هل يغيّر كورونا واقع العمالة الأجنبية في الخليج؟

  • 2020-04-13
  • 23:00

هل يغيّر كورونا واقع العمالة الأجنبية في الخليج؟

الشركات الخليجية تظهر تفهماً لوضع المستخدمين وتكتفي بإجراءات "دفاعية" في انتظار اتضاح الصورة

  • رشيد حسن

الإجراءات المشدّدة التي اتخذتها دول الخليج في نطاق احتواء وباء كورونا فرضت عمليات إغلاق واسعة للأعمال والخدمات ولاسيما في قطاعات الضيافة والمؤتمرات والمعارض والتسوق ووقف لحركة البناء والمشاريع والنقل العام والسفر الجوي أو بالقطارات والاحداث الرياضية والفنية، وترجمت تلك الاحتياطات بتوقف شبه تام في قطاعات الاقتصاد أجبر القطاع الخاص وكذلك الحكومي على التفكير بمصير مئات ألوف بل ملايين العاملين من الوافدين الذين أصبحوا بلا عمل ومن دون أفق واضح للوقت الذي سيحتاجونه للعودة، جميعاً أو قسماً منهم، إلى أعمالهم.  

 

الدول الناميــــة المصدّرة للعمالة تواجه كارثة مزدوجــــة: 

تفاقم البطالة المحلية وخسارة التحويلات

 

تعتبر منطقة الخليج حالة فريدة في العالم بسبب اعتمادها الشديد أكثر من أي منطقة في العالم على العمالة الأجنبية التي تمثل نحو 48,1 في المئة من مجموع السكان، ونحو 70 في المئة من مجموع العمالة في هذه الدول مع نسب تصل إلى 87 في المئة في الإمارات و93 في المئة في قطر، ولهذا السبب، فإن هذه العمالة تشكّل عماد الاقتصاد والعمود الفقري لسوق العمل ولمختلف القطاعات والمهن بدءاً بقطاع البناء والأشغال وانتهاءً بقطاع الفنادق والتجارة والصحة والتعليم، لذا، فإن إجراءات الحجر وتعطيل النشاطات الاقتصادية تطرح على الفور، سواءً بالنسبة إلى القطاع الخاص أم القطاع العام، ضرورة بلورة استراتيجية للتعامل مع النتائج الاقتصادية المباشرة للتعطيل، وأهمها العبء الكبير لرواتب العمال والموظفين، وغير ذلك من المصاريف مقابل توقف تدفقات الدخل، علماً أن مصاريف العمالة تمثّل نسبة كبيرة من ميزانية أي شركة خصوصاً في الخليج، لذلك، وبدلاً من إدارة العمليات اليومية كما هو المعتاد تحوّل هم الشركات الخليجية إلى إدارة الأزمة وتحديداً لجهة التفكير بالخيارات المناسبة تجاه العاملين، مثل العناية الصحية بالمصابين منهم ودعم تكلفة السكن والرواتب وإجراءات ترتيب عودة الوافد إلى بلده والخيارات البديلة مثل الإجازة بلا راتب أو بنصف راتب أو ببساطة إنهاء الخدمة.

ويجب القول إن الشركات الخليجية أظهرت تفهماً لوضع المستخدمين الأجانب وحاولت أخذ الوقت في انتظار اتضاح أفق تجاوز الوباء وبالتالي القيود الاستثنائية التي قيدت كل النشاطات الاقتصادية، وقد تدخلت إدارات الدولة في هذه الدول لوضع قواعد محددة لتعديل عقود العمل أو إنهائها والتي تحتاج إلى موافقة المسؤولين، بينما تدخلت الحكومة أحياناً لمنع تأخر المؤسسات في دفع رواتب موظفيها طالما بقوا في الخدمة، كما أخذت الشركات والحكومات على عاتقها الاهتمام بالمصابين بـ كورونا من الوافدين والذين يمثلون نسبة كبيرة من السكان، أولاً بسبب عددهم، وثانياً بسبب أنماط السكن المشترك التي تعقد تطبيق سياسات التباعد الاجتماعي. وعلى العموم، فإن دول الخليج اجتازت امتحان المرحلة الأولى من وباء الكورونا بنجاح، وأثبتت أنها تقدر خدمات العاملين الأجانب ومستعدة بالتالي، لتحمّل تضحيات وأعباء بينما ينتظر الجميع آفاق المدى الأطول لاتخاذ قرارات في الأساس، ليس فقط حول مصير العاملين، بل حول مصير الشركات أو الأعمال نفسها.

 

 

طلائع العاصفة

بالطبع العديد من الشركات في الخليج لن ينتظر طويلاً وبعض هذه الشركات خصوصاً التي تعمل في القطاعات الأكثر تضرراً مثل الفنادق والسياحة والطيران، وعلى سبيل المثال قررت شركة طيران الإمارات إجراء تخفيضات تتراوح ما بين 25 و50 في المئة على أساس الراتب لأكثرية الموظفين، وفي الوقت نفسه الطلب من نحو 2000 طيار و21,000 من أطقم الطائرات أخذ إجازة بلا راتب، بينما أعلنت شركة الطيران القطرية إنهاء خدمات 200 من أطقم الطائرات محذرة من أن عمليات التسريح قد تتوسع وسط خسائر للفصل الثالث في عمليات الشركة، وأعلنت شركة إعمار عن خفض الى حدود 50 في المئة في رواتب الموظفين لمدة ثلاثة أشهر، واتخذت شركة طيران الاتحاد إجراءات بخفض رواتب ومنح إجازات بلا راتب، ولجأت أكثر شركات الفنادق حول العالم مثل "أكّور" وماريوت" إلى  قرارات جذرية بالاستغناء عن قسم كبير من العمالة عن طريق منح الإجازات غير المدفوعة، فيما يُتوقع أن تعلن فنادق عديدة في الخليج وبلدان أخرى عن إجراءات مماثلة.

شركات تشتري الوقت

في المقابل، أعلنت شركات أو مجموعات في الخليج أن لا نية لها (حالياً) لتسريح موظفين، ومن هذه الشركات "ترايستار" التي طلبت من موظفيها العمل من المنزل، وبنك أبوظبي الذي أكّد أن لا تسريح للعمالة خلال العام 2020، وأعلنت مجموعة ماجد الفطيم أنها حوّلت 1000 من موظفيها في قطاع السينما والمجمعات التجارية للعمل مع مجموعة كارفور وذلك بصورة مؤقتة بإعادة تدريبهم.

أكثر الشركات التي قررت التريث واعتماد إجراءات احتياطية مختلفة، لكن لا تصل إلى حد الصرف من الخدمة، كلها انطلقت من أهمية الحفاظ على العلاقة مع الجهاز الوظيفي والتضامن في الأزمات، إلا أن هذه الإجراءات مبنية في الوقت نفسه على اعتبارها أن الأزمة مؤقتة، لذلك فإن الإدارة كما الموظفين يعلمون أن الانتظار لا يمكن أن يمتد طويلاً في الزمن خصوصاً إذا استمرت الأزمة في استهلاك احتياط الشركة النقدي وأموالها الخاصة، ولهذا، فإن تأكد الانطباع بأن أزمة الكورونا لن تنتهي في وقت قريب واقتناع السلطات بالحاجة للإستمرار في إجراءات الحجر والتعطيل سيغير الصورة وسيدفع الشركات كافة التي تحاملت حتى الآن على جراحها لاتخاذ القرار الصعب بضرورة إنقاذ السفينة إن لم يكن ممكناً إنقاذها مع الركاب.

يكفي هنا الإشارة إلى التحولات البنيوية (الطويلة الأمد) في قطاع الخدمات المتصلة بقطاعات السياحة مثل الطيران والفنادق والمطاعم والنشاطات الرياضية الجماهيرية أو الاحتفالات والمؤتمرات والخدمات كافة المرتبطة بهذه النشاطات، أو أعمال البناء في مشاريع كبرى في قطاعات مختلفة يمكن إعادة النظر فيها في ظل المستجدات الحالية أو تعزز الاتجاه للتعليم عن بعد أو لتنامي قطاع التسوق الإلكتروني أو التسوق الروبوتي (أمازون) كل ذلك للتأكيد على أن العالم بعد فيروس كورونا لن يكون كسابقه، وأن انحسار الأزمة الوبائية قد لا يعني بالتالي عودة النشاطات السابقة إلى حالها وعودة النمو الاقتصادي إلى وتيرته الطبيعية.

 

 

تدهور النفط يعمق الأزمة

إلى أزمة كورونا ونتائجها الاقتصادية يجب أن نضيف الصدمة الإضافية الناجمة عن تدهور أسعار النفط واحتمال أن تستمر الأسعار ولمدة طويلة في أدنى مستوياتها بسبب اختفاء الطلب على النطاق الدولي والفائض الكبير المستمر في العرض، وعلى الرغم من التوصل الى اتفاق بين دول "أوبك+" والولايات المتحدة على تخفيض الانتاج بمعدل 9.8 ملايين برميل يومياً بهدف إعادة التوازن إلى السوق.

إن تضافر الضربات المؤلمة لتراجع دخل النفط والخسائر المتراكمة للشلل الناجم عن الكورونا يقرباننا أكثر فأكثر من الموعد الذي يترقبه الجميع بقدر كبير من الخوف وهو الموعد الذي سنشهد عنده عمليات تسريح العمالة بالجملة تؤدي في وقت غير بعيد إلى تقلص مؤثر في سوق العمل يتمثل في خروج مئات الآلاف من السوق وبتقلص للاقتصادات المحلية نفسها إلى أحجام يمكن للمنطقة استيعابها.

وستسبب موجة التسريح الواسعة بضغوط اقتصادية هائلة على البلدان المصدرة للعمالة والتي ستواجه في آن معاً البطالة الواسعة المحلية الناجمة عن الشلل الاقتصادي الذي تسبب به وباء كورونا، والبطالة الإضافية  للعائدين بعد أن خسروا عملهم وحرموا بلدهم من التحويلات السخية التي كانوا يرسلونها سنوياً، وفي رأس هذه البلدان المتضررة الهند وباكستان وبنغلادش والفليبين وإندونيسيا ومصر، كما إن الدول المصدرة للعمالة تواجه الآن وضعاً غير مسبوق وهو شمول الأزمة دول العالم كافة في وقت واحد، وبالتالي تراجع التحويلات من كل المصادر بينما كانت هذه التحويلات، إن تراجعت في سوق ما، تنمو في سوق أخرى وعليه، تساهم في الحفاظ على استقرار التدفقات المالية إلى البلد الأم.

 

30 مليونا تداخلوا في النسيج الاقتصادي للخليج

ويحولون إلى بلدانهم نحو 119 مليار دولار سنوياً

 

 

 

ترشيد وتحفيز

من أجل احتواء الآثار الانكماشية لإجراءات الحجر، قرر بعض دول الخليج اتخاذ إجراءات خفض في الإنفاق العام ووقف العمل بعدد من المشاريع وتطبيق إجراءات تقشف صارمة في مختلف الإدارات العامة، إلا أن هذه الدول أطلقت في المقابل برامج حفز تستهدف التعويض عن تراجع الإنفاق وهبوط النمو الاقتصادي، وبلغت قيمة هذه البرامج نحو 30 في المئة من الناتج المحلي في البحرين وعُمان ونحو 10 في المئة من الناتج المحلي في الإمارات وقطر ونحو 4 في المئة من الناتج المحلي في المملكة العربية السعودية.

ومن أجل تمويل هذه الإجراءات الداعمة الاستثنائية، يتوقع أن تحتاج دول الخليج للسحب بقوة من الاحتياطات وأن تدعم ذلك بالعودة إلى سوق السندات وزيادة نشاطها الاقتراضي.