ما هي خيارات تطبيق قرار تخفيض الانبعاثات الكبريتية للسفن؟

  • 2020-02-12
  • 12:53

ما هي خيارات تطبيق قرار تخفيض الانبعاثات الكبريتية للسفن؟

  • حنين سلّوم

دخل قرار المنظمّة البحريّة الدولية الذي ينص على خفض انبعاثات الكبريت من وقود السفن قيد التنفيذ الشهر الماضي. وبموجب القرار، الذي كانت المنظمة قد اتخذته سنة 2016، فإنه يتعين على السفن أن تخفض نسبة غاز الكبريت المسموح بها بمقدار 85 في المئة، لتصبح نسبة الحد المسموح به للمحتوى الكبريتي 0.5 في المئة.
وعلى الرغم من أن القرار جاء انطلاقاً من حرص المنظمة على التخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن انبعاثات غاز الكبريت على صحة الانسان من جهة، وفي سبيل حماية البيئة والحياة المائية من جهة أخرى، فإنه سيحمل تأثيرات على قطاعي الشحن والكيماويّات، ما يضع الشركات المعنية بالقطاعين أمام خيارات قد تكون محدودة.

3 خيارات أمام الشحن البحري

يشكّل قطاع الشحن البحري عصب التجارة إذ أن نحو 90 في المئة من التجارة العالميّة يتم عبر البحار. والحال نفسها في البلدان العربيّة حيث يشكّل النقل البحري الوسيلة الأساسيّة للتجارة، ما يضع مالكي ومشغلي السفن أمام ثلاثة خيارات، الأول يتمثل بالانتقال من الوقود عالي الكبريت HSFO إلى الوقود المطابق LSFO أو زيت الغاز البحري  MGO (ذات محتوى كبريتي ما دون 0.1 في المئة) وذلك يعني ارتفاع تكلفة النقل على الشركات ذلك أن تكلفة الوقود ذات المحتوى الكبريتي المطابق للمعايير المطلوبة بموجب القرار (0.5 في المئة) أعلى من المستخدم حاليا، علماً أن عملية الانتقال هذه لا تستوجب أي تعديلات تحديثية على السفن. أمّا الثاني فيقتضي تجهيز السفن بأجهزة غسل الغاز (scrubber) التي تستخرج الكبريت أثناء حرق الوقود عالي الكبريت HSFO. لكن ذلك يتطلّب مدة زمنية تتراوح بين ستّة إلى تسعة أشهر، كذلك هناك عدد محدود من الموانئ التي تستطيع تجهيز السفن بهذه الأجهزة وتتراوح تكلفتها بين 3 إلى 5 مليون دولار لكل سفينة.

أما بالنسبة إلى الخيار الثالث المتاح فهو استخدام الغاز الطبيعي المسال (LNG) كبديل للوقود كونه خال من الكبريت وبالتالي لا يؤدي إلى انبعاث غاز الكبريت. لكن هذه العملية تزيد تكلفة بناء السفينة بنحو 5 ملايين دولار إلى تكلفة السفينة الجديدة مقارنةً بالسفينة التي تعمل على الوقود الشائع، علماً أنّ هذه التكاليف الرأسماليّة تعوّض عبر الوفورات التشغيليّة لاحقاً كون الغاز المسال أقل تكلفة من الوقود. وهنا من غير المحبّذ استبدال محرّك السفن التي تعمل على الوقود بمحرّك يعمل على الغاز لأنّ الأخير يتطلّب مساحة إضافيّة لخزانات الوقود الأكبر وإنّها أكثر تعقيداً من إضافة جهاز تنقية الغاز إلّا أنّها متاحة.

ويتوقّع الخبراء أن يكون الخيار الأول الأقرب إلى الاعتماد نظراً لأنّ الوقود المطابق LSFO أو زيت الغاز البحري MGO يمكن اللجوء إليه من دون إجراء تعديلات على هيكل السفينة، وذلك على الرغم من ارتفاع ثمنه مقارنة بالوقود عالي الكبريت HSFO.

وفي مقابل وجهة النظر هذه، ثمة من يرى أنّ الخيار الثاني هو الأفضل وذلك لاعتقادهم أنّ الوفورات التي يقدّمها استخدام HSFO أكثر من أن تعوّض بالنفقات التي  ستتكبّدها الشركات لتجهيز سفنها.

وبغض النظر عن الخيار الذي قد تلجأ إليه الشركات لتطبيق بنود القرار، فإنها ستكون مضطرة لبذل نفقات مالية إضافية، الأمر الذي سينعكس على تكلفة الشحن، وبالتالي تحمّل عملائها المزيد من الأعباء المالية التي قد تظهر نتائجها خلال العام الحلي.

..وقطاع الكيماويّات من أبرز المتأثرين

وفقاً لتقرير الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (GPCA) فإنّ قطاع الكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي سوف يتأثّر على صعيدين، الأول نتيجة ارتفاع تكلفة الشحن والثانية في تسعيرة المواد الخام. فقطاع الكيماويّات في المنطقة من أكثر القطاعات الموجّهة إلى التصدير (export-oriented) إذ يتم تصدير 83 في المئة من الإنتاج السنوي كما أن قطاع الكيماويّات الإقليمي يمتلك واحدة من أطول سلاسل التوريد وأكثرها كلفةً.

وقد توقّع التقرير أن تزداد تكلفة الشحن لشركات الكيماويّات في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 10 في المئة فتصل إلى نحو 1,688 دولار وذلك من خلال مقاربة أجراها الاتحاد في هذا التقرير. ونتيجة ذلك، تتوقّع GPCA أن ترتفع تكلفة شحن الكيماويات إلى نسبة 6 في المئة من المبيعات في حين تصل إجمالي تكلفة سلسلة التوريد إلى 11 في المئة.

ومن جهة أخرى، تستخدم الشركات النافثا (naphtha) كأبرز المواد الخام لإنتاج الكيماويات ونظراً للتقلب الذي سوف تشهده أسواق النفط نتيجة تغيّر الطلب (ارتفاع الطلب على LSFO وانخفاضه على HSFO)، فإنه من المرجّح وفقاً لتقرير GPCA أن يرتفع سعر النفط الخام والنافثا نظراً لارتفاع طلب المصافي على النفط الخام وذلك لتوفير الطلب الإضافي على الوقود المقطّر (distillate bunker fuel).

وقد بدأ ذلك بالظهور، عبر نموذج الشركة السعوديّة للصناعات الأساسيّة "سابك"، التي تكبّدت خسائر في الربع الرابع من العام 2019 لأسباب عدة كان أبرزها ارتفاع تكلفة المواد الخام والنافثا تحديداً، فقد ورد في إعلان النتائج أنّ ارتفاع أسعار خام برنت أدّى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام من بينها النافثا المستورد من اليابان وأوروبا بأكثر من 8 في المئة على أساس سنوي.

وفي المحصلة، فإن تداعيات تطبيق القرار قد لا تنحصر بقطاعي الشحن البحري والكيماويّات بل يمكن أن تطال قطاعات أخرى منها النفط والمصافي بشكل مباشر أو غير مباشر..