أوميكرون يربك قطاع السفر والترفيه لكن الحكومات لن تتراجع عن فتح الأسواق

  • 2021-12-22
  • 23:10

أوميكرون يربك قطاع السفر والترفيه لكن الحكومات لن تتراجع عن فتح الأسواق

العالم مرهق ويريد تفادي الإغلاقات

  • رشيد حسن

 

أعاد متحور أوميكرون لفيروس كورونا خلط أوراق التعافي الاقتصادي الذي كانت بلدان عدة في العالم بدأت تعيشه بعد الضربات الموجعة التي تسببت بها الجائحة منذ العام 2020. وهزت أخبار المتحور الجديد بصورة خاصة قطاع السفر والسياحة الذي يشهد ذروة من النشاط في الفترة السابقة لأعياد الميلاد ورأس السنة، كما ترك المتحور الجديد آثاراً واضحة على الأسواق المالية وأسعار النفط التي عادت واستعادت جزءاً مهماً من خسائرها السابقة.

وساهمت منظمة الصحة العالمية في خلق حالة الطوارئ عبر تأكيدها منذ البدء بأن متحور أوميكرون "يدعو إلى القلق"، وأنه يتميز بدرجة عدوى عالية ولم يعط اهتماماً مماثلاً للأنباء التي جاءت من جنوب أفريقيا والدول الأفريقية التي ظهر فيها المتحور، وأكدت أنه وفق المعلومات المتوافرة حالياً، فإن أعراض أوميكرون مختلفة، والأرجح ان تكون خفيفة نسبياً مع امكانية تسببه بوفيات. لكن حتى ولو كانت أعراض أوميكرون أخف وطأة من سابقه "دلتا" أو النسخ الأولى عن الفيروس فإنه لن يجرؤ مسؤول في أي بلد على الاقتراح بأن يترك المتحور الجديد وشأنه، لذلك سارعت الحكومات للتعامل معه بنفس الأسلوب والوسائل التي تم تطويرها وتجربتها حتى الآن، بدءاً باللقاحات ومروراً بإغلاق البوابات الجوية وتقييد التجمعات وإلغاء بعض الأحداث وانتهاء بالمزيد من التوجه نحو جعل التطعيم إلزامياً لمختلف فئات السكان وإدخال بطاقة تثبيت التحصين أو التلقيح الكامل كشرط للتمتع  بالحرية الاجتماعية وسهولة التنقل، ليس فقط بين البلدان بل داخل البلد نفسه.

اللقاحات تحمي لكنها لا تقي من الاصابة

ومما يعقّد الصورة التوافق العام بأن التحصين باللقاح، حتى ولو بجرعتين أو ثلاث، ليس كافياً لمنع الإصابة بكوفيد-19 أو الإصابة مجدداً، كما إنه ليس ضمانة لعدم نقل الفيروس من الشخص الملقح إلى غيره، وقد أظهرت الفحوصات التي أجريت على الرحلات الجوية في البلدان الأفريقية التي ظهر فيها متحور أوميكرون، أن نسبة ممن أصيبوا به، كانوا من المسافرين الذين تلقوا جرعتين من اللقاح، وبالطبع مثل هذه الوقائع تبعث تكراراً شبح الحقيقة التي بات الجميع يحاولون التأقلم معها وهي أن الكورونا باتت جزءاً من واقع البشر ومن اقتصادهم وعلاقاتهم الاجتماعية وأسلوب حياتهم اليومية، وأنها ستفرض على الدوام قيوداً تعرقل إلى حد كبير إمكان العودة إلى الحياة العادية التي كانت البشرية تعيشها قبل الجائجة، ولاسيما التجمعات التي تستقطبها الاحتفالات والمهرجانات الحاشدة الفنية أو الرياضية أو السياسية أو الدينية أو الشعبية أو غيرها.

لكن في الوقت نفسه، فإنه من الواضح أن هناك حالة تعب وإرهاق من الإغلاقات المتكررة والطويلة الأمد، التي فرضت على مؤسسات الترفيه والتسوق والرياضة، وهي في بعض البلدان مثلاً الرئة الحقيقية للمجتمع والمتنفس الأول للشباب والعائلات. وهذه الحالة من التعب بدت ملحوظة في بلد مثل بريطانيا مثلاً حيث يواجه رئيس الوزراء تمرداً من غالبية أعضاء حزبه قد يطيح به بسبب سعيه لفرض إغلاقات جديدة وتقييد لحركة المواطنين. وهناك حالات تمرد متزايدة على الإغلاق اتخذت شكل مظاهرات حاشدة في إيطاليا وألمانيا وغيرها، بينما سلكت دول أخرى عديدة في العالم مسلكاً معتدلاً منذ الأساس متجنبة حالات الإغلاق الشامل وتقييد حركة الأشخاص.

السؤال: إلى متى؟

أما سبب التعب الذي تحس به الاقتصادات والمجتمعات فيعود إلى أن السلطات الصحية في العالم لم تستطع حتى الآن من وضع نهاية للوباء، وبات مؤكداً أن الوباء بات مكوناًَ دائماً في حياة الأشخاص وعاملاً أساسياً تخضع له نشاطات  الاقتصاد والمجتمع كافة كل حسب درجة تأثرها به، وها هي المتحوِّرات تتوالى بلا نهاية أيضاً، مما جعل الناس تطالب بقبول التعايش مع الوباء مع تطبيق التدابير الكافية التي تزيد مناعة الناس وتحميهم قدر الامكان من التقاط الفيروس وتسمح لهم في الوقت نفسه بالعيش حياة شبه عادية إن لم يمكن العودة إلى الحياة العادية السابقة.

تكيف متزايد مع الوباء

لذلك، أدت الرغبة والحاجة لإعادة فتح الأسواق ورحلات الطيران وقطاعات التعليم والشركات والقطاع الحكومي وغيرها، إلى تركيز جهود هائلة منذ صيف العام 2020 وطيلة العام 2021 في البلدان العربية ولاسيما الخليجية منها على تنفيذ حملات تطعيم شاملة لأكبر نسبة من السكان، وساعدت النسبة المرتفعة من السكان الذين تلقوا اللقاح على إحداث انفراج تدريجي في الحياة الاقتصادية، وتم الجمع بين التلقيح وبين الفحص الدوري والتباعد الاجتماعي لتمكين الاقتصاد والسياحة والنشاطات التجارية من الانتعاش مجدداً. وبدت السلطات المحلية واثقة من فعالية هذه السياسة بحيث فتحت الباب مجدداً لقدوم الزوار من الخارج وامتلاء الفنادق والمطاعم بل وجرى تنظيم حفلات فنية واحداث رياضية حاشدة. وفي المقابل نشطت رحلات شركات الطيران لتبلغ مستويات قريبة من مستويات مرحلة ما قبل الجائحة، وتمكنت أماكن مثل امارة دبي من التوفيق بين تنشيط السوق السياحية وتنظيم حدث عالمي ضخم مثل الاكسبو، وبين المحافظة على معدلات منخفضة من الإصابات. ومن الواضح أن الامارات تبنّت موقف منظمة الصحة العالمية القائل إن اللقاحات المستخدمة للوقاية من متحورات فيروس دلتا أو سابقاته، يمكنها أن تكون فعالة في مواجهة المتحور الجديد. وبهذا ونظراً إلى إنجازها نسبة تلقيح قاربت الـ 100 في المئة، وهي من أعلى نسبة في العالم، فإن في إمكانها الاستمرار في تطبيق السياسات الحالية في مواجهة أوميكرون مع حد أدنى من الاضطراب في نشاطات السوق. وبالنظر الى الاعتماد الشبه الكلي على التطعيم في ظل عدم اعتماد العلاجات الأخرى المطورة حديثاً مثل الحبوب المضادة للفيروس حتى الآن، فإننا سنرى اعتماداً متزايداً على التلقيح باعتباره أسهل السبل مع تنامي الدفع في عدد متزايد من البلدان لفرض التطعيم الإلزامي، سواء عبر فرضه على كل من يريد الاحتفاظ بحرية التنقل ودخول الأماكن العامة والمقاهي أو فرض العزلة على ما لا يرغب في أخذ اللقاح. والواضح أن دولة مثل الكويت مثلاً تتجه إلى مثل هذا الخيار، بينما طبقت السعودية والامارات وقطر وغيرها من بلدان الخليج ما يشبه البطاقة الخضراء التي يمكن لحامليها فقط ارتياد الأماكن العامة، وهي تعول على هذه السياسات الاحترازية من أجل تشجيع العودة إلى حياة شبه طبيعية للأسواق والأعمال.

السعودية: لا عودة إلى الإغلاق

وأعلنت معظم بلدان الخليج أنه لا عودة حتى الآن إلى إجراءات الإغلاق السابقة وأن أوميكرون لن يجبرها بالضرورة على تبديل مسار التعافي الاقتصادي الحالي. وتفردت الكويت حتى الآن بإجراءات جديدة تفرض على الزائر الخضوع لحجر ثلاثة أيام، وهو ما يرجح أن يؤثر على حركة بعض الزائرين خصوصاً الذين قد يأتون لغرض الأعمال. بالطبع تبقى إمكانية التواصل عبر الوسائط الرقمية والاجتماعات عن بعد لكن في العديد من الحالات قد لا يكون هناك غنى عن التواصل المباشر.  

خلاصة الأمر أن فيروس كورونا قرر مشاطرة الناس حياتهم منذ الآن، وهو أثبت في خلال سنتين أنه أصبح حالة دائمة وأن انتشاره وقابليته للتحور باستمرار، وبالتالي مراوغة إجراءات التلقيح الشامل تجعل منه ضيفاً ثقيلاً دائماً على مائدة البشر وعاملاً سيمكنه باستمرار أن يضيق عليهم فرص الحياة السهلة والاختلاط والاحتشاد والتفاعل، وربما استطاعت إجراءات الاحتراز والعقاقير واللقاحات توفير فرصة لإحياء حركة الاقتصاد لكنها لن تستطيع على الأرجح أن تعيد إلينا الحياة الهانئة التي قد نكون خسرناها إلى أجل غير مسمى.