لبنان يعالج نضوب السيولة.. بالمسكّنات

  • 2020-04-06
  • 08:26

لبنان يعالج نضوب السيولة.. بالمسكّنات

ماذا بعد تعاميم مصرف لبنان الأخيرة؟

  • علي زين الدين

قد تنفع المعالجات التسكينية في شراء بعض الوقت، إنما تعجز علمياً وموضوعياً عن علاج أمراض نقدية ومالية مستعصية يعانيها لبنان وينوء بحمل "كلفة" استشفائها من دون تأمين دفق خارجي يعظم قيمة "فلس الأرملة".

خيارات الحكومة، التي كادت تتعثر بـ "بحصة" المحاصصة في تعيينات مؤسسات السلطة النقدية، باتت أضيق من ضيق الناس بعيشهم المنغص بالقلّة والفقر والغلاء، وزاده كورونا جزعاً على واقعهم المزري.

التحرّك صوب النافذة الوحيدة المشرّعة والاقتراب أكثر من دفتي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، هو الخيار الوحيد المتاح في ظل حصار مالي خارجي صار أكثر صعوبة وتعقيداً بعد سيطرة الوباء على دول العالم ومواطنيها واقتصاداتها وأسواقها.

مصرف لبنان يرمي سهامه صوب الجدار السميك

في هذه الأثناء، وبمعزل عن الغوص في التباسات كثيرة تعتري أي قرار مالي ومساراته ومحفزاته، رمى مصرف لبنان سهاماً صوب الجدار السميك علّ الإمهال الزمني ينفع في التخفيف من "فزع" العباد على مصيرهم ومصير البلاد، وعلّ الغيث يستجلب مطراً صيفياً يطفىء بعضاً من الظمأ الفظيع.

تتضح هذا الأسبوع الآليات التنفيذية لتعاميم مصرف لبنان الثلاثة والموزعة بين إتاحة التمويل للأفراد والمؤسسات المتعثرة لفترة ثلاثة أشهر، وتوفير السيولة الفورية لنحو 1.7 من أصحاب الودائع التي تقل عن خمسة ملايين ليرة، والأهم إطلاق المنصة المشتركة بين "المركزي" والمصارف وشركات الصرافة من الفئة "أ" المولجة بتحديد سعر تداول للدولار يتماشى مع المعطيات السوقية.

ومن المؤمل أن تسهم هذه التدابير في التخفيف جزئياً من الاختناقات المالية والمصرفية التي تتوسع بوتيرة حادة تشي بتداعيات مؤلمة لا تنحصر في ميادينها فحسب، بل تتمدد بالضرر إلى المؤسسات المصرفية والمالية المعنية وتحويلها إلى مرمى للأفعال الانتقامية، يعزّز ذلك أجواء الاحتقان الصاعدة بتغذية ارتفاع مؤشر الغلاء بنسبة فاقت 60 الى 70 في المئة خلال أشهر قليلة، وبحالة الهلع التي فرضها كورونا، وبواقع انفلات مؤشر البطالة من دون سقف في القطاع الخاص، والإقفال الجزئي أو التام الذي يضرب قطاعات السياحة والتجارة والخدمات وسواها.

التفسيرات الفورية للتعاميم

في التفسيرات الفورية للتعاميم، ركزت مصادر مصرفية على النقاط التالية:

أوّلاً: في ما يخص التعميم الأول الموجه إلى الأفراد والمؤسسات المتعثرة، باشرت مصارف عدة وسيتبعها الباقون بإبلاغ زبائنهم المقترضين بالتجزئة (قروض شخصية، قروض سيارات، قروض مهنية، والأهم قروض السكن المدعومة وغير المدعومة) بإعفائهم من موجب تسديد الأقساط المستحقة لأشهر آذار/ مارس ونيسان/ ابريل وأيار/ مايو من دون تكبد أي عمولة او كلفة فوائد، على أن يتم تخييرهم لاحقاً بين توزيع المبلغ المؤجّل على كامل الاقساط التالية بدءاً من حزيران/ يونيو أو إعادة الجدولة بإضافة 3 أشهر على نهاية فترة القرض، وهذا الإجراء يمكّن المقترضين من الاستغناء عن الاقتراض وفق الآلية التي بادر إليها البنك المركزي، على أن تكون متاحة لمن يرغب.

أما في شأن تمكين المؤسسات من الاقتراض بفائدة صفرية لمدة خمس سنوات لدفع رواتب الموظفين لثلاثة أشهر أو تغطية تكاليف تشغيلية، فإن التدبير يشوبه عيب شكلي لجهة صدوره في نهاية الشهر الأول من المهلة المتاحة، وثغرات في المضمون لجهة ربط التمويل بعمليات ائتمان سابقة، وهو ما ينافي حقيقة الوصول إلى التعثر بفعل التدهور الطارىء الذي ضرب كامل البيئة التشغيلية، ولذا، يرجح إدخال تعديلات لاحقة تضمن تحقيق المبتغى المنشود للتعميم.

ثانياً: ربطاً بصدور التعميم الخاص بالودائع الصغيرة وما تضمنه من "هدية" مضافة في نهاية الأسبوع، يرتقب أن تواجه المصارف ضغوطاً شديدة في ردهاتها خلال الأسبوع الحالي، إذ سيتحرك آلاف المودعين يومياً للحصول على السيولة الفورية التي أوجبها البنك المركزي ضمن سقف حساب لا يتخطى 5 ملايين ليرة او 3300 دولار.

مشكلة الازدحام غير المرغوب في زمن كورونا لن تكون الوحيدة، فالتوجيه بتحويل قيمة الادخار إلى الدولار بالسعر الرسمي ومن ثم إعادة تحويله إلى الليرة بالسعر السوقي والذي يسري أيضاً على المودع بالدولار، أغفل تحديد "سعر السوق" الذي يتوجب على المصرف اعتماده، فإذا تم اعتماد السعر السائد لدى الصرافين، فان حصيلة المدخر ستقفز إلى نحو 10 ملايين ليرة في الحد الأعلى، وليس ما يمنع من تحوّل الحصيلة المجمعة البالغة تقديرياً نحو 800 مليون دولار إلى الصرافين، ولا ما يمنع أن تبقى أسعار التداول على هوامشها السائدة حالياً بين 2800 و3000 ليرة، والفارق سيتحمله البنك المركزي حصراً.

في المعلومات، إن السعر سيتم تحديده من خلال المنصة الجديدة، وهذا يفرض إطلاق المرجعية أولاً ومن ثم اعتماد آلية تسعير "ثالثة" يرجح أن تركن إلى سعر وسطي يراوح ما بين 2000 و 2300  ليرة، كما يتوجب النظر مسبقاً في تنظيم الازدحام من خلال التصنيف وفق التدرج الأبجدي على سبيل المثال، وإلا فإن الفوضى ستكون عارمة ومؤذية "صحياً" ونفسياً للمودعين ولموظفي البنوك على حد سواء.

وفي المعلومات أيضاً، إن هذه الآلية ستتوسع لاحقاً إلى فئات جديدة من المودعين تحت شعار توفير السيولة الفورية للنسبة الأكبر من المودعين، مع الإشارة إلى ضرورة تحديد سقف الودائع التي تصنف "صغيرة"، حيث تتباين الإشارات ما بين 15 و 50 مليون ليرة، علماً أن ضمان الودائع زاد من 5 الى 75 مليون ليرة.

ثالثاً: ستكون المحطة الأهم ذات العمق والتأثير على التوجهات النقدية والمالية في المرحلة المقبلة، ما يتصل بمرجعية التسعير الجديدة للدولار. المنصة ذات الأضلاع الثلاثية (البنك المركزي، المصارف وشركات الصرافة) كان يفترض أن تضم شركة لبنان المالية بصفة "المنسق" اليومي للعمليات وتنفيذها.

في الواقع، ستخضع العمليات المالية اليومية لثلاث قواعد سعرية، الأولى الرسمية عند مستوى 1515 ليرة يشمل المستوردات الأساسية بنسبة تغطيتها لدى المركزي، والثانية عند متوسط مرتقب بحدود 2250 ليرة ويخص تسعير عمليات السحب او الإيداع من الودائع المدولرة لدى المصارف من دون الدولار الورقي، والثالثة تخضع لحجم الطلب اليومي على "البنكنوت" لدى الصرافين وسقفها الحالي نحو 3000 ليرة، لكن لا أحد يمكنه التنبؤ بسقوفها اللاحقة.