تباطؤ الاقتصاد الصيني يقلق العالم لكن ليس السعودية

  • 2022-01-24
  • 11:24

تباطؤ الاقتصاد الصيني يقلق العالم لكن ليس السعودية

  • أحمد عياش

قبل أيام، أعلنت وكالة الطاقة الدولية إن الطلب على النفط في العام 2022، من المرجح أن يكون أعلى من المتوقع، وان العرض سيكون أقل من المقدر حالياً. إن التوسع في شرح ما تقوله الوكالة الدولية تولته مستويات الأسعار التي بلغها النفط أخيراً والذي قارب الـ 90 دولاراً للبرميل.

في موازاة ذلك، لا يبدو ان سائر الأسواق تحظى بهذا الانتعاش، لا بل، ان ما ذكرته النيويورك تايمز عن الاقتصاد الصيني، يبعث على القلق في كل أنحاء العالم تقريباً. فهل هناك من استثناءات بشأن الدول التي يطالها تباطؤ الاقتصاد الصيني العملاق؟

الجواب أتى في أحدث تقرير لوكالة رويترز من سنغافورة، حيث أظهرت بيانات جمركية أن المملكة العربية السعودية احتفظت بأعلى مرتبة في إمدادات النفط الصينية في العام 2021، حيث ارتفعت الإمدادات بنسبة 3.1 في المئة مقارنة مع العام 2020، وزادت حصتها إلى 17 في المئة من إجمالي الواردات الصينية.

وقد اظهرت بيانات الادارة العامة للجمارك ان الصين جلبت 87.58 مليون طن من النفط الخام من المملكة او ما يوازي 1.75 مليون برميل يومياً، ويقارن ذلك بـ 84.92 مليون طن في العام 2020، عندما كانت المملكة العربية السعودية تحتفظ بنسبة 16 في المئة من السوق الصينية.

وجاءت الحصة السوقية الموسعة لأكبر مصدّر لمنظمة أوبك في الوقت الذي عززت فيه مبيعاتها للمصافي الوطنية وعززها الطلب من المصافي العملاقة الخاصة تشجيانغ للبتروكيماويات وهينغلي  للبتروكيماويات.

وجاءت روسيا في المرتبة الثانية، مما زاد الفجوة مع المملكة العربية السعودية، حيث تقلصت الإمدادات بنسبة 4.7 في المئة إلى 79.65 مليون طن، أو 1.59 مليون برميل يومياً، متأثرة بضعف الطلب من المصافي المستقلة في الصين.

في نظرة اوسع نطاقاً، تقول كارين إليوت هاوس، في مقال لها في وول ستريت جورنال، تحت عنوان "المملكة العربية السعودية تتجه نحو الصين"، إن المملكة تقوم "بتدريس الماندرين في المدارس، كما إن الصين هي أكبر شريك تجاري للسعودية. والصادرات الرئيسية، بطبيعة الحال، هي النفط، في حين أصبحت المعدات والتكنولوجيات العسكرية واردات حيوية".

بالعودة الى النيويورك تايمز بشأن الاقتصاد الصيني، فقد أوردت في تقرير نشر أخيراً: "تباطأ الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ في الشهور الاخيرة من العام الماضي حيث اضطرت الاجراءات الحكومية للحدّ من المضاربة العقارية بقطاعات اخرى ايضاً، كما أدت عمليات الإغلاق وقيود السفر لاحتواء الفيروس التاجي إلى إضعاف الإنفاق الاستهلاكي. وقد أدت اللوائح الصارمة على كل شيء، من شركات الإنترنت إلى شركات الدروس الخصوصية بعد المدرسة، إلى موجة من عمليات التسريح.

وذكر المكتب الوطني للإحصاءات في الصين الاثنين الماضي ان الانتاج الاقتصادي خلال الفترة من اكتوبر حتى ديسمبر كان اعلى بنسبة 4 في المئة فقط مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وكان ذلك تباطؤاً عن النمو الذي بلغ 4.9 في المئة في الربع الثالث من يوليو حتى أيلول/سبتمبر.

وقد أدى الطلب العالمي على الإلكترونيات الاستهلاكية والأثاث وغيرها من وسائل الراحة المنزلية خلال الجائحة، إلى تحقيق صادرات قياسية للصين، ما حال دون توقف نموها. وذكرت الحكومة الصينية انه خلال العام الماضي كله، ارتفع الانتاج الاقتصادي بنسبة 8.1 في المئة مقارنة بالعام 2020، ولكن الكثير من النمو كان في النصف الأول من العام الماضي".

يضيف التقرير: "إن اللمحة السائدة بأن الاقتصاد الصيني، كان القاطرة الرئيسية للنمو العالمي في السنوات القليلة الماضية، بدأت تُخلي مكانها امام التوقعات الاقتصادية العالمية الاوسع نطاقاً، والتي تشير الى ان دور القاطرة الصينية قد بدأ يتضاءل. وما زاد الطين بلة، أن المتحور أوميكرون من الفيروس التاجي، بدأ الآن في الانتشار في الصين، ما أدى إلى المزيد من القيود في جميع أنحاء البلاد وأثار مخاوف من تجدد انقطاع سلاسل التوريد".

وقال لي داو كوى الخبير الاقتصادي البارز ومستشار الحكومة الصينية في خطاب القاه في اواخر الشهر الماضي: " انني أخشى ان يكون تشغيل وتنمية الاقتصاد الصيني في السنوات القليلة المقبلة صعباً نسبياً". واضاف: "بالنظر الى السنوات الخمس ككل، فقد تكون أصعب فترة منذ اصلاحنا وانفتاحنا قبل 40 عاما".

وخلص تقرير النيويورك تايمز الى القول: "قليلون هم الذين يتوقعون أن تسمح الحكومة الصينية بحدوث انكماش اقتصادي حاد هذا العام، قبل مؤتمر الحزب الشيوعي. ويتوقع الاقتصاديون أن تخفف الحكومة من قيودها على الإقراض وأن تعزز الإنفاق الحكومي. وقال تشو نينغ نائب عميد معهد شانغهاي المتقدم للمالية " ان النصف الاول من العام سيكون مليئاً بالتحديات"، لكن الشوط الثاني سيشهد انتعاشاً".

إذاً، الأشهر المقبلة ستحدد ماذا إذا كان المتشائمون، أم المتفائلون، على صواب بشأن توقعاتهم حول صحة الاقتصاد الصيني. لكن ما تقوله وكالة الطاقة الدولية يمضي نحو التفاؤل، باعتبار ان الطلب المتصاعد على النفط لا يشير الى ان الاقتصاد العالمي يتباطأ. وكما ذكرنا آنفاً، فقد قالت وكالة الطاقة الدولية إن الطلب لعام 2022 من المرجح أن يكون أعلى من المتوقع والعرض أقل من التوقعات. وذكرت الوكالة التي تتخذ من باريس مقراً لها، انه على الرغم من ان البديل اوميكرون من الفيروس التاجي يسبّب اصابات قياسية، الا ان الارتفاع لا يؤثر على الطلب على البترول كما حدث في القفزات السابقة في الاصابات، حيث ظل نشاط السفر ووسائل النقل الاخرى "قوياً".

وأصدرت الوكالة تقريرها الشهري عن سوق النفط، في الوقت الذي تواجه فيه الصناعة صعوبات في رفع مستويات الإنتاج في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار. ولا تزال "أوبك بلس" تقصر عن الزيادة الشهرية الموعودة البالغة 400 ألف برميل يومياً، ما يرفع الإنتاج بمقدار 250 ألف برميل فقط يومياً في كانون الأول/ديسمبر، ولا تزال أوجه القصور الرئيسية في نيجيريا وأنغولا وليبيا. وكانت روسيا قد ضخت اقل بقليل من حصتها في كانون الأول/ديسمبر، ما يميل الى تأكيد التوقعات بأن تكون قد وصلت الى حدودها القصيرة الأجل.

وتقترب أسعار النفط من 90 دولاراً للبرميل، متجاوزة أعلى مستوياتها في سبع سنوات التي بلغتها في أكتوبر/تشرين الأول، وتم تداول خام برنت، وهو المعيار الدولي، لفترة وجيزة فوق 89 دولاراًِ للبرميل منتصف الاسبوع الماضي، في حين كان خام غرب تكساس الوسيط، وهو المعيار الأميركي، يباع بأكثر من 86 دولاراً للبرميل.

وقالت الوكالة الدولية للطاقة إن هذه الأسعار من المرجح أن تؤدي إلى المزيد من الحفر والإنتاج في الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم، وأماكن أخرى، ويمكن لهذا النفط الإضافي أن يخفف من ارتفاع الاسعار.

ومن ناحية أخرى، رسمت الوكالة ما يمكن اعتباره أن يكون بيئة لمزيد من الارتفاع في الأسعار. وقد وصل النفط في مرافق التخزين في الدول الصناعية الى ادنى مستوياته منذ سبع سنوات، بينما من المحتمل ان تنخفض ما يسمى بالقدرة الاحتياطية، وكمية البترول التي يمكن انتاجها بسرعة، الى نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، او 3 في المئة من العرض العالمي، وفقاً لتقديرات الوكالة. ومعظم هذه البراميل الإضافية موجودة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وقالت الوكالة، إنه إذا كان الطلب قوياً، أو كان العرض ضعيفاً بشكل غير متوقع، "فقد تكون أسواق النفط نحو عام متقلب آخر في العام 2022".

في الخلاصة: من علامات الصحو المعروفة، ان تحمل الحمامة في منقارها غصن الزيتون، وهكذا هي الحال اليوم مع ارتفاع أسعار النفط.