الصيرفة المفتوحة: الفوائد وهواجس المصارف والتحديات

  • 2021-01-31
  • 08:22

الصيرفة المفتوحة: الفوائد وهواجس المصارف والتحديات

اعتماد هذا المفهوم نقطة تحول لقطاع التقنيات المالية

  • رانيا غانم

سياسة المصرفية المفتوحة، ظاهرة تنمو بوتيرة متصاعدة في منطقة الشرق الأوسط لأهميتها في تطوير الابتكار وزيادة الشمول المالي. وقد استهل البنك المركزي السعودي "ساما" هذا العام بإطلاق هذه السياسة التي تعد ابتكاراً مالياً تقنياً يمكّن عملاء المصارف من إدارة حساباتهم المصرفية ومشاركة بياناتهم المالية إلكترونياً وبشكل آمن مع طرف ثالث، وتتيح لمزودي الخدمات المالية تطوير تطبيقات وخدمات ومنتجات مالية مبتكرة تناسب احتياجات العميل.

وكانت البحرين قد سبقت "ساما" في نهاية العام الماضي بإصدار إطار العمل الخاص والإرشادات التشغيلية ومواصفات الواجهة التقنية المفتوحة لبرمجة التطبيقات لتطبيق الخدمات المصرفية المفتوحة وتسهيل تنفيذها من قبل المصارف والمؤسسات المالية.

وتبدو المصرفية المفتوحة تحت دائرة الضوء في باقي بلدان المنطقة أيضاً، إذ إن المصارف الإماراتية تخطط لاعتماد هذا المفهوم، علماً أن بعض الشركات تقدم تلك الخدمات في غياب التشريعات المطلوبة كما هي الحال في الولايات المتحدة.

 

انطلاقة أوروبية

يوضح مدير العمليات في دابي، الشركة العالمية التي تقدم البنية التحتية المالية والواجهة البرمجية اللازمتين لتمكين شركات التكنولوجيا المالية والمصارف الإلكترونية من تقديم خدماتها، أحمد محمد في حديث إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال"، أن الأطر التنظيمية والتشريعات موجودة حتى الآن في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وأخيراً في البحرين، لكن خدمات المصرفية المفتوحة موجودة أحياناً في غياب التشريعات، كما هي الحال في أسواق مثل الإمارات والأردن ومصر. لكن محمد يؤكد أن وجود التشريعات مهم جداً لأنه يشجّع المصارف على إنشاء شراكة مع شركات الفنتك لتقديم خدمات الصيرفة المفتوحة، وكذلك يجبرها على مشاركة بيانات العملاء مع طرف ثالث، مضيفاً أن غيابها يعيق عمل شركات الفنتك ويحدّ من قدرتها على ابتكار وخلق منتجات مالية جديدة.

بدوره، يشير المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "بوابة ترابط"، التي حصلت على ترخيص للخدمات المصرفية المفتوحة في البحرين، عبد الله المؤيد في حديث إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" إلى أن التشريعات التي وضعها مصرف البحرين المركزي عبر تحديد المعايير والمبادئ التوجيهية التنظيمية التي يجب الالتزام بها من قبل المصارف وشركات الفنتك، وكذلك مبادرة البنك المركزي السعودي ستلعب دوراً أساسياً في دعم وتطوير الأفكار والشراكات الجديدة، فضلاً عن أنها ستمنح العملاء تجربة مصرفية ممتعة، وتؤمن مصادر دخل جديدة للمؤسسات المالية، ويؤكد أن حكومة الإمارات أظهرت دعمها للصيرفة المفتوحة وأنها تملك جميع المقومات لتصبح عاصمة عالمية لتطوير البرامج والتطبيقات القائمة على هذا المفهوم. وقد توسعت بوابة ترابط أخيراً إلى الإمارات وأنشأت مكتبين في سوق أبوظبي العالمي ومركز دبي المالي العالمي، علماً أنها لم تقم أي شراكة مع أي مصرف في الإمارات.

 المؤيد: الصيرفة المفتوحة ستؤمن مصادر دخل جديدة للمؤسسات المالية

مقدمو خدمات الصيرفة المفتوحة

تنشط شركات عدة في المنطقة في تقديم الحلول الشاملة التي تمكن المؤسسات المالية من تقديم خدمات المصرفية المفتوحة، مثل دابي و"بوابة ترابط" وغيرها. وتقدم دابي خدماتها لشركات تقنية مالية وتطبيقات مثل Ziina وديناري كاش، وهي تطبيقات لمدفوعات الند للند، وتسمح بإجراء تحويلات نيابة عن المستخدم، وذلك عبر استعمال اسم المستخدم فقط بدلاً من إجراء التحويل عبر أحد المصارف ما قد يتطلب إدخال بيانات مثل رقم الحساب أو رمز السويفت أو رقم الحساب المصرفي الدولي (الإيبان)، وتقدم "بوابة ترابط" خدمات عدة مثل تجميع حسابات العملاء بما يساعدهم الوصول إلى خدماتهم المالية في مكان واحد، وإجراء المدفوعات بشكل فوري ومرن وسلس، وتوفر كذلك البنية التحتية وواجهة برمجة التطبيقات لشركات الفنتك للوصول إلى شبكة عالمية من البنوك ومقدمي الخدمات المالية.

 

فوائد الصيرفة المفتوحة للعملاء...

لمفهوم المصرفية المفتوحة مميزات عدة تصبّ في خدمة شركات التقنية المالية ومزودي خدمات التجارة الإلكترونية وكذلك المصارف. وفي هذا الإطار، يقول المدير العام في Beehive، شركة الفنتك التي تمنح قروض النظير للنظير، نزار آل مرعي: "خدمات المصرفية المفتوحة تخدم صيرفة الأفراد بالدرجة الأولى، وتساهم في تحسين جودة حياة المستهلك وتسمح بالوصول إلى المنتجات المالية بطريقة أسرع وأسهل"، موضحاً أنها تسمح لأي عميل بنقل حسابه ومعلومات المالية من مصرف معين إلى آخر بنقرة زر وبشكل سهل وسريع، من دون الحاجة إلى الحصول على الأوراق والمستندات لنقلها إلى مصرف آخر". إلى جانب ذلك، تساعد خدمات المصرفية المفتوحة العملاء بحد ذاتهم إذ إنها تخولهم مراقبة حساباتهم ومصاريفهم وبالتالي ترشيد نفقاتهم بطريقة فعالة، إذ أن البنوك وشركات الفنتك قد تطور لإفادة العملاء بعاداتهم المالية، ويمكن أن تساهم في تحسين الوضع المالي ونشر الوعي المالي، ومساعدة العملاء ذوي الدخل المنخفض على تقليل النفقات غير الضرورية وتحسين سلوكيات الادخار وتشجيع العملاء على إدارة أموالهم بصورة أفضل. 

 آل مرعي: الصيرفة المفتوحة تمنع عمليات الاحتيال والتزوير وتخول أصحاب المؤسسات المالية اتخاذ قرارات أكثر صوابية

ولشركات الفنتك

ويضيف آل مرعي أن شركات الفنتك تفيد كثيراً من تطبيق هذه السياسة، إذ إن توافر البيانات لأي عميل يخولها الحصول على كشف بحساباته المصرفية وملاءته وقدرته على السداد، بما يضمن توقف عمليات التزوير والاحتيال في الحسابات ويخولها تقييم وضع العميل الائتماني بطريقة مؤتمتة وبصورة أسرع وبالتالي اتخاذ قرارات أكثر صوابية، ويسهل كذلك عملية إصدار البطاقات الائتمانية، إذ مع توافر بيانات العميل كاملة تنتفي الحاجة إلى طلب هوية العميل وإفادة براتبه وملفاته، ويتابع آل مرعي أن مشاركة البيانات تسمح أيضاً لشركات الفنتك بتحليل سلوكيات وتصرفات العميل، بما يشمل مداخيله ومصاريفه ونفقاته، وبالتالي ابتكار منتجات مالية تواكب متطلبات العملاء.

لا تقتصر فوائد تلك الخدمات على الشركات المالية، إنما قد يستفيد مزودو خدمات التجزئة الإلكترونية من تطبيقات مبتكرة تحلل بيانات المعاملات المالية وتقدم منتجات مخصصة تتعلق بأنماط وسلوك الاستهلاك بما يعطيهم رؤية واضحة عن كيفية ضخ استثماراتهم بطريقة مجدية وفي أي قطاعات، ويشير آل مرعي إلى أن المصرفية المفتوحة تسمح بتطوير منتجات وخدمات مالية جديدة مع طرف ثالث لزيادة القيمة المقدمة من الجهات المالية وخلق مصادر إيرادات إضافية.

 إقرأ: 

المركزي السعودي" يصدر "سياسة المصرفية المفتوحة"

هواجس المصارف وتحديات الصيرفة المفتوحة

لا تزال خدمات المصرفية المفتوحة تلقى مقاومة كبيرة من قبل المصارف خصوصاً تلك التي تملك حصة سوقية كبيرة، ويشير آل مرعي إلى أنهم لا يرون فيها جدوى إنما تهديداً بخسارة بعض العملاء وهروبهم إلى مصارف رقمية أكثر جذباً، مضيفاً: "لقد كان هذا التحدي الأساسي في الدول التي اعتمدت المصرفية المفتوحة". 

بدوره، يشير محمد إلى أن إحدى العوائق هي الكلفة المرتفعة على البنوك لتطبيق المصرفية المفتوحة، قائلاً: "وقد يتضرر منها أكثر مما يستفيد".

بدوره يشير المؤيد، إلى أن مفهوم الصيرفة المفتوحة جديد للغاية بالنسبة الى الكثيرين، وغالباً ما يكون محاطاً بمفاهيم خاطئة حول أمن البيانات، ويضيف أن تجزئة القوانين التنظيمية في المنطقة وتفاوت السياسات والممارسات بين دولة وأخرى يبطئ الابتكار.

 إقرأ أيضاً: 

مصرف البحرين المركزي يصدر إطار العمل الخاص بالخدمات المصرفية المفتوحة

التطبيق رهن التصميم في السعودية

كيفية تطبيق المصرفية المفتوحة ستختلف بين بلد وآخر. وقد قام البنك المركزي السعودي بدراسة التجارب الدولية في تطبيق المصرفية المفتوحة ويخطط لإطلاق الخدمة خلال النصف الأول من العام 2022، على أن تتألف الرحلة من ثلاث مراحل هي التصميم والتنفيذ والإطلاق. وفي المرحلة الأولى ستتركز جهود البنك المركزي السعودي في تصميم منظومة المصرفية المفتوحة أي التقنيات والعمليات ووضع أطر الحكومة التي تنظم عمل المشاركين في السوق. وستشمل المرحة الثانية وضع أطر العمل المحددة والبنى التحتية للتقنية وأنشطة الإطلاق ومنها اختبار المنتجات والخدمات مع المشاركين في القطاع المالي. وفي المرحلة الثالثة سيتم إطلاق منظومة المصرفية المفتوحة باعتماد نهج تدريجي لدعم وتعزيز العملاء وضمان التحسين المستمر في تطوير البنى التحتية. وفي هذا السياق، يشير آل مرعي إلى أن الهيئات التنظيمية في السعودية ستتمكن من تطبيق هذه المنظومة خلال الفترة المحددة لأن البنى التحتية موجودة ويمكن الوصول إلى جميع المصارف.

وعما إذا كان سيسمح المشرع لجميع المؤسسات المالية بمنح تلك الخدمات، فيقول آل مرعي : "قد لا تكون جميع المؤسسات مهتمة بتطبيق المصرفية المفتوحة، إلا إذا كان ثمة منفعة تجارية منها"، وبرأيه المشرع لن يسمح للمؤسسات بالاستفادة من البيانات وتحليلاتها في المرحلة الأولى، على حساب مؤسسات أو أشخاص آخرين، ومن يريد المساهمة سيكون مرحب به بناء على القيمة المضافة التي سيمنحها، مؤكداً أن التطور سيحصل بعد انطلاق المصرفية المفتوحة. 

 إقرأ أيضاً: 

الجائحة أثبتت دور الشركات الناشئة بتنويع الاقتصاد في البحرين

العائد على الاستثمار من المصرفية المفتوحة

يحتاج اعتماد المصرفية المفتوحة وتجهيز البنى التحتية المطلوبة إلى استثمارات ضخمة. وبرأي محمد الكلفة مرتفعة لأنه ثمة اعتبارات أمنية للسماح بمشاركة البيانات مع أطراف خارجية، لافتاً النظر إلى أنه لا يزال ثمة مصارف قديمة ليست لديها القابلية على تطبيق هذا المبدأ. ويضيف محمد أن الكلفة تختلف بين مصرف وآخر وما إذا كانت لديه البرامج التي تساعده على مشاركة بيانات العملاء مع طرف ثالث، لكن العائد على الاستثمار منها بحسب محمد غير مباشر، إذ يستفيد عندما يطلب الزبون من الطرف الثالث أن يفتح له حساب عبر البنك، أو عندما يطلب الحصول على قرض أو بطاقات ائتمانية.

بدوره، يشير آل مرعي إلى أن المصرفية المفتوحة تساهم في خفض الأكلاف التشغيلية للمصارف سواء من ناحية الموارد البشرية نظراً إلى أن العمليات المصرفية سواء نقل الحسابات، أو منح البطاقات تصبح بمعظمها مؤتمتة، مضيفاً أن الصيرفة المفتوحة تخفض عمليات الاحتيال والتزوير وتقلل من خطر الخطأ.

 إقرأ أيضاً: 

الرئيس التنفيذي لبنك "إلى" يكشف عن خطة ثلاثية المحاور للتوسع

درجة حماية مرتفعة

وبالنسبة إلى درجة الحماية والأمن في توافر خدمات المصرفية المفتوحة، فيؤكد محمد أن دابي، وهي الشركة التي تقدم البنى التحتية لمزودي الخدمات، لا تسجل أي بيانات للمستخدم، شارحاً: "نحن عبارة عن ماسورة أو أنبوب تمر فيها البيانات من دون أن تُسجل لتصل إلى الجهة التي يريد العميل أن يوصل بياناته إليها"، ويلفت النظر إلى دابي تشفر البيانات عند نقلها، والعميل وحده يملك مفاتيح فك التشفير على جهازه الذكي، وهذا كله يصب في خدمة العميل وفي حال ضاع الجهاز لا يمكن استعادة المعلومات.  

 

العام 2021 نقطة تحول

يجمع الخبراء على أن العام 2021 سيكون عاماً محورياً ونقطة تحول في قطاع الخدمات المالية، ويعد بفرص واعدة للمصارف والعملاء في المنطقة، ويؤكد المؤيد أن إطلاق ضوابط للصيرفة المفتوحة والتكنولوجيا المالية ينبغي أن يكون أولوية على جدول أعمال جميع الهيئات التنظيمية والمصارف المركزية وذلك لخلق المزيد من الوظائف، لافتاً النظر إلى أن تطوير هذه الضوابط سيجذب عدداً كبيراً من شركات رأس المال المغامر لدعم تلك الشركات. 

ويخلص محمد إلى القول بأن لبلدان المنطقة التي بادرت إلى تشريع السياسات المطلوبة هي على الطريق الصحيح، لافتاً النظر إلى أنه في غياب المصرفية المفتوحة لن يكون لشركات الفنتك مستقبل ومن الصعب أن تصل إلى مراحل متقدمة من التطور والنجاح المالي، ويختم: "الكثافة السكانية مرتفعة في البلدان العربية، لذا ثمة فرص مرتفعة لنجاح الصيرفة المفتوحة والفنتك".