السندات الدولية: لبنان يتذوق مرارة "التعثر"

  • 2020-01-21
  • 13:50

السندات الدولية: لبنان يتذوق مرارة "التعثر"

  • علي زين الدين

لا يوجد تصور نهائي لدى المصرفيين حول الخيار الذي سيتم اعتماده في شأن مستحقات سندات الدين الدولية (يوروبوندز)، بإجمالي 2.5 مليار دولار موزعة على ثلاث دفعات، في موازاة استحقاق فوائد على كامل شرائح المحفظة بما يناهز 2100 مليون دولار للعام الحالي. إنما تتبلور قناعة جامعة بصعوبة اعتماد أي خيار خارج مرجعية القرار الحكومي، وجلاء الالتباس بين حكومة "لا" تصريف الأعمال، وحكومة معلقة على التأليف من رحم استعادة الانقسام.

الموضوع عالق حاليا بين وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان. وكلاهما فضلا التريث قليلا بعدما بدا أن الحكومة الجديدة أوشكت على الولادة، ولها أن تقرر الأنسب ضمن واقع الخيارات الضيقة: تسديد المستحقات كاملة لحاملي السندات على حساب احتياط البنك المركزي، تسديد الجزء (نحو ثلث القيمة الإجمالية) للمستثمرين الأجانب وإقناع المحليين بمقايضتها بسندات أطول  اجالاً من محفظة مصرف لبنان، واعادة النظر والجدولة لكامل المحفظة البالغة نحو 30 مليار دولار بدءاً من المستحقات الوشيكة .

بين المقايضة وإعادة الهيكلة

قد تبدو المقايضة أفضل المسارات الحبلى جميعها بارتفاع المخاطر إلى سقوف حرجة وتدنٍ إضافي في التصنيف السيادي شاملاً الجهاز المصرفي الى عتبات التعثر السابق مباشرة لإعلان الفشل المالي للدولة. فتعريض احتياط العملات الصعبة لنزف يناهز 4.7 مليار دولار، يضاف إلى نزف يقارب 6 مليارات دولار لتلبية الحاجات التمويلية للسلع الأساسية المتمثلة بالقمح والمحروقات والادوية والمستلزمات الطبية. فضلا عن أعباء عجز الموازنة والمستحقات الدورية لفوائد التوظيفات المصرفية لدى البنك المركزي. وسواء تمت هذه المقايضة جزئياً أو كليا، فإنها تدفع التصنيف السيادي نزولا إلى " التعثر " بحسب تحذيرات الوكالات الدولية.

اما خيار إعادة الهيكلة والجدولة، فهو يقود حكماً إلى " خروج " مؤلم من الأسواق الدولية وترقب تداعيات يصعب تقديرها مسبقاً على المعاملات المالية عبر الحدود وعلى شبكة الجهاز المصرفي مع البنوك المراسلة. ثمة اقتراحات تتسم بالجدية لإعادة هيكلة السندات لتصبح ذات آجالٍ بعيدة يمكن أن تصل إلى 20 أو 30 سنة، وبمردود يراوح بين 3 و 4 في المئة. والمتحمسون يعتبرون أن هكذا تدابير تتخذ صفة الإلزامية وتشكل بديلا لعمليات "قص" إلزامية أيضا لما يصل إلى 50 في المئة من القيمة الإسمية للسندات.

هل من يستوعب حدود القعر الذي بلغناه؟

يؤثر المصرفيون أن لا يتم اتخاذ أي قرارات متسرعة، فالوقت يمنح مهلة ولو قصيرة لتبيان "أبيض" الحكومة العتيدة من "أسود" مطابخ المحاصصة. المصارف استجابت، ولو على مضض، لاقتراح الحاكم بإمكانية إجراء عمليات مبادلة تحفظ القيمة الأصلية للسندات المستحقة "حتى اشعار آخر". لكن الأسواق أظهرت ردود فعل معاكسة. فالحاجة إلى السيولة الفورية دفعت الرافضين للمقايضة إلى التخلي عنها، مع التضحية بجزء إضافي من الأسعار التي كانت سائدة قبل أيام. وبسرعة انحدرت الأسعار المتداولة من قرب 90 إلى أقل من 80 سنتا، ووصل المردود الى 210 في المئة للشريحة التي تستحق في النصف الأول من آذار/مارس المقبل وقيمتها 1200 مليون دولار. ويسأل مصرفي معني: "هل من يستوعب حدود القعر الذي بلغناه؟ وهل من دلالة أوضح لثمن تضييع الوقت في مماحكات لن تبق ولن تذر، فيما تتفاقم الهواجس لدى المودعين الذين يواظبون الضغوط في ردهات المصارف على شكل سحوبات، ثم تتحرك مجموعات للاقتصاص من الفروع عينها؟

الحاجة إلى السيولة الفورية دفعت
الرافضين للمقايضة إلى التخلي عنها

يعتقد المصرفي نفسه "أن تسريع الملف الحكومي وإقرار مشروع قانون موازنة 2020 يشكلان الخطوة الأولى لاستعادة العقلانية والشروع في الإدارة الواقعية مع وقائع الانهيار الكبير ونتائجه    بعدما أغفل أولي ألأمر جدية الضوء الأحمر الذي أضاء البلاد يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما زالوا يتعاملون بشيء من الخفة مع آلام العباد، بل ينذرونهم بالأعظم الآتي ضياعاً للمداخيل والمدخرات وفقرا مدقعا ومجاعة غير مسبوقة. وكأن الترويع يعفيهم من المسؤولية ويجدد لهم صلاحيات الحكم والتحكم."

ويلفت المصرفي الانتباه إلى أنه "لا ينبغي أن تولد القلة نقارا مركزاً على البنك المركزي وحاكمه، بما يصرف الاهتمام عن الاستعصاء المالي الذي لا يقتصر خطره على مستحقات السندات، إنما يتمدد إلى كل مجالات الإنفاق العام بما يشمل الرواتب والمصاريف الضرورية للقطاع العام. فأي عقلية تقلب الأولويات في عز المحنة، ومن لديه مآخذ على السياسات النقدية أولى بالمساهمة في اقتراح المعالجات البديلة بدلا من رش الملح على جراح الناس والمؤسسات."

 طرح رياض سلامة

وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طرح على المصارف خلال الاجتماع الدوري مع الجمعية في نهاية الشهر الماضي "أن يجري سواب Swap على سندات (اليوروبوندز) بحيث يعطيها مصرف لبنان سندات طويلة الأجل من محفظته بدل السندات القصيرة الأجل التي تحملها وتستحق في الاشهر المقبلة (آذار/مارس، نيسان/أبريل وحزيران/يونيو). ما يفتح الباب لعمليات سواب مع الخارج. علماً أن أحد أهم الصناديق بالنسبة لدين لبنان الخارجي أبدى انفتاحاً في هذا المجال. وتمنى أن تجيبه المصارف في مطلع العام 2020. وبرأي الحاكم فإن مثل هكذا عملية تحول دون إعادة جدولة ممكنة الحدوث، وقد يترتب عليها خسائر للمصارف ".

وتمثل هذه السندات كامل استحقاقات الدين بالعملات الاجنبية ( يوروبوندز ) للعام الحالي. ويحمل البنك المركزي في محفظته نحو 5.7 مليار دولار من السندات ذات الآجال الاطول التي تراوح تواريخ استحقاقاتها بين 2029 و 2037 ، ويصل مردود البعض منها إلى 11 و 12 في المئة سنويا، أي ما يماثل ضعفي المردود على السندات المستحقة والبالغ 6.3 في المئة و 5.8 في المئة و 6.1 في المئة على التوالي . كما ترددت معلومات عن إمكانية تقديم حوافز إضافية بالليرة اللبنانية لتشجيع البنوك على الانخراط في عملية المبادلة.

وإلى جانب عملية المقايضة، سيتعين على البنك المركزي تسديد نحو 2.2 مليار دولار العام الحالي من الفوائد التي تستحق تباعاً على كامل محفظة سندات الدين الدولية التي تصل قيمتها الإجمالية حاليا إلى نحو 31 مليار دولار، تحمل البنوك المحلية منها نحو 15 مليار دولار والبنك المركزي نحو 5.7 مليار دولار، فيما يحمل مستثمرون وصناديق استثمارية وبنوك خارجية نحو 10 مليارات دولار.

وذكرت وكالة "بلومبرغ "أن البنك​ المركزي يريد من المستثمرين المحليين في سندات بالعملة الأجنبية قيمتها 1.2 مليار دولار يستحق أجلها في آذار/مارس، مبادلتها بسندات أطول أمداً. ونقلت عن سلامة، قوله: "نعرض اقتراحات استباقية طوعية"، في ما يتعلق بمبادلة الدين بالسندات الأجنبية.

وأضاف الحاكم "لم نتخذ قراراً بعد لأنه ليس هناك حكومة"، مشيراً إلى "أن المصرف المركزي يريد أن تعتمد هذه المقترحات على موافقة ​البنوك اللبنانية، وأنه يجب على وزارة المالية اللبنانية أن تحول حملة السندات بالعملة الأجنبية التي تستحق في آذار/مارس، إلى سندات أطول أمداً بعائد أعلى". كذلك "إن المصرف (المركزي) لم يقرر بعد تقديم قرض مرحلي للحكومة اللبنانية لتتمكن من سداد كل السندات بالعملة الأجنبية، المستحقة هذا العام ".