فليحكم الصرافون .. الليرة اللبنانية "سمك ، لبن ، تمر هندي"

  • 2020-06-25
  • 12:07

فليحكم الصرافون .. الليرة اللبنانية "سمك ، لبن ، تمر هندي"

  • علي زين الدين

مع انقضاء أسبوعي عمل متتاليين على تسليم الصرافين مهمات "تيسير" التبادلات النقدية بدولار مدعوم السعر من قبل البنك المركزي وضمن مسار انخفاض تدريجي لبلوغ مستوى 3200 ليرة لكل دولار، جاءت النتائج المحصلة معاكسة تماماً للأهداف المحددة. بل زاد زخم موجات المضاربة، وحلّق الدولار سوقياً قريباً من عتبة 7000 ليرة التي بلغها "افتراضياً" في وقت سابق، وتسبب حينها بإعادة تحريك الاحتجاجات الشعبية وبأعمال عنف في وسط بيروت.

وفي أبعاد تتعدى، شكلاً ومضموناً، الإطار المحدود للمبادلات الورقية في الأسواق المالية والنقدية، بدا المشهد العام مقلقاً للغاية ومثيراً لتساؤلات مشروعة في زمن "الانهيارات المتدحرجة". فاللبنانيون باتوا على موعد يومي مع "تعميم" يصدر عن نقابة الصرافين يحدد الهوامش السعرية والسقوف المتاحة والمستندات المطلوبة وفئات "المحظوظين" بحيازة الدولار النقدي (البنكنوت).

في المقابل، التزمت المصارف موقعها المقرر لها ضمن صفوف "المتفرجين"، مكتفية، حتى إشعار آخر، بدور "القجة" التي تزود مودعيها بالليرة، وأيضاً ضمن سقوف محددة مسبقاً ومتدرجة نزولاً يوماً بعد آخر، فهي مستثناة من مبادلات الدولار الورقي كونها لا تمارس مهام الصيرفة، وتنتظر أن يؤول إليها جزء من "النعمة" عبر الأموال الطازجة Fresh money التي سيجمعها التجار لغرض الاستيراد أو طالبي التحويل الى الخارج وفق الشروط المحددة.

يزيد في الأمر إرباكاً، انكفاء دور البنك المركزي إلى تنفيذ الآلية التي أوصت بها السلطة السياسية، من دون التنبه إلى عقم النتائج وإلى تأجيج الفوضى في السوق "المدعومة" وفي تشكيلة الأسواق الموازية. فالآلية قضت بضخ ما يجبيه البنك المركزي من التحويلات الدولارية الواردة عبر الشركات غير المصرفية والتي يتراوح متوسطها بنحو 4 ملايين دولار يومياً، انما افترض أهل "الحل والربط " أن مؤداها تهدئة المضاربات والاستجابة لغضب الناس المكلومين بانخفاض مداخيلهم والمكتوين بنار أسعار الغذاء والاستهلاك، وهم يوقنون أن طريق الاصلاح الشامل هو المسار الأوحد لصدقية اهتمامهم بالناس ولوذهم الطوعي بالصبر المر الى حين "ميسرة "بعيدة المنال.

لذا، والى حين انتظام المؤسسات وتعاونها خارج منظومة المناكفات والكيديات، يصح استعارة عنوان الفيلم المصري "سمك ، لبن ، تمر هندي" كوصف واقعي لما يجري في إدارة شأن نقدي "يذل" الناس يومياً ويرعبهم بمخاطره القائمة والآجلة. فالمثير في الأمر، أن الصرافين باتوا يتصرفون وكأنهم امتلكوا زمام السلطة النقدية، بعد ان عانوا قبل بضعة أسابيع الملاحقات الأمنية والتوقيفات القضائية بشبهة التلاعب بالنقد الوطني.

ويحق التنبه إلى ما أدرجه وزير الداخلية الأسبق والمرجع القانوني زياد بارود، في مقابلة تلفزيونية، بضم هذه الوقائع إلى حال الفوضى التي تعم البلد ومخالفة القوانين. فالمشكلة ، برأي بارود ، ليست في عمليات الصرف في حد ذاتها، انما في أن تتولى نقابة الصرافين تنظيم أمورنا النقدية اليومية بديلاً من السلطات المخولة لمجلس النواب والحكومة والبنك المركزي، تماماً كأن تتولى نقابة السائقين العموميين تنظيم السير في البلد.

ويشير إلى أن نقابة الصرافين ليست نظامية Ordre  (في النطاق المهني) على غرار نقابات الأطباء والمحامين والمهندسين. والأهم، هي لا تستطيع ان تحل مكان سلطة التشريع التي عجزت عن إقرار مشروع " الكابيتال كونترول "، ولا يمكن أن تحل مكان الحكومة التي لم تتخذ اي تدابير ذات خصوصية نقدية، وأيضاً مكان البنك المركزي الذي يمكنه اقتراح ما يرتأيه من تدابير على مجلس الوزراء أو (ممارسة مهامه المخول بها وفقاً لقانون النقد والتسليف).

ويلفت إلى ان نقابة الصرافين تعمد إلى إصدار تعاميم متلاحقة وبما يشمل تحديد سعر الصرف، "وقد لا نسأل النقابة عن كل ذلك كونها وجدت فراغاً عملت على تعبئته، إنما يمكن سؤال كل الهيئات الناظمة، أي كل سلطات وأجهزة الدولة التي لا يمكنها ترك الناس في تدبير أمورهم وأن يخضعوا لقرارات تحدد لهم، على سبيل المثال، كيفية الحصول على بطاقة السفر وبأي سقف ولمرة واحدة في السنة، أو تحديد سقوف المبالغ للطلاب في الخارج.

ويسأل بارود: "هل نحن نسير الى اقتصاد موجه؟ وجب أن نعلم وليكن ذلك تحت سقف التشريع ليعرف المواطن كيف يدير حياته وأموره. هذا هو الحد الأدنى من واجبات الدولة تجاه مواطنيها لجهة التنظيم الواضح والصريح لقطاعات ومسائل حيوية وبهذه الأهمية".