ما هي أبعاد الرؤية السعودية الاستراتيجية لتطوير الموانئ؟

  • 2020-07-05
  • 11:36

ما هي أبعاد الرؤية السعودية الاستراتيجية لتطوير الموانئ؟

  • كريستي قهوجي

تستكمل المملكة العربية السعودية خططها الاستراتيجية الطموحة لتطوير موانئها البحرية، وذلك على الرغم من تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط. ويبدو واضحاً أن خطط تطوير الموانئ تعدّ عنصراً حيوياً في تحقيق التكامل مع الخطط الصناعية العملاقة، وكذلك المساهمة في توفير جاذبية للإستثمار تعزز موقع المملكة على خريطة المراكز اللوجيستية العالمية، فما هي أبرز معالم الرؤية السعودية لتطوير الموانئ وأهميتها الاستراتيجية في التكامل مع القطاعات الأخرى؟

 

3 مسارات لتحقيق التكامل القطاعي

 والتحول إلى مركز لوجيستي عالمي

 

3 مسارات استراتيجية

 

تسير خطط تطوير القطاع على 3 مسارات رئيسية: الأول: تطوير دور الموانئ تحت مظلة برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية (ندلب) لتنمية 4 قطاعات رئيسة هي الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجيستية، بحيث يكون هذا القطاع جزءاً من عملية الربط بين هذه القطاعات الأربعة، إلى جانب الربط الجغرافي بين الموانئ والمطارات.

الثاني، تعزيز التوجه الهادف إلى توسيع دور القطاع الخاص عبر زيادة عدد محطات الحاويات في بعض الموانئ الرئيسية بما يعزز طاقتها الاستيعابية، ويعدّ ميناء الملك عبد الله نموذجاً يحتذى في هذا المجال.

أما المسار الثالث، فيتمثل في تعزيز عدد خطوط الملاحة وافتتاح خطوط جديدة، مع ربطها بموانئ إقليمية ودولية، وهو ما تجلى أخيراً في الربط الثلاثي الذي حصل بين ميناء جدة الإسلامي وميناء جبل علي في الإمارات، وميناء العين السخنة المصري، وهو توجه من شأنه أن يعزز دور المملكة كنقطة ربط رئيسية بين الشرق والغرب، خصوصاً أن نحو 13 في المئة من التجارة العالمية تمرّ عبر موانئها.

 

تعويل على الموانئ في تعزيز الصادرات غير النفطية للمملكة 

 

 

الأهمية الحيوية للقطاع

 

وتلتقي رؤية المملكة لتطوير الموانئ مع أهداف استراتيجية عدة تسعى المملكة الى تحقيقها تحت مظلة رؤية 2030. فمن جهة، تلعب الموانئ السعودية دوراً حيوياً في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية لزيادة حصة الصادرات غير النفطية لإجمالي الناتج المحلي من 16 إلى 50 في المئة وذلك خلال الفترة المقبلة ضمن أهداف البرامج المنضوية تحت رؤية 2030، إذ تستحوذ الموانئ على نحو 70 في المئة من حجم التبادل التجاري السعودي غير النفطي، وهو محور مهم في المساهمة في تنويع الاقتصاد ومصادر الإيرادات، ولاسيما في حقبة تدهور أسعار النفط.

 

 

الموانئ عنصر حيوي تحت مظلة برنامج "ندلب"

لتحقيق التكامل مع 4 قطاعات رئيسية

 

 

 

 

ميناء جدة الإسلامي

نقطة ربط لوجيستية إقليمية

 

 

ربط داخلي وإقليمي

 

كذلك، فإن تطوير الموانئ يلتقي مع أهداف برنامج "ندلب" لتحقيق التكامل مع القطاعات الأخرى ضمن أهداف السعودية لتطوير قاعدة صناعية متكاملة يكون قطاع النقل بكافة مكوناته جزءاً ومحوراً رئيسياً فيه، وذلك بالتوازي مع ربط جغرافي داخلي مع المطارات والمناطق الاقتصادية الحيوية.

وفي السياق نفسه، تتكامل مبادرات الربط الداخلي مع أخرى على المستوى الإقليمي، إذ تسارعت وتيرة خطط الهيئة العامة للموانئ في إطلاق الخطوط الملاحية المباشرة، كان آخرها عبر خط رابع في خضم أزمة كورونا، في إشارة حملت في طياتها تأكيداً على ان خطط تطوير الموانئ لم تتأثر بتداعيات انتشار الفيروس، كما إن هذا الخط اكتسب أهمية خاصة كونه أسس لربط مباشر بين ميناء جدة الإسلامي وميناء جبل علي في الامارات، وميناء العين السُخنة في مصر، ليكون بذلك أول خط ملاحي مباشر يربط بين أهم الموانئ في قارتي آسيا وأفريقيا لخدمة نقل الحاويات على ساحل البحر الأحمر.

وتسعى الهيئة من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز دور ميناء جدة الإسلامي في الربط المباشر بين موانئ الشرق والغرب بحكم موقعه الاستراتيجي الذي يعدّ حلقة وصل بين قارات العالم الثلاث، وهو يعدّ ثمرة للتعاون بين الهيئة ومجموعة موانئ دبي العالمية لتطوير محطة الحاويات الجنوبية بميناء جدة الإسلامي، ما يجعل الميناء نقطة جذب لاستثمارات ضخمة إلى تلك المحطة، عبر تطوير البنية التحتية للميناء وتوفير فرص تجارية مع كبرى الخطوط الملاحية العالمية، مما يُساهم في رفع الطاقة الاستيعابية إلى 3 ملايين حاوية نمطية.

وفي هذا السياق، قال وزير النقل السعودي صالح الجاسر إن إطلاق 4 خطوط ملاحية جديدة عابرة للقارات خلال النصف الأول من العام الحالي يهدف الى زيادة ربط موانئ المملكة بموانئ الشرق والغرب، وتوظيف موقع المملكة الإستراتيجي كمحور ربط للقارات الثلاث، بالإضافة إلى توقيع عقد تخصيص لتطوير وتشغيل محطات الحاويات بميناء الملك عبدالعزيز بالدمام مع"الشركة السعودية العالمية للموانئ" (SGP) بقيمة استثمارات تتجاوز 7 مليارات ريال، وتشغيل عقود الإسناد لتطوير وتشغل محطات الحاويات في ميناء جدة الإسلامي بقيمة استثمارات تتجاوز 9 مليارات ريال مع كل من شركتي "موانئ دبي العالمية"، ومحطة بوابة البحر الأحمر التي تُعد إحدى الشركات الكبرى في تشغيل وتطوير الموانئ محلياً وإقليمياً.

 

 

سلطان بن سليّم:

دور محوري للموانئ السعودية في تعزيز الربط بين أوروبا وآسيا

 

 

موانئ دبي العالمية في المشهد 

 

إلى ذلك، يضفي دخول شراكة موانئ دبي العالمية على خط الشراكة والاستثمار في الموانئ السعودية بعداً استراتيجياً مهماً آخر، بالنظر إلى الدور العالمي الذي تلعبه الشركة في هذه الصناعة، إذ إن هذه الخطوة تعكس إيمان الشركة بحيوية دور هذه الموانئ كنقطة عبور مهمة وصلة وصل في تعزيز حركة التجارة البحرية. وفي هذا السياق، لفت رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة "موانئ دبي العالمية" سلطان أحمد بن سليّم النظر إلى الموقع الاستراتيجي الذي تحظى به الموانئ السعودية ودورها في تعزيز تدفق حركة التجارة عبر الطريق البحري الحيوي الذي يربط بين أوروبا وآسيا. 

وأضاف بن سليّم أن "موانئ دبي العالمية" أصبحت من خلال مساهمتها في الخط المباشر الجديد جزءاً لا يتجزأ من النظام الإيكولوجي للموانئ السعودية، بما يساهم في تعزيز القدرة التنافسية للمملكة، ويتفق هذا الرأي ما مع عبّر عنه رئيس الهيئة العامة للموانئ في السعودية سعد الخلب بالسعي الى ربط موانئ المملكة بالموانئ الإقليمية والعالمية وتكريس دور الموانئ السعودية كمركز حيوي ورئيسي للخدمات اللوجيستية في المنطقة. 

 

 

ميناء الملك عبد العزيز اتفاقية

مع السعودية العالمية للموانئ بـ 1.9 مليار دولار

 

توسيع مشاركة القطاع الخاص 

 

من جهة أخرى، يعدّ التخصيص توجهاً استراتيجياً في سياق الرؤية السعودية لتطوير قطاع الموانئ، ولاسيما في ظل التجربة المميزة التي قدمتها رؤية خصخصة ميناء الملك عبد الله الواقع على ساحل البحر الأحمر في واحدة من أهم نقاط التجارة البحرية.

ويبدو واضحاً أن الهيئة العامة للموانئ تسير قدماً في هذا الخيار، خصوصاً بعد توقيعها قبل أسابيع اتفاقية بقيمة 7 مليارات ريال (1.9 مليار دولار) مع الشركة السعودية العالمية للموانئ (أس. جي. بي) لتطوير وتشغيل محطات الحاويات في ميناء الملك عبد العزيز في الدمام، وفقاً لنظام البناء والتشغيل والتحويل لمدة 30 عاماً، للميناء الواقع شرق السعودية على ساحل الخليج العربي. ومن شأن الاتفاق، أن يساهم في رفع الطاقة الاستيعابية في الميناء بأكثر من 120 في المئة لتصل إلى نحو 7.5 ملايين حاوية سنوياً، وذلك إلى جانب توفير أكثر من 4 آلاف فرصة عمل، علماً أن الميناء يعدّ الأكبر محلياً على ساحل الخليج العربي، وهو يرتبط بسكة حديدية بالميناء الجاف في الرياض، مما يساعد على دخول البضائع من مختلف أنحاء العالم إلى المنطقتين الشرقية والوسطى في البلاد.

 

 

تجربة تخصيص ميناء الملك عبد الله

خريطة طريق للشراكة مع القطاع الخاص

 

 

 

 

ميناء الملك عبد الله نموذجاً

 

وبالعودة إلى تجربة ميناء الملك عبد الله، فإنها تشكل رؤية واضحة لثمار استراتيجية التخصيص المعتمدة سعودياً في الموانئ، ولاسيما في ظل مستويات النمو التي يحققها الميناء، إذ أصبح في المرتبة الثانية خلال 5 سنوات، وارتفعت طاقته الاستيعابية إلى 5.5 ملايين حاوية قياسية، وأخيراً عزز الميناء موقعه الاستراتيجي على خريطة الموانئ السعودية، عبر استقبال سفن عملاقة تعدّ الأضخم في العالم، مستفيدة من البنية التحتية المتطورة للميناء بما فيها عمق أرصفته التي تبلغ نحو 18 متراً.

يذكر أن ميناء الملك عبد الله أوّل ميناء حيويّ يمتلكه القطاع الخاص وتديره جهة تنظيميّة واحدة وهي شركة "تطوير الموانئ" (PDC) التي تأسّست في العام 2010 كمشروع مشترك بين شركة "إعمار المدينة الاقتصادية" وشركة "هوتا للأعمال البحرية المحدودة".