الصديق عمر الكبير: نحو توحيد مصرف ليبيا المركزي

  • 2021-12-12
  • 13:00

الصديق عمر الكبير: نحو توحيد مصرف ليبيا المركزي

  • خطار زيدان

يؤكد محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق عمر الكبير في حوار مع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن النشاط الاقتصادي يعتمد خلال المرحلة المقبلة على مدى سلامة وتناغم وتكامل السياسات النقدية والتجارية والمالية، والإجراءات التي يتم اتخاذها لتحقيق الأهداف الكلية وتحريك عجلة الاقتصاد وتنويعه وتمكين القطاع الخاص، وتحقيق النمو وفقاً لرؤية متوسطة وطويلة الأجل، مع وجوب إقرار سياسة مالية متناغمة مع السياسات الاقتصادية الأخرى، ومراجعة بعض الإجراءات، مثل سياسة الدعم، ونظام الاعانات التي تقدم للمواطن، كما تحدث عن حاجة القطاع المصرفي الليبي إلى خطة لإعادة هيكلته وتطويره، وعن الجهود المبذولة لتوحيد المصرف المركزي في إطار عملية الوفاق السياسي، وعن أسباب التأخير في تصنيف المصارف الليبية من قبل مؤسسات التصنيف الدولية، ومشكلة المقاصة، وجهود المصرف المركزي لبناء قدرات كوادره. وهنا نص الحوار:

إعادة هيكلة شاملة

- ما هي برأيكم السياسات الاقتصادية والمالية المناسبة لإعادة إنعاش الاقتصاد الليبي مع ترسيخ الاستقرار السياسي؟

واجه الاقتصاد الليبي لعقود من الزمن العديد من الصدمات والأزمات التي كان لها تأثير سلبي كبير على الأداء الاقتصادي والنمو، وأدت إلى حدوث تشوّهات كبيرة وخلل في هيكل الاقتصاد، بسبب النهج الاشتراكي الذي كان متّبعاً قبل العام 2011، والذي أدى إلى تأميم القطاع الخاص، واتّباع السياسات المالية الخاطئة التي استنزفت موارد الدولة، وأدّت إلى تردّي الأوضاع المالية والاقتصادية وتراجع معدلات النمو. ولم يتم إصلاح هذا الخلل، وتصحيحه في هيكل الاقتصاد الليبي، ولم يتم تنويع مصادر الدخل، واستمر الاقتصاد يعتمد على مصدر وحيد للدخل وهو النفط، حيث تشكل الإيرادات النفطية 95 في المئة من إيرادات الموازنة العامة، وتشكّل الصادرات النفطية 96 في المئة من صادرات ليبيا، كما ترتفع درجة الانكشاف الخارجي لمستوى تجاوز 75 في المئة، ولايزال الاقتصاد الليبي ريعي، ويعتمد على القطاع العام في تقديم الخدمات الأساسية وتوفير فرص العمل. وبلغ العاملون في الجهاز الإداري للدولة مستوى 2.3 مليون موظف، بنسبة أكثر من 30 في المئة من عدد السكان، فضلاً عن غياب تام لدور القطاع الخاص في خلق فرص العمل وتنويع مصادر الدخل، كما إن الظروف السياسية والاقتصادية والمالية منذ العام 2013، وأهمّها الانقسام السياسي والمؤسسي، والحروب، والنزاعات، والتوقف المتكرر لإنتاج وتصدير النفط، وتراجع أسعاره، ما تسبّب في خسائر بأكثر من 180 مليار دولار حتى العام 2020... كل هذه العوامل مجتمعة أحدثت مزيداً من الضغوط على الوضع الاقتصادي، وأسهمت في المزيد من التشوّهات في الاقتصاد الليبي، الذي أصبح يعاني من عجوزات في الميزانية العامة، وفي ميزان المدفوعات، وتراجع احتياطات المصرف المركزي من النقد الأجنبي، وتدهور قيمة الدينار الليبي، وانكماش في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع كبير في معدلات التضخّم، وارتفاع معدلات الدين العام لمستوى 270 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع ملحوظ في جودة وكفاءة الإنفاق العام، واستحواذ الإنفاق الاستهلاكي على النفقات العامة على حساب الإنفاق التنموي، وبروز العديد من الظواهر السلبية في الاقتصاد الليبي، كتهريب السلع، وخصوصاً المحروقات، والهجرة غير الشرعية، وارتفاع حجم اقتصاد الظل لمستوى تجاوز 60 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

إنَّ النشاط الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، وفي ظل تعاون حكومة الوحدة الوطنية، يعتمد على مدى سلامة وتناغم وتكامل السياسات النقدية والتجارية والمالية، والإجراءات التي يتمّ اتخاذها لتحقيق الأهداف الكليّة وتحريك عجلة الاقتصاد وتنويعه، وتحقيق النمو وفقاً لرؤية متوسطة وطويلة الأجل، بما ينعكس إيجاباً على رفاهية المواطن والارتقاء بمستوى معيشته، وتمكين القطاع الخاص ومنحه دوراً مميزاً يؤهّله للمشاركة الإيجابية والفعالة في النشاط الاقتصادي، والبدء في هيكلة النشاط الاقتصادي. ومن الأهمية أن تتضمّن الرؤية بشكل واضح التنمية المكانية وكفاءة وجودة الإنفاق بما يحقق الاستقرار والتوافق السياسي. وهناك حالياً تنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية لتحريك عجلة الاقتصاد وتوفير التمويلات المصرفية للمشروعات الاستراتيجية والمشروعات الصغرى والمتوسطة، وتشجيع المبادرات الفردية للشباب، ودعم الابتكار، ويُعزّز كل ذلك وجود مشروع وطني حقيقي لتطبيق العدالة الانتقالية ودعم المصالحة الوطنية وضمان التداول.

ضبط الإنفاق

- كيف يمكن برأيكم معالجة عجز المالية العامة وإعادة بناء إيرادات الدولة بتنويع مصادر الدخل؟

إن أهمّ خطوة لمعالجة عجز المالية العامة هو إقرار سياسة مالية تُسهم في ضبط معدلات الإنفاق العام عند مستوى قابل للاستدامة، ومعالجة الخلل الهيكلي في الإنفاق العام، وزيادة مساهمة الانفاق التنموي، وتحسين وتطوير سبل جباية الايرادات السيادية، مثل الضرائب، والجمارك، وغيرها. وتكون السياسة المالية متناغمة مع السياسات الاقتصادية الأخرى، مع مراجعة بعض السياسات المالية، مثل سياسة الدعم، ونظام الاعانات التي تقدم للمواطن. ومن جهة أخرى، هناك سياسات اقتصادية كلية تهدف الى تنويع مصادر الدخل في المديين المتوسط والطويل، يكون فيها للقطاع الخاص المحلي والأجنبي دور كبير في النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل.

- كيف يمكن إعادة هيكلة المصارف ورسملتها ودمجها في النظام المصرفي والمالي العالمي؟

يحتاج القطاع المصرفي الليبي إلى خطة لإعادة هيكلته وتطويره، وهو يتكون من 20 مصرفاً، و 555 فرعاً ووكالة. وعلى الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية التي مرّت بها ليبيا خلال السنوات الماضية، وظهور مصرف مركزي موازٍ، إلا أنّ المصرف المركزي قام بدور استثنائي، ونجح في الحفاظ على سلامة المراكز المالية للمصارف، وأطلق مشاريع عدة لتطوير القطاع، منها مشروع ترقية المنظومة المصرفية، وتطوير خدمات الدفع الإلكتروني، وتعزيز الشمول المالي، حتى صارت ليبيا في مقدمة دول المنطقة، وتمّ ربط نحو 90 في المئة من الفروع المصرفية بإداراتها العامة، واعتماد المراكز المالية حتى نهاية 2020، كما نتطلع خلال المرحلة المقبلة إلى البدء في تطوير أشمل للقطاع المصرفي من خلال التعاون مع بعض المؤسسات الدولية.

توحيد المصرف المركزي

- هل من توجه لتوحيد المصرف المركزي في إطار عملية الوفاق السياسي؟

بادر مصرف ليبيا المركزي منذ العام 2016 بطلب اجراء عملية تدقيق شاملة لعمليات المصرف المركزي
والمصرف الموازي، والتزم المصرف بقرار مجلس الامن الدولي في شأن التدقيق الدولي على أعماله، وانطلقت عملية التدقيق الدولي وانتهت في شهر تموز/يوليو من العام 2021، واستلم المجلس الرئاسي التقرير النهائي للمراجع الدولية، وكذلك تم استلام التقرير من قبل المصرفين، والتي بناء عليها باشرنا اتخاذ بعض الاجراءات للبدء في توحيد المصرفيين، وقد شكلنا فريق عمل من إدارات المصرف المركزي في طرابلس المعنية في إجراءات التوحيد، كما اجتمعنا مع مجموعة العمل الدولية المعنية في الشأن الاقتصادي، وتم الاتفاق على تسريع عملية التوحيد، وتكليف ممثل عن الطرفين لوضع الإطار النهائي ومنهجية العمل للتوحيد وتحديد المتطلبات القانونية والإجراءات التي تسبق التوحيد النهائي.

- ما هو سبب غياب التصنيف للمصارف الليبية من قبل مؤسسات التصنيف الدولية؟ وهل من إجراءات أو إصلاحات ينبغي القيام بها للحصول على هذه التصنيفات؟

هناك العديد من الأسباب، منها ما يتعلق في المصارف نفسها، ومنها ما يتعلق في الظروف السياسية وحالة الانقسام السياسي والمؤسسي. كل هذه العوامل أسهمت بشكل واضح في تأخّر إجراءات التطوير والمواكبة التي تقوم بها المصارف في ظل ظروف عدم الاستقرار، ولم تتمكن وكالات التصنيف الدولية من تصنيف المصارف الليبية بشكل دقيق، كما إن استمرار حالة عدم الاستقرار، ووجود مصرف مركزي موازٍ، ما زال يُعطي مؤشرات سلبية لحالة القطاع المصرفي الليبي، ويحول دون قيام مؤسسات التصنيف في البدء في عملها مع المصارف الليبية. ولتصحيح هذه الأمور، حرص مصرف ليبيا المركزي أخيراً، ومع تحقق استقرار نسبي في البلاد، على تبني مشروعات تهدف إلى تصحيح أوضاع المصارف واستكمال اعتماد مراكزها المالية، وتحسين أوضاعها.

- ما هي العوائق التي تحول حتى اليوم دون فتح المقاصة المصرفية في ليبيا؟ وهل بالإمكان القول متى سيتم حل هذه المعضلة؟

هناك فهم غير صحيح لمشكلة المقاصة. المقاصة تعمل بين المصارف بشكل طبيعي من خلال نظام المدفوعات، والمشكلة سبق وأن أوضحنا أنها ناتجة عن الانقسام السياسي. وقد وصل الإنفاق الموازي للحكومات المؤقتة طيلة السنوات الماضية إلى 71 مليار دينار لدى "مصرف البيضاء"، قابله وجود حسابات وأرصدة للمصارف التجارية لدى "مصرف البيضاء"، ونظام مقاصة موازٍ خارج منظومة نظام المدفوعات الوطني الذي يشرف عليه مصرف ليبيا المركزي في طرابلس. وفي ظل بلوغ أرصدة المصارف لدى "مصرف البيضاء" 52 مليار دينار وتراجع ارصدتها لدى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، أصبحت المصارف عاجزة عن استخدام أرصدتها لدى "مصرف البيضاء"، ما أثّر على عمليات المقاصة بين المصارف، واضطرت المصارف إلى اتخاذ إجراءات استثنائية أدّت إلى ارتفاع عدد وقيمة الصكوك المرفوضة بين المصارف. ولحلّ هذه المشكلة، بادر مصرف ليبيا المركزي بإطلاق مبادرة بمنح المصارف خلال العام 2021 قروضاً بقيمة 20 مليار دينار لدعم أرصدتها لدى المصرف المركزي في طرابلس وتخفيف مشكلة المقاصة. 

- ما هو دور المصرف المركزي في دفع عملية بناء القدرات ورفع مستوى الأداء داخل المؤسسات المالية التي تقع تحت إشرافكم، من خلال برامج تدريبية محلية أو خارجية؟

إن عملية بناء القدرات البشرية كانت دائما ولا تزال من ضمن أولوياتنا، وكان لدينا العديد من المسارات في هذا الشأن، منها في إطار خطة تدريبية سنوية لموظفي مصرف ليبيا المركزي تتضمن العديد من البرامج التدريبية في المجالات كافة، بالتعاون مع مؤسسات دولية مثل "صندوق النقد العربي"، "صندوق النقد الدولي"، "البنك الاوروبي"، المصرف المركزي الايطالي، وبعض مراكز التدريب العربية و الدولية، بالإضافة إلى تأهيل كوادر مصرف ليبيا المركزي في جامعات مصنّفة من ضمن أفضل 20 جامعة عالمياً، والتدريب في مجال اللغة الانجليزية خارج ليبيا، مع تطبيق الخطة التدريبية السنوية لمعهد الدراسات المصرفية والمالية التابع لمصرف ليبيا المركزي. وعلى الرغم من أنّ جائحة كورونا أدّت إلى تراجع عدد المشاركات الخارجية مقابل المشاركة في البرامج التي تتم عن بعد، إلا أنّنا نعمل حالياً بالشراكة مع بعض المؤسسات الدولية على تطوير القدرات لبعض إدارات المصرف المركزي، حيث بدأنا التعاون الفعلي مع المصرف المركزي المصري لإطلاق برامج تدريبية عملية عدة لتطوير قدرات بعض إدارت مصرف ليبيا المركزي، ونتوقع انطلاق برنامج التدريب في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كما يعمل معهد الدراسات المصرفية والمالية على وضع خطة تدريبية طموحة للعام 2022، بالتعاون والتنسيق مع بعض المؤسسات الدولية.