الإنذار الاخير: العالم الى الحروب من بوابة المناخ؟

  • 2021-11-04
  • 10:49

الإنذار الاخير: العالم الى الحروب من بوابة المناخ؟

  • أحمد عياش

 

ربما يبدو الصوت الذي ارتفع في قمة العالم الدولية، وما رافقه من تحذيرات حول ما ينتظره العالم من مخاطر نتيجة الاحتباس الحراري، كان متوقعاً، نظراً الى ان مناسبة دولية كهذه، تمارس مثل هكذا دور كي تحث الدول، ولاسيما تلك الاكثر تلويثاً، وهي دول تضم القسم الاكبر من عدد السكان في العالم مثل الولايات المتحدة الاميركية والصين والهند وغيرها، على الوفاء بالتزاماتها المعقودة في قمة باريس العام 2015. لكن على ما يبدو ان هذه التحذيرات ليست عادية، فهناك نذر من ان يكون العالم ينزلق الى وضع قد لا يعود معه ينفع الندم.

البداية من غلاسكو في إسكتلندا التي استضافت على مدى يومين هذا الأسبوع القمة الدورية COP26  برعاية الأمم المتحدة حيث تمّ التوصل إلى اتفاقات للحدّ من انبعاثات غاز الميثان وحماية غابات العالم. وكان لافتاً للانتباه ان رئيس الدولة الاكبر سكانياً في الكوكب، أي الصين شي جين بينغ، لم يشارك شخصياً ومثله فعل نظيره الروسي فلاديمير بوتين في اعمال القمة ما استدعى انتقاداً علنياً من الرئيس الاميركي جو بايدن، علماً ان الصين، وقبل انعقاد القمة، أعلنت أنها ستكبح انبعاثاتها قبل العام 2030 - وهو هدف هو في الأساس الهدف نفسه الذي أصدرته الصين قبل ست سنوات. وحذرت صحيفة جلوبال تايمز، وهي صحيفة صينية قومية، من أن وعود إدارة بايدن بشأن تغير المناخ من المرجح ألا تصل إلى شيء إذا استعاد الجمهوريون السيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي.

وعلى مدى الأسبوع ونصف الأسبوع المقبلين، سيتعين على الدبلوماسيين وضع قواعد حول أسواق الكربون الدولية ومعرفة كيفية الوفاء بوعد لم يتم الوفاء به بعد منذ أكثر من عقد من الزمان بتقديم 100 مليار دولار سنوياً في حلول العام 2020 لمساعدة البلدان الفقيرة على الابتعاد عن الوقود الأحفوري والاستعداد لتأثير تغير المناخ.

وتجدر الاشارة الى انه يمكن لانبعاثات الميثان، التي تنتج من عمليات النفط والغاز الطبيعي والماشية ومكبّات القمامة، أن تدفئ الغلاف الجوي بأسرع 80 مرة من ثاني أوكسيد الكربون على المدى القصير.

بالنسبة الى حماية الغابات وهو أحد القرارات الرئيسية لقمة المناخ، فقد صدر مع تزايد القلق بشأن ارتفاع إزالة الغابات في حوض الأمازون والكونغو، وهما أكبر "رئتين" للبيئة العالمية، وهكذا تعهد زعماء العالم بإنهاء إزالة الغابات بحلول العام 2030.

لكن، وبحسب الخبراء، فإن "الوعد الغامض" بشأن الغابات يجب ان يقترن بإجراءات محددة.

وتتركز معظم الغابات المطيرة الاستوائية في أربع مناطق، وعندما يحط البشر من الغابات المطيرة عن طريق إزالة الأشجار، تصل أشعة الشمس إلى أرضية الغابة وتجففها، مما يجعلها أكثر عرضة لحرائق الغابات. تم تغيير المناطق التي أزيلت منها الغابات بشكل كبير لدرجة أنها توقفت عن إعالة نفسها كغابات.

والغابون، التي تغطي غاباتها ما يقرب من 90 في المئة من أراضيها، هي واحدة من عدد قليل من البلدان التي تمتص كميات من الكربون تفوق ما تنبعث منها. (وتشمل الدول الأخرى غيانا وبوتان وبابوا غينيا الجديدة وسورينام). وفي مؤتمر غلاسكو، سعى قادتها إلى إيجاد آليات لحماية وتوسيع هذا النادي الصغير من البلدان السلبية للكربون.

وتعتبر الغابون نفسها "قوة عظمى خضراء" تحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث نسبة أراضيها التي تغطيها الغابات، فتمتص غابات البلاد ما لا يقل عن 100 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون أكثر من إجمالي انبعاثاتها، وإلى جانب جيرانها في حوض الكونغو، تولد غاباتها أكثر من نصف الأمطار في أفريقيا، ولا تتفوق منطقة الأمازون إلا على هذه المنطقة باعتبارها منطقة طبيعية لتخزين الكربون.

تحت عنوان "خطر الصراع على المياه آخذ في الازدياد"، كتبت الفايننشال تايمز ان زيادة نقص إمدادات المياه العذبة الحيوية وارتفاع مستويات سطح البحر يهددان بالحرب والهجرة الجماعية. وبحسب إسماعيل سيراج الدين، نائب رئيس البنك الدولي، فإن "حروب القرن الحادي والعشرين ستكون حول المياه، ما لم نغير الطريقة التي ندير بها المياه". ومما قاله العام 2009:" إن العالم، لم يشهد بعد أول حرب مائية لا لبس فيها. ولكن المخاوف بشأن الروابط بين الصراع وإمدادات المياه لم تختلف، إذا كان أي شيء أنها أصبحت أكثر حدة. ويقال ببساطة إن المشكلة الجذرية، ان عدد سكان العالم آخذ في الازدياد وكذلك الطلب على المياه. وفي الوقت نفسه، فإن إمدادات المياه العذبة تستنزف بسبب تغير المناخ والتنمية الاقتصادية. وكما يقول براهما تشيلاني، مؤلف كتاب "المياه والسلام والحرب":"تعاني المياه العذبة من نقص متزايد، حيث يعيش ما يقرب من ثلثي سكان العالم في ظروف تعاني من نقص المياه".

وأصبح عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي - التي يرتبط معظمها بالتصحر - الآن صداعاً أمنياً، تصل تداعياته إلى أوروبا. وتشن فرنسا حرباً فاشلة ضد المتشددين الإسلاميين في منطقة الساحل منذ العام 2013. ويخشى الفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين من أن يكون لظهور الدول الفاشلة والحركات الإرهابية في المنطقة المزيد من الآثار غير المباشرة في أوروبا. وإذا وجد الناس أن الحياة غير مستدامة على نحو متزايد في منطقة الساحل، فإن الكثيرين منهم سوف يسافرون شمالاً ويحاولون العبور إلى أوروبا. وقد اصبحت الهجرة غير الشرعية من افريقيا والشرق الاوسط الى اوروبا الآن القضية الساخنة لليمين المتطرف في فرنسا وايطاليا واسبانيا. وتمتد المخاوف بشأن ندرة المياه عبر القارة، وهي نقطة اشتعال محتملة بين مصر وإثيوبيا - وكلاهما من البلدان التي يزيد عدد سكانها على 100 مليون نسمة، التي تشعر بقلق متزايد بشأن إمدادات المياه. ويهدف بناء إثيوبيا لسد النهضة الإثيوبي الكبير على نهر النيل إلى مضاعفة إمدادات الكهرباء في البلاد، ولكنه يسبب شبه حالة من الذعر في مصر - حيث كانت مياه النيل تعتبر تاريخياً شريان الحياة للأمة. فالمصريون غير مستعدين لقبول التطمينات الإثيوبية بشأن إمدادات المياه التي يحصلون عليها - بل إن البعض في مصر قد دعا إلى قصف السد.

وهناك توترات مماثلة محتدمة بين الصين والهند حول حقوق المياه وبناء السدود. وفي وقت تتصاعد فيه التوترات بين الهند والصين، فإن القلق في نيودلهي هو أن الصين قد تسعى إلى استخدام الحصول على المياه كخنق للهند. ولكن الهند نفسها تشكل مصدر قلق لبنغلاديش المجاورة، التي تشعر بالقلق إزاء قدرتها على الوصول إلى مياه الأنهار التي تنشأ في الهند، بيد أن حالة بنغلاديش تسلط الضوء على إحدى المفارقات المتعلقة بإمدادات المياه والجغرافيا السياسية. ويساور البلد القلق في الوقت نفسه إزاء قلة المياه وكثرتها. وتشكل ندرة المياه العذبة تهديداً للإمدادات الغذائية في أحد أكثر البلدان كثافة سكانية في العالم، ولكن ارتفاع منسوب مياه البحر الناجم عن تغير المناخ يهدد بجعل أجزاء كبيرة من البلاد غير صالحة للسكن في العقود المقبلة.

من المرجح أن يصبح ارتفاع منسوب مياه البحر مصدراً جديداً للصراع الجيوسياسي، لأنها ستجبر على الحركة الجماعية للناس عبر الحدود مع تحول المناطق المكتظة بالسكان إلى مناطق غير صالحة للسكني. وفي يوليو/تموز، كتب السير ديفيد كينغ، كبير المستشارين العلميين السابقين للحكومة البريطانية: "إن جنوب شرقي آسيا معرض للخطر في غضون ثلاثين عاماً فقط من فقدان أربع مناطق صالحة للعيش. ومن المتوقع الآن أن تغمر مياه البحر 90 في المائة من فييتنام مرة واحدة في السنة. وأحد الفيضانات مع مياه البحر من دلتا نهر الميكونغ. سيعني أنه لم يعد بالإمكان إنتاج الأرز، وهذه واحدة من أكبر البلدان المنتجة للأرز في العالم". وفي الوقت نفسه، تتعرض العاصمة الإندونيسية جاكرتا لخطر ندرة المياه العذبة وارتفاع منسوب مياه البحر، ويتسبب النضوب المستمر للمياه الجوفية في غرق المدينة - وقد غمرت المياه جزءاً كبيراً منها في أعقاب هطول أمطار غزيرة في وقت سابق من هذا العام. وفي الوقت نفسه، يهدد ارتفاع منسوب مياه البحر قدرتها على البقاء على المدى الطويل. ويتوقع كينغ أن: "جاكرتا لن تكون مدينة صالحة للعيش في غضون 30 عاماً". إن الحديث عن "حروب المياه" يثير رؤية الدول التي تقاتل من أجل السيطرة على الموارد المائية المتزايدة الندرة، وهذا بالتأكيد احتمال خطير، ولكن التهديد الأكبر للأمن العالمي قد يكون اليأس المتزايد للشعوب - من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى جنوب آسيا - التي تعاني من نقص المياه، أو ارتفاع منسوب مياه البحر، أو كليهما.

في الخلاصة: إنه المناخ الذي انعقدت من أجله قمة غلاسكو قبل أيام. وهذه الصورة المخيفة التي أشارت الى ان الحروب في المرصاد، تبيّن ان المشكلات الناتجة عن الاحتباس الحراري في الكوكب سيؤدي الى هذه النزاعات التي يثيرها ندرة المياه والتي هي مجرد عيّنة مما هو منتظر!