العرب عام 2021: ما أضيق العيش لولا فسحة نمو مرتقب

  • 2021-03-10
  • 10:56

العرب عام 2021: ما أضيق العيش لولا فسحة نمو مرتقب

  • أحمد عياش

 

يلجأ البشر عادة في حالات الازمات المستعصية الى سبل غير تقليدية لمعرفة المستقبل، وهنا تزدهر اعمال الذين يقرأون الطالع. فهل هناك من حاجة ملحة والعالم يمضي بخطواته الاولى الى العام الجديد، الى قراءة الطالع على المستوى الاقتصادي العالمي عموماً والعربي خصوصاً؟ أم اننا بحاجة الى قراءة الخبراء إذا ما وضعنا جانباً فكرة الازمة المستعصية تتحكم بمنطقتنا العربية؟

لا بدّ اولاً من الانطلاق من جائحة كورونا التي استحوذت على معظم العام 2020 فوضعت العالم بأسره تحت رحمتها، وحددت مسارات الاقتصادات في ارجاء المعمورة، واعادت الى الواجهة التقسيم التقليدي بين الفقر والغنى لتميّز بين دول تعاني فقراً في مواجهة تبعات هذه الجائحة، وبين تلك التي تملك موارد كافية كي تتحمل هذه التبعات. وأوضح مثال في منطقتنا، هو الفارق بين دول الخليح العربي التي نهضت الى مواجهة الجائحة بما لزم من اجراءات طبية ومعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الشلل الطويل في مرافق الانتاج كافة، وبين معظم البلدان العربية الاخرى التي تعاني اصلاً من شح الموارد قبل الجائحة وهو شح تفاقم بشكل مروّع خلالها على مدى أكثر من عشرة أشهر خلت.

النبأ السار في العالم الآن، هو الذهاب الى مرحلة تلقي اللقاحات التي يفترض ان تضع حداً لانتشار الوباء تمهيداً للسيطرة عليه نهائياً. وفي موازاة ذلك، عاد العالم الى دفاتره التي أغلقها في عام الجائحة المنصرم واهمها في منطقتنا، دفتر الموارد النفطية التي تمثل الشريان الاهم في تغطية حاجاتها من دون اهمال أهمية سياسة تنويع الموارد التي لجأ اليها عدد من الدول وفي مقدمها المملكة العربية السعودية التي باشرت تنفيذ خطة طموحة هي "رؤية السعودية 2030 " لما بعد النفط والتي انطلقت في 2016.

ما بعد كورونا ليس ما قبلها، وهذا ما ركزت عليه التقارير والتعليقات التي رافقت نهاية العام 2020 واستقبلت العام 2021، وقد وصف د. جهاد أزعور مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى العام 2020، في حديثه للـ "بي بي سي "عن سياسات الصندوق للتعامل مع جائحة كورونا وأثرها الاقتصادي على البلاد في العام المنتهي، بأنه عام "الصدمة الأولى"، وقد تفاوتت طرق تعامل الصندوق الدولي مع حكومات المنطقة في الفترة الأخيرة في مواجهة تبعات الازمة العام الماضي، والتي  بدأت صحية ثم تطورت الى مالية، وهي ازمة وصفها ازعور بأنها "ازمة لم يسبق لها مثيل من مئة عام"، وتوقع "مضي 10 سنوات للخروج من تبعات ازمة كوفيد"، وامتدح في الوقت نفسه تعامل دول المنطقة مع الجائحة العام الماضي  ولو بصعوبة والتي  قامت بأداء افضل من دول متطورة كأوروبا.

في قراءة صندوق النقد الدولي أيضاً، ان المنطقة العربية تواجه ضعفاً بنيوياً في اقتصاداتها، وهي امام تحدي إطلاق حركة اقتصادية بدءاً من العام الحالي ما يستدعي من صنّاع القرار فيها الالتفات الى القدرات الكامنة والواعدة في قطاع التكنولوجيا. وميّز في مجال معدلات الفقر بين دول المنطقة التي يجب عدم النظر اليها كمجموعة واحدة، لأن قدرة الدول النفطية كانت أفضل في مضمار الانفاق الاجتماعي. وسجّل الصندوق للمغرب توزيع مساعدات لأكثر من 5 ملايين عائلة، ولفت الى تراجع مداخيل السياحة في دول مثل  لبنان والاردن ومصر ما يتطلب الذهاب الى خطط لتعويض هذا التراجع. ومن ابرز الخطط التي يصفها الصندوق بأنها "واعدة"، تلك التي تتعلق بالمرأة  والتي سيتيح منحها فرص الدخول الى سوق العمل في السنوات العشر المقبلة إضافة الى موارد تقدر بثلاثة تريليونات دولار.

وأشار الصندوق الى الصعوبات الحالية التي تواجهها الآن اقتصادات سورية والعراق وليبيا واليمن وهي دول تعاني من النزاعات أكثر ما عانته من جائحة كورونا، منبهاً الى خطر التفاوت الناجم عن التعليم عن بعد بين من يملك التكنولوجيا اللازمة وبين من لا يمتلكها، ما يهدّد المحرومين منها بخطر التهميش. وخصّ الصندوق مصر بتنويه في تعاملها مع الصندوق منذ بدء اعتمادها برنامج 2016 والذي تضمّن مجموعة من الاصلاحات ما سمح بإعادة الثقة، ما اوقف نزيف النقد الاجنبي وتنشيط القطاع الخاص لتوفير فرص العمل. في المقابل، ابدى الصندوق التعاون مع لبنان حيث تحولت الازمة التي يواجهها منذ أكثر من سنة من أزمة مالية الى ازمة انسانية وسط انكماش حاد وغير مسبوق في الاقتصاد وتفلت التضخم. وفي تقييم الصندوق ان لبنان تراجع الى الوراء خلف الصومال الذي انطلق الى تنفيذ برنامج للاصلاحات، كما إن السودان بدأ يتلقى دعم الصندوق وهو يعدّ حالياً دراسة لاعفاء السودان من ديونه الخارجية على قاعدة إجراء تحول اقتصادي بعيد المدى يشمل دعم الفقراء وذوي الدخل المحدود، أما في لبنان فالوضع يختلف وهو ينتظر تشكيل حكومة لمواصلة الحوار مع الصندوق.

في رسالة وجهها ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي ورئيس مجلس المديرين التنفيذيين في البنك في ختام مرحلة الماضي جاء فيها :"وضعت جائحة كورونا (كوفيد-19) بلدان العالم أمام تحدٍ غير مسبوق هذا العام، مما حتَّم عليها سرعة الاستجابة لمواجهة الاختلالات الكبيرة التي تسببت فيها الجائحة في مجال الرعاية الصحية والنشاط الاقتصادي وسبل كسب العيش، وكانت مجموعة البنك الدولي في طليعة تلك الاستجابة، إذ تمكنت على وجه السرعة من تعبئة الجهود لتقديم المساندة التي تمس الحاجة إليها إلى البلدان لتوفير المستلزمات الحيوية، والحدّ من الخسائر البشرية والمصاعب الاقتصادية، وحماية المكاسب الإنمائية التي تحققت بشق الأنفس".

وتتوقع مجموعة البنك أن تقدم ما يصل إلى 160 مليار دولار في الخمسة عشر شهراً المنتهية في 30 يونيو/حزيران 2021 من خلال سلسلة من العمليات الجديدة، وإعادة هيكلة العمليات القائمة، وذلك لمساعدة البلدان على تلبية طائفة متنوعة وواسعة النطاق من الاحتياجات الناشئة عن تفشي الجائحة، وسيشمل ذلك تقديم أكثر من 50 مليار دولار من موارد المؤسسة الدولية للتنمية في شكل منح وبشروط ميسَّرة للغاية. 

في مقال لـ عـبد الرحمن الراشد في "الشرق الاوسط" ان النفط "أمام وضع مجهول، وتدهوره، سعراً وإنتاجاً، أخطر على المنطقة من الإرهاب والوباء مجتمعين، فمصائر دول المنطقة مرتبطة به. بعد الأتراك والإيرانيين، جاء دور الصينيين في منطقتنا، تقنية وأسلحة ومواقف غامضة، وواشنطن الجديدة لا تقل غموضاً بسبب خروج دونالد ترامب من الرئاسة".

في المقابل، بدا ليام داننيغ في بلومبيرغ أقل تشاؤماً من الراشد، فكتب يقول: "لو أن هناك عاماً بحاجة إلى أن يتبع المرء إزاءه توجه "نصف الكوب المليء"، فإنه بالتأكيد 2020، هكذا أخبرني مسؤول تنفيذي في مجال النفط خلال محادثة دارت بيننا في وقت قريب. وبطبيعة الحال، تطرّق الحديث إلى الوباء وصناعة النفط، وأعرب المسؤول عن اعتقاده بأنه رغم الارتباك الذي أحدثه الوباء، فإننا مع ذلك استهلكنا 90 مليون برميل يومياً - فكيف إذن نعت ذلك بأسوأ تراجع في الطلب على النفط على الإطلاق"؟.

هل من جدال بعد كل الذي سبق في العودة الى القول المأثور "ما أضيق العيش"  وبخاصة في منطقة كعالمنا العربي؟