الخليج العربي بعد 40 عاماً: التكامل مع التنوع في عالم يتغيّر

  • 2021-12-16
  • 18:30

الخليج العربي بعد 40 عاماً: التكامل مع التنوع في عالم يتغيّر

  • أحمد عياش

لم تكن قمة الرياض الخليجية التي التأمت أخيراً، مجرد رقم على رغم أهميته، إذ إنها الدورة الـ42 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون، بل هي أيضاً مفترق يأخذ هذه المنطقة من العالم نحو آفاق جديدة لم تكن قد ارتسمت قبل 4 عقود. وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لنشأة هذا الكيان الإقليمي العام 1981، ما زال ويا للمفارقة قائماً، ألا وهو مواجهة مستجدات ظروف إقليمية وقتذاك، وفي مقدّمها قيام نظام الملالي في إيران العام 1979، فإن هناك أهدافاً جديدة أخذت طريقها الى جدول أعمال الدول الـ6 المؤسسة للمجلس على يد جيل من الأبناء والذين لديهم تطلعات لم يكن لها وجود في ذهن الآباء المؤسسين.

قبل الجواب على سؤال: أين نحن اليوم، لا ضير من التوقف قليلاً عند سؤال: أين كنا بالأمس؟ فوفق تقرير لموقع الـ"BBC"، فقد ضم مجلس التعاون الخليجي 6 دول عربية هي السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، والبحرين وعمان. وقد جاء الإعلان عن إنشاء المجلس في العاصمة السعودية الرياض، التي تستضيف المقر الرسمي للمجلس في أيار/مايو 1981. ومن أهم أهداف المجلس في ذلك الزمن والذي أبصر النور، هو قرار دول المجلس تشكيل قوة دفاع مشتركة تحت اسم "قوات درع الجزيرة" في تشرين الثاني/نوفمبر 1982. وقد نفذت هذه القوة أول تمرين مشترك بعد ذلك بعام على أرض الامارات.

والآن، أين هي دول مجلس التعاون اليوم؟ ونبدأ بما ورد في البيان الختامي للقمة الخليجية الأخيرة. فقد أشاد بجولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على دول المجلس خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الحالي، ورحّب بـ"النتائج الإيجابية التي توصل إليها لتعزيز التعاون والترابط والتنسيق بين دول المجلس، وتحقيق تطلعات مواطنيها، وتأكيد التنفيذ الكامل والدقيق لرؤية خادم الحرمين الشريفين لتحقيق أعلى درجات التكامل، بما يكفل تضامن وتماسك دول المجلس وتعزيز دورها الإقليمي والدولي".

إذاً، على رأس أولويات المجلس "التعاون والترابط والتنسيق"، والتي جسدتها جولة ولي العهد السعودي التحضيرية للقمة. ومن أهم ما توقف عنده الخبراء في الشؤون الخليجية، أن المملكة العربية السعودية لم تكتف بتوجيه بطاقات الدعوة لحضور القمة، بل ذهبت بشخص الأمير محمد بن سلمان لتسليمها باليد على مساحة جغرافية متنوعة، كانت لزمن غير بعيد، مساحة للخصومة والجفاء والتباين. إنه تطوّر تاريخي، بحسب هؤلاء الخبراء، طرأ على ذهنية العمل المشترك.

بالطبع، لم يقفز البيان الختامي للقمة عن كل المسائل المعقّدة، ولاسيما ملف العلاقات بين دول المجلس وإيران بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني، إلا إنه أيضاً اهتم بعمق بما هو تحديات المستقبل، فثمّن ودعم بالكامل، "مبادرة السعودية الخضراء" و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، اللتيّن أطلقتهما المملكة، وكذلك ثمّن جهود المملكة ومبادراتها في مواجهة ظاهرة التغير المناخي. وفي الوقت نفسه، أشاد المجلس الأعلى بالدور الرائد الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وجهودها في استضافة أبوظبي "COP28" عام 2023 لدعم الجهود الدولية في هذا الإطار. وكذلك، هنّأ الإمارات على النجاح الذي يشهده معرض "إكسبو 2020"، مؤكداً في الوقت ذاته دعمه الكامل لطلب المملكة العربية السعودية استضافة معرض "إكسبو 2030"، وعدّ ذلك ترسيخاً لمكانة دول المجلس كمركز دولي للأعمال.

ولم يأت قادة مجلس التعاون الى الرياض "خالي الوفاض" إذا جاز التعبير. فقد سبقت مجيئهم سلسلة تطورات، وفي مقدمها افتتاح الطريق البري السعودي - العماني الذي يبلغ طوله 725 كيلومتراً، ورفع مستوى رئاسة مجلس التنسيق القطري - السعودي إلى مستوى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان. ولم يفت المجلس الاهتمام بالحدث الرياضي العالمي المتمثل بمونديال كأس العالم 2022، وجدد دعم دول المجلس لدولة قطر في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إنجاح استضافتها.

لا بدّ من الإشارة في هذا السياق، إلى أن السعودية حضّرت جيّداً لقمة الرياض التي أكدت مضامين إعلان العُلا الصادر في 5 كانون الثاني/ يناير من العام الحالي، والتنفيذ الكامل والدقيق والمستمر لرؤية الملك سلمان بن عبد العزيز التي أقرّها المجلس الأعلى في دورته الـ36 في كانون الأول/ديسمبر 2015، بما في ذلك استكمال مقوّمات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة.

ومن المحطات البارزة في العمل الخليجي المشترك واحدة تتعلق بالإجراءات الصحية والوقائية لاحتواء جائحة فيروس كورونا، التي اتخذتها دول مجلس التعاون للحدّ من آثار الجائحة على الأصعدة كافة، وقد اجتازت دول مجلس التعاون هذا التحدي بنجاح.

في عالم خليجي يتغيّر، بدأ تجسيد أفكار الترابط الجغرافي على مستوى البر بين أقطار المجلس الـ6. فإلى ما ورد آنفاً حول افتتاح الطريق البري السعودي - العماني، وافق المجلس الأعلى لمجلس التعاون على إنشاء "الهيئة الخليجية للسكك الحديدية"، ليتم ربط الدول الأعضاء برّاً بما يخفّض أسعار السفر والتنقل الى جانب تنمية حركة الإنتاج والسلع، وسط توقعات بقرب إنشاء هذه الهيئة.

كما تعي دول المجلس تماماً أنها تأتي مجتمعةً في المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي النفط والمرتبة الثانية في احتياطي الغاز، وهي أيضاً الأولى عالمياً في إنتاج النفط. وتبلغ مساحة دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعةً 2.410 مليون كيلومتر مربغ، أي 15 في المئة من مساحة الدول العربية كلّها، ولها شريط ساحلي مشترك يبلغ 2929 كيلومتراً. وقد بلغ عدد سكان دول المجلس العام 2020، حسب إحصاءات المجلس، 57.4 مليون نسمة.

في موازاة ذلك، ظهر نمط جديد من التفكير عبّرت عنه الموازنة السعودية التريليونية، التي جرى إعلانها أخيراً. فبالاضافة إلى خفض الإنفاق عن مستوى الموارد، خططت الحكومة السعودية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية ذات الجودة العالية، والتي يُتوقع، وفقاً لخبراء، كما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط"، أن تشهد المملكة تدفق مزيداً من الاستثمارات في أكثر من 14 قطاعاً حيوياً ذات عوائد مالية كبيرة. في وقت أشارت البيانات إلى ارتفاع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 85.6 مليار ريال في النصف الأول من العام 2021 مقابل بنحو 9.1 مليارات ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، أي بعد فترة وجيزة بعد جائحة كورونا.

القمة الخليجية المقبلة ستكون في مسقط عاصمة سلطنة عمان. فلنراقب كيف سيتحوّل الخليج العربي بعد عام من الآن.