مشاريع الرياض الكبرى: لعاصمة عالمية مستدامة بحلول 2030

  • 2019-11-27
  • 10:57

مشاريع الرياض الكبرى: لعاصمة عالمية مستدامة بحلول 2030

 لا تقيس المملكة العربية السعودية تطورها بعدد السنين، فهي لا تسير على درب النمو بشكل عشوائي، بل بالاستناد إلى رؤى استراتيجية وخطط مدروسة، الهدف منها تحويل المملكة إلى منصة عالمية تجذب المستثمرين ورجال الأعمال والسياح أيضاً، وفي الوقت نفسه تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين والارتقاء بالخدمات المقدمة لهم إلى أعلى مستوياتها.

أعوام قليلة وتتحول العاصمة الرياض إلى قلب نابض بالخضرة ومفعم بالحياة لتدخل العالمية من الباب الواسع مع تنفيذ مجموعة من المشاريع أهمها، مشروع الرياض الخضراء، وحديقة الملك سلمان، والمسار الرياضي، والرياض آرت. وهذه المشاريع شاملة ومتكاملة تأخذ بالاعتبار البشر والحجر والشجر على حد سواء، ومن شأنها أن تغيّر صورة عاصمة المملكة لتصبح "مدينة عالمية مستدامة"، بما يتناسب مع دورها كمركز اقتصادي ومالي وسياحي وترفيهي على مستوى العالم.

ولا شكّ أن الهيئة الملكية لمدينة الرياض هي التي تحمل على أكتافها مسؤولية الإشراف على تطوير المدينة وتنفيذ المشاريع التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للارتقاء بالمدينة، من خلال المشاريع المشار إليها، والتي كانت مدار بحث ومحطّ أنظار ضيوف السعودية في الحشد الدولي الذي عقد تحت عنوان، ملتقى الرياض: المدينة المستدامة بين 12 و 13 تشرين الثاني/نوفمبر في قاعة مكتبة الملك فهد الوطنية. الملتقى جذب نحو 60 خبيراً دولياً من المؤسسات الأكاديمية والبحثية العالمية الكبرى، تبادلوا الرأي والخبرة والمشورة عن الأثر الذي ستحدثه هذه المشاريع النوعية العملاقة في قطاعات مدينة الرياض على تنوعها، بالإضافة إلى القضايا ذات الصلة بالتنمية الحضرية المستدامة في مدينة الرياض، كالتغير المناخي والحفاظ على البيئة الطبيعية وإدارة الموارد والمشاريع وسبل المحافظة على الطاقة وانتاجها والأطر والمبادرات القانونية لدعم التغيير الإيجابي وتعزيز الثقافة ونشر الفنون في المجتمع.

هكذا سلط الملتقى الضوء على مشاريع الرياض الأربعة الكبرى، وهي مشاريع طموحة، تندرج في إطار مشروع عام، ومن المتوقع أن تغير شكل المدينة العاصمة وإعطائها صورة عالمية فما هي هذه المشاريع وما الذي تتضمنه؟

 مشروع الرياض الخضراء

يهدف المشروع في شكله العام إلى زيادة نسبة المساحات الخضراء الرياض من 1.5 في المئة في الوقت الحالي، إلى 9 في المئة من إجمالي مساحة المدينة، أي بما يعادل 541 كلم مربع هي المساحة وقت انتهائه. وبالتقدير فإن هذا يعني رفع نصيب الفرد من المساحات الخضراء من 1.7 متر مربع إلى 28 متراً مربعاً بنسبة تعادل 16 ضعفاً عمّا هي عليه اليوم.

وسيتم العمل على هذا المشروع من خلال التركيز على المشاريع الأربعة الأساسية بالإضافة إلى خطوات أخرى عدة. وفي المحصلة فإن الهدف هو تشجير مساحات شاسعة من الأراضي الجرداء بمعدل 7.5 مليون شجرة في كافة أنحاء مدينة الرياض، على أن تتركز عملية التشجير في 3330 حديقة في الاحياء و43 منتزه عام  و 9000 مسجد و 6 آلاف مدرسة و2000 موقع لمواقف السيارات و 1670 منطقة ومنشأة حكومية و 390 منشأة صحية و 64 جامعة وكلية ونحو 16400 كلم طولي من الطرق والشوارع، و 1100 كلم طولي من الأودية وروافدها و 175 ألف قطعة أرض فضاء ضمن المنطقة المطورة. وستتم العملية باستخدام أنواع مختارة من الأشجار المحلية التي تلائم مدينة الرياض. غير أن عملية التشجير هذه لن تمنح المدينة شكلاً أخضر فحسب، بل ستساهم في التخلص من المياه الآسنة وذلك عبر معالجتها واستخدامها في ري المساحات المشجرة، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى رفع معدل استهلاك هذا النوع من المياه من 90 ألف متر مكعب حالياً إلى أكثر من مليون متر مكعب يومياً وذلك بعد إنشاء شبكة جديدة للمياه المعالجة.

ولعلّ أهم نتائج هذا المشروع هو تنشيط الدورة الاقتصادية كما أنه سيؤدي إلى تطوير التشريعات المتعلقة بالضوابط العمرانية وذلك لتعزيز التشجير في المشاريع العامة والخاصة، وفي النتيجة فإن المملكة ستحصد مجموعة من النتائج المهمة على صعيد البيئة والاقتصاد والمواطن السعودي إذ سيؤدي المشروع إلى خفض درجات الحرارة بمقدار 1.5 إلى درجتين مئويتين في مناطق التشجير وخفض معدلات الحرارة في مناطق التشجير المكثف بين 8 إلى 15 درجة مئوية، وعليه تحسين جودة الهواء عبر تخفيض معدلات ثاني أوكسيد الكربون بنسب تتراوح بين 3 إلى 6 في المئة وزيادة معدل الأوكسجين والرطوبة في الهواء وتقليص نسبة الغبار فيه.
وسيترافق المشروع مع حملات توعية تدعو للتخفيف من استهلاك الطاقة وصولاً إلى معدل 650 جيغا واط/ساعة، وذلك من خلال تشجيع مبادئ المباني الخضراء في استخدام الأسقف والجدران الخضراء.

وغير القيمة الجمالية لهذا المشروع سيكون له قيمة اقتصادية إذ تهدف المملكة من خلاله إلى تحقيق نحو 71 مليار ريال في العام 2030 وذلك بالاعتماد على دوره في تقليص تكلفة الرعاية الصحية بالإضافة إلى التخفيف من استهلاك الكهرباء وترشيد استخدام المياه الصالحة للشرب والحد من الهدر الحاصل على هذا الصعيد، واستبدال هذه المياه التي تستخدم للري بالمياه المعالجة ورفع قيمة العقارات. كذلك فإن المشروع يطلق فرصاً استثمارية جديدة أمام القطاع الخاص في اعمال، المشاتل والبستنة والتشجير والتصميم وتنسيق الحدائق وأعمال الري، وبالتالي فإن المشروع يحقق عدد من أهداف رؤية المملكة 2030 عبر تحقيق الاستدامة البيئية في المدينة وبناء مجتمع حيوي يتمتع بنمط معيشة صحي وتعزيز الكفاءة الاقتصادية للمدينة. كذلك يساهم في تحقيق عدد من أهداف برنامج التحول الوطني، ومنها زيادة نصيب الفرد من المساحات الخضراء والمتنزهات الوطنية، كما يساهم في تحقيق عدد من أهداف برنامج جودة الحياة من خلال إقامة مناطق مفتوحة للتواصل الاجتماعي وممارسة الرياضات المختلفة وزيادة معدلات المشي للأفراد.

وعلى صعيد التنفيذ فإن العمل جار حالياً على استكمال أعمال الدراسات والتصاميم وفي الوقت نفسه بدأت الخطوات الأولى فيه على أن تكتمل جميع مراحل تنفيذه بحلول العام 2030.

 حديقة الملك سلمان

تتميز حديقة الملك سلمان، بكونها أكبر حدائق المدن في العالم، بمساحة تبلغ 13.4 كيلومتر مربع، أي ما يقارب أربعة أضعاف حديقة سنترال بارك في نيويورك، كذلك فإن لها أهمية خاصة بسبب موقعها الجغرافي المحوري في قلب مدينة الرياض، وارتباطها بطرق المدينة الرئيسية ومشروع النقل العام، واحتوائها على مناطق خضراء وساحات مفتوحة، ومجموعة من المسارح ومجمعات للسينما، وأكاديميات للفنون وملاعب رياضية ومجمعات سكنية وفندقية ومكتبية وتجارية، ومدن ترفيهية.

وتتضمن الحديقة العناصر البيئية التالية: مناطق خضراء وساحات مفتوحة تزيد مساحتها عن 9.3 مليون مار مربع، وحدائق متنوعة تبلغ مساحتها 400 ألف متر مربع ومسار دائري للمشاة بطول 7.2 كيلومتر ومنطقة الوادي على مساحة 800 ألف متر مربع وعناصر مائية متنوعة على مساحة 300 ألف متر مربع.

وبالإضافة إلى العناصر البيئية، سيتم إنشاء المجمع الملكي للفنون على مساحة تزيد عن 400 ألف متر مربع على أن يضم، المسرح الوطني بسعة 2500 مقعد، و 5 مسارح مغلقة متنوعة الأحجام إلى جانب مسرح خارجي في الهواء الطلق يستوعب نحو 8 آلاف مشاهد، ومجمع سينما يضم 3 قاعات و 4 أكاديميات للفنون ومركز تعليمي يعنى بتنمية مواهب الأطفال.

وليست الحديقة مجرد مساحة خضراء، بل تضم مرافق ثقافية ورياضية، منها 7 متاحف متنوعة هي، متحف الطيران، متحف الفلك والفضاء، متحف النباتات، متحف العلوم، متحف العمارة، متحف الواقع الافتراضي، وساحات الاحتفالات موزعة على مساحة 40 ألف متر مربع ومعالم وأيقونات فنية. كذلك تحتوي الحديق على مرافق رياضي عدة منها، ملعب الرويال غولف على مساحة 850 ألف متر مربع ومجمع رياضي على مساحة 50 ألف متر مربع وملاعب الواقع الافتراضي ومركز القفز المظلي والمناطيد ومركز الفروسية ومسار الجري والدراجات الهوائية.

ولا تغيب المرافق الترفيهية عن الحديقة التي ستضم منطقة ألعاب خاصة على مساحة 100 ألف متر مربع ومساحة للألعاب المائية على مساحة 140 ألف متر مربع ومركز ترفيهي عائلي بالإضافة إلى جسر المشاهدة.

وإلى جانب ما سبق، سيتم إنشاء مركز للزوار وهو يعدّ بمثابة مركز تعريفي بيئي ثقافي سيمتد على مساحة 80 ألف متر مربع يضم معروضات تفاعلية عن الحديقة وصالات متعددة الأغراض وقاعة الاجتماعات ومنطقة مخصصة لمشاتل الأشجار والنباتات ومناطق وساحات مفتوحة ومنافذ لبيع الأطعمة والمشروبات.

ولتكتمل الصورة، سيتم إنشاء مرافق سكنية ومكتبية وتجارية وفندقية وتتمثل في مجمعات للمباني السكنية تبلغ مساحتها 1.6 مليون متر مربع توفّر 12 ألف وحدة سكنية متنوعة و 16 فندقاً تبلغ مساحتها الإجمالية 194 ألف متر مربع توفر 2300 وحدة فندقية ومساحات تجارية للمطاعم والمقاهي وقطاع البيع بالتجزئة تزيد عن 500 ألف متر مربع، بالإضافة إلى مجمعات للمباني المكتبية تبلغ مساحتها 600 ألف متر مربع.

إلى ذلك، تتضمن الحديقة مرافق للنقل العام إذ سيتم ربط الحديقة بـ 5 محطات على الخط الأخضر من قطار الرياض (محور طريق الملك عبد العزيز)، كذلك ستربط بـ 10 محطات على خط شبكة حافلات الرياض ذات المسار المخصص BRT، أما اللافت للنظر في عملية التنقل فسيكون باستخدام العربات الذكية والمركبات والدراجات الكهربائية. ومن المفترض أن تكتمل مراحل تنفيذ هذا المشروع بحلول 2024.

مشروع الرياض آرت

يعدّ مشروع "الرياض آرت" من أهم المشاريع التي تحمل في داخلها قيمة ثقافية وفنية لافتة، وهو يهدف إلى تحويل المدينة إلى معرض فني مفتوح يمزج بين الإرث الثقافي للملكة العربية السعودية والمعاصرة، وذلك من خلال مجموعة واسعة من الاعمال والمعالم الفنية في كافة أنحاء المدينة. ومن أهم تلك الأعمال حدائق المرح التي ستؤدي إلى مزج الفن بألعاب الحدائق، وساحات الفن التي ستشهد تفاعلاً بين الفنانين والزوّار، بالإضافة إلى لوحات فنية عالمية ومحلية ومجسمات في التقاطعات ستعطي للمدينة شكلاً فنياً يتفوق بقيمته على الكثير من المدن العالمية، وبوابات للمدينة سيتم تنفيذها بأشكال تحمل قيماً فنية خاصة.

ويمكن القول إن الفن سيمتد إلى كل مساحة في الرياض وحتى إلى الجسور والاودية ومحطات النقل العام، وكل ذلك في سبيل رسالة أساسية تتمثل بإطلاق آفاق جديدة للحركة الإبداعية في المجتمع، وتقديم فرصة نادرة أمام الفنانين لطرح إبداعاتهم أمام الجمهور، وتعزيز القيم المجتمعية والتفاعل الحضاري والتبادل المعرفي والتعاون الإبداعي في المدينة.

وبالإضافة إلى القيمة الفنية والثقافية لهذا المشروع فإنه من المفترض أن يساهم في جعل الرياض حاضنة للأعمال الفنية والإبداعية وملتقى للفنانين والمتخصصين والمهتمين من كل أرجاء العالم، كذلك سيساهم في إطلاق آفاق جديدة للحركة الإبداعية في المدينة وتقديم فرصة مميزة أمام الفنانين المحليين والعالميين لطرح إبداعاتهم أمام سكّان المدينة وزوارها. كما يعزز القيم المجتمعية والتفاعل الحضاري والتبادل المعرفي والتعاون الإبداعي في المجتمع ويحفّز الحركة السياحية والترفيهية في المدينة. ومن المخطط أن تكون أعمال التنفيذ قد انطلقت حالياً على أن تكتمل كل مراحله بحلول العام 2023.

 المسار الرياضي

يربط مشروع "المسار الرياضي" بين وادي حنيفة غرب المدينة بوادي السلي في شرقها، عبر طريق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، مع مناطق امتداد في كلا الواديين بطول إجمالي يبلغ 135 كم، ويضم مسارات للدراجات الهوائية موزعة بين 85 كلم للهواة، و 135 كلم للمحترفين، ومسار للخيول بطول 123 كلم وممرات آمنة مشجرة ومحطات واستراحات للدراجين في وادي حنيفة ووادي السلي تشمل على مراكز لصيانة الدراجات الهوائية، ومقاه متنوعة ومتاجر لخدمة المتنزهين والرياضين، ومسطحات خضراء ومناطق مفتوحة بمساحة 3.5 مليون متر مربع وغرس 120 ألف شجرة جديدة سيتم ريها بالمياه المعالجة بنسبة 100 في المئة ومجموعة من المعالم والأيقونات الفنية من بينها 10 معالم بارزة على امتداد المسار.

ويضم المسار 8 مكونات رئيسية تتوزع بين أجزائه المختلفة وتشمل، منطقة وادي حنيفة ومنطقة الفنون ومنطقة وادي اليسن والمنطقة الترفيهية بالإضافة إلى المنطقة الرياضية التي ستضم البرج الرياضي الذي سيقام إلى جانبه مضمار مغلق لسباق الدراجات الهوائية تحت منسوب الأرض. ومن مناطق المسار أيضاً المنطقة البيئية ومنطقة وادي السلي ومنطقة متنزه الكثبان الرملية. كذلك يحتوي المسار على مرافق وخدمات عامة بينها النقل.

ولعلّ أهم قيمة لهذا المشروع هو القيمة الاقتصادية إذ يشكّل فرصة كبيرة للمستثمرين لاحتوائه على مليون متر مربع من الأراضي المتاحة للتطوير. ومن المتوقع أن ينتهي العمل بهذا المشروع بحلول 2027.