيق والمرونة من جميع الجهات الفاعلة في القطاع  بما في ذلك المستهلكون من أجل إدارة هذا النظام المعقد بشكل متزايد وتحسينه بالحوكمات للحدّ من عواقبه وارتدادته العكسية.