الثابت والمتغير في الشراكة السعودية الإماراتية

  • 2021-08-02
  • 13:59

الثابت والمتغير في الشراكة السعودية الإماراتية

  • خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"

 

حملت زيارة ولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد الاخيرة إلى السعودية ولقاءاته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، معنى أساسياً هو شعور البلدين بأن الوقت حان لإجراء تقييم مشترك للمسائل التي تجمعت مع الوقت وبات ملحاً العمل على حسمها. والقاعدة بين السعودية والإمارات هي التوافق بل التكامل في الجهود والتوجهات وعدم السماح بظهور فجوة في المواقف، وعدم السماح، في حال بروزها، بتحولها إلى ملف خلافي. وهذه القاعدة ما زالت ثابتة وهي وضعت في التطبيق وجرى امتحانها في أكثر من ملف وعند أكثر من منعطف.

تحالف ديناميكي

لكن التحالف السعودي الإماراتي يقوم في الوقت نفسه على معادلات متحركة ولا بدّ أن يتأثر بالتالي بالأوضاع المتغيرة ولاسيما في المملكة العربية السعودية وبالتحولات المستمرة في الاقتصاد الإماراتي، أي أنه تحالف ديناميكي ويحتاج إلى متابعة وإلى عمليات تعديل تسمح بإدخال المعطيات والعوامل الجديدة في ميزان العلاقة القائمة على ثوابت من جهة ومصالح متحركة من جهة أخرى. وفي الحديث عن المصالح المتحركة هناك العديد من الملفات الجدية مثل النفط واليمن وضبط إيقاع السياسة الخارجية والنهضة السعودية غير المسبوقة وهو الملف الأهم.

النهضة السعودية

الملف الأكثر تأثيراً في التحالف السعودي الإماراتي هو الآن النهضة السعودية غير المسبوقة وطموح القيادة السعودية لتنويع الاقتصاد وتعزيز الانتاجية واطلاق قطاعات جديدة بهدف الدخول في مرحلة جديدة من النمو والاندماج في الاقتصاد العالمي، وبالتالي جعل المملكة قوة اقتصادية كبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي وتحقيق الاستفادة القصوى من الميزات التي تمتلكها مثل الثقل الاستثنائي الذي تتمتع به سواء لجهة الجغرافيا أم الموارد الطبيعية أم الوزن السكاني أم السياسي أم الاقتصادي، وهذا التنامي الكبير في الطموح السعودي، يعيد خلط العديد من الأوراق في الخارطة الاقتصادية للمنطقة ويدفع إلى الواجهة المسائل المتعلقة بالتوازنات والأدوار الاقتصادية بين الدولتين.

تداعيات التغيير السعودي

ويرتدي هذا الموضوع أهمية خاصة في العلاقة السعودية الإماراتية نظراً الى ان الدور الاقتصادي لدولة الإمارات، برغم استناده إلى ميزات أساسية وتنافسية وإلى ريادة مشهودة في العديد من المجالات، إلا أنه حقق قسماً مهماً من نموه في اقتصاد الخدمات والسياحة والترفيه واعتماد سياسات جريئة للانفتاح والمبادرات الآيلة لاستقطاب الاستثمارات والشركات الدولية والرساميل، مع التحول في الوقت نفسه، إلى قاعدة رئيسة للوجيستية والتجارة العالمية.

وفي المقابل، كانت السعودية قررت صراحة أو ضمناً  طيلة المرحلة السابقة لرؤية 2030 التركيز على استغلال الموارد الوفيرة للنفط والغاز واستخدام الإنفاق الحكومي كمصدر أول للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونشأ بذلك نوع من "الثنائية" الضمنية بين الدولتين.

وما نشهده الآن من تباينات أو مواقف متعارضة، فهو المؤشر الأوضح على أن ثنائية الأدوار السابقة باتت موضع إعادة نظر منذ اللحظة التي اختارت المملكة العربية السعودية، عبر تبني رؤية 2030، تعزيز تكاملها مع الاقتصاد الدولي بمتطلباته كافة، وبالتالي تبني السياسات نفسها التي يعزى إليها نجاح النموذج الإماراتي.

الاندفاعة السياحية السعودية

قد يحلو للبعض الحديث عن خلافات سعودية إماراتية، في حين أن ما يجري، يعتبر النتائج الأولية لقرار السعودية الدفع بثقلها ومواردها إلى ميدان المنافسة والسعي لجني المكاسب المتعلقة بالمزايا الاستراتيجية التي تتمتع بها. ولتحقيق ذلك، سارعت السعودية إلى تنفيذ إصلاحات جريئة وتبنت سياسات الانفتاح وتهيّأت لتبعاته، كما قبلت بفتح سوقها الداخلية بقطاعاتها كافة للاستثمارات والشراكات وأنجزت الكثير على صعيد تأهيل البيئة الاستثمارية وتسهيل الأعمال وتبسيط المعاملات، كما قامت في الوقت نفسه (وهي مستمرة في ذلك)، بالعمل على تحسين جودة الحياة وفتحت مناطقها التاريخية وكنوزها السياحية والثقافية للعالم، كما أنفقت مبالغ كبيرة على ترقية البنية التحتية للخدمات وتطوير المواقع السياحية وإطلاق المدن الجديدة والقطاعات المستحدثة واندفعت إلى الصناعة السياحية بكامل قوتها. وتمّ على سبيل المثال إطلاق مشاريع ضخمة مثل مدينة نيوم ومنتجعات البحر الأحمر ومشروع أمالا مع إعطاء هذه المنطقة نظاماً خاصاً يساعد على تسويقها عالمياً وتحولها في وقت قريب إلى ما بات يُسمّى "الريفييرا السعودية".

مقار الشركات الدولية

أحد الملفات الذي سينتظر المراقبون كيفية معالجته، هو قرار المملكة إلزام الشركات الدولية التي تحصل على عقود حكومية بنقل مقراتها الإقليمية إلى اراضيها، والملف الثاني الذي لا يقل أهمية هو ولا شك القيود السعودية على المنتجات المصنعة في المناطق الحرة الإماراتية في ما يعتبره السعوديون "تصحيحاً" مشروعاً لصالح دعم الصناعات السعودية، ولصالح اجتذاب صناعات قائمة في الخليج ستجد أن عليها الانتقال إلى المملكة إذا كانت تريد الاحتفاظ بحصتها من هذا السوق والاستفادة من فرص النمو المستقبلي فيه. والمناطق الحرة موضوع خلافي ساهم دوماً في عرقلة التوصل إلى إقامة الوحدة الجمركية الخليجية، وما نشهده الآن هو أن الملف الذي بقي عالقاً لسنوات فتح أخيراً بالنظر الى وجود استراتيجية سعودية لتطوير المناطق الاقتصادية الخاصة وتعزيز الصناعة المحلية.

قوة لوجيستية عالمية

هناك أيضاً موضوع الموانئ والطموح السعودي الواضح لتطوير قوة ملاحية كبرى تستثمر الموقع الفريد للمملكة بين القارات، وقد تم رصد نحو 500 مليار ريال لتمويلها ضمن استراتيجية النقل واللوجيستية.  وتشير خطة تطوير الموانئ وشبكة الربط المتعدد الوسائط (الطرق البرية والقطارات وشبكات النقل الفرعية) إلى أن المملكة مصممة على استغلال موقعها الاستراتيجي للتحول إلى قوة لوجيستية عالمية، وإحدى النتائج المتوقعة لهذه الخطوة قد تكون تخفيف الاعتماد على موانئ الإمارات لصالح شبكة الربط الجديدة التي تربط ساحل المملكة على الخليج بموانئ البحر الأحمر، إضافة إلى تطوير شبكة المواصلات التي تربطها بالعراق وبسلطنة عمان ومنطقتي "الدقم" و"صحار" تحديداً.

تكامل لا تنافس

على سبيل الاستنتاج، فإنه يجب عدم النظر إلى المتغيرات الحاصلة في الوضعين الإماراتي والسعودي من دون التركيز على مدى قوة وخصوصية الوشائج التي تربط بين هذه الدول وبين قياداتها وشعوبها. فنحن أمام وضع متماسك لكنه في الوقت نفسه وضع متحرك بتأثير التطور الطبيعي والمتغيرات في كل دولة. والإمارات تغيرت كثيراً قبل السعودية وشهدت مراحل ازدهار كما شهدت ازمات اقتصادية وتمكنت من تجاوزها بل وأظهرت دوماً قدرة على الابتكار وتجديد نفسها وتطوير دورها. والسعودية الآن تتغير وبسرعة في نهضة قلما شهدنا مثلها في الدول النامية. لكن المهم هو أن نتائج النهضة السعودية لن تبقى محصورة في المملكة لأن من طبيعة الازدهار أنه مثل بقعة الزيت لا يبقى في مكانه بل يميل إلى الانتشار في الدول القريبة بصورة خاصة. وبالنظر الى قوة اقتصاد الإمارات وكفاءته فإنه أكثر اقتصاد خليجي مؤهل للاستفادة وفي جميع المجالات من الازدهار السعودي المرتقب.

وهو الأمر الذي يطرح بقوة أهمية وصوابية البحث في التكامل والتنسيق القائم على المصالح المشتركة. فالسياحة السعودية مثلاً لن تبقى سعودية والزائرون الذين تجذبهم المملكة هم مكسب لمنطقة الخليج التي ستعزز مكانتها كمقصد سياحي عالمي، والمستثمرون الذين سيدخلون السوق السعودي لن يكونوا بعيدين عن سوق الإمارات وعن عمان وبقية أسواق المنطقة. وفي الحقيقة لا يوجد تنافس بل تكامل بين نمط السياحة الذي يجري تطويره على سواحل البحر الأحمر الشمالية الشرقية وبين نمط السياحة الذي يلاقي ازدهاراً في الامارات. فالبلدان سيستفيدان إلى حد كبير من تحول الخليج والبحر الأحمر إلى مقصد عالمي يوفر للسياح خيارات متنوعة في منطقة لها سحرها الخاص وطابعها التاريخي والثقافي والحضاري، فضلاً عن ذلك، فإن سوق الإمارات بات ناضجاً خصوصاً في قطاعي السياحة والعقار بينما يعتبر الاقتصاد السعودي في ظل رؤية 2030 أرض فرص جديدة وفيرة بخاصة لمستثمري الإمارات الذين سيتمكنون بما لديهم من الخبرة والموارد المالية ان يكونوا في طليعة من المستفيدين من الفرص السعودية.

لقد اثبتت التجارب حتى الآن، قدرة السعودية والامارات على تجاوز الملفات الخلافية، وكان آخرها التباين داخل ميزان الحصص النفطية المعتمدة من أوبك+، ومن المؤكد أن الطرفين سيتوصلان وعلى طريقتهما عبر التفاوض المسؤول إلى حلول للملفات الأخرى، وربما بقيت بعض الأمور المعلقة لكن من شبه المؤكد أنه سيتم تسويتها بروح مسؤولية وبروح الشراكة والتحالف الوثيق الذي يربط بين اكبر بلدين في منطقة الخليج.