لبنان: كورونا يعيق الصناعة المحلية ولا يوقفها

  • 2020-04-05
  • 14:10

لبنان: كورونا يعيق الصناعة المحلية ولا يوقفها

  • كريستي قهوجي

منذ شهور يعاني القطاع الصناعي في لبنان من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي حدّت من إنتاجه، فالقطاع الذي يعتمد في نشاطه على استيراد المواد الأولية من الخارج وجد نفسه عاجزاً عن تأمين حاجته من تلك المواد بفعل تداعيات تفشي وباء كورونا.

وعلى الرغم من أن الحكومة اللبنانية لم توقف الشحن البري والبحري والجوي في إطار إعلان "التعبئة العامة"، فإن الشلل الذي أصاب حركة النقل العالمية أثّر على سلاسل التوريد، إضافة إلى المشكلات التي يعاني منها القطاع لتأمين مستلزماته وتتخلص بأن هناك أزمة اقتصادية ونقدية في لبنان أساسها تذبذب سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، عوامل وضعت المصانع أمام تحديّات ربما باتت أكبر من قدرتها.

وللحد من آثار الأزمة وتداعيات كورونا، حاول مصرف لبنان أكثر من مرة  أن يؤمن الدعم اللازم للصناعة المحلية، تارة من خلال تأمين الدولار بنسبة 85 في المئة لتسهيل عملية الاستيراد، وأخرى من خلال المنصة التي كان قد أطلقها لتعمل على توفير تسهيلات قصيرة الأجل للمستوردين والمصدرين، بالشراكة مع المصارف اللبنانية المحلية، وبالتنسيق مع جمعية الصناعيين ووزارة الصناعة، كذلك من خلال تعميم للمصارف بمنح قروض من دون فائدة للشركات لدفع الرواتب والمستحقات، لكنّ هذا كله لم يسعف الصناعة في زمن كورونا، فكيف تعمل هذه المصانع في ظل الظروف الصعبة لتأمين إنتاج ارتفع الطلب عليه في الشهرين الأخيرين، وهي التي تقوم باستيراد ما يلزمها من الخارج وبالعملة الصعبة (الدولار)، وفي الوقت نفسه يتعين عليها مواجهة تحديات كورونا؟

 

ارتفاع الطلب وتراجع الإنتاج

الجميل: اللبنانيون تهافتوا على شراء المنتجات الوطنية على حساب المنتجات الأجنبية

 

مع بداية انتشار فيروس كورونا وحال "التعبئة العامة" التي أعلنتها الحكومة اللبنانية تهافت التجار والمستهلكون اللبنانيون على شراء المنتجات المصنعة محلياً، وكان ممكن لهذا الأمر أن يلعب دوراً في تمكين الصناعة اللبنانية وتنشيطها بعد فترة من الركود، غير أن القطاع الصناعي لم يستفد من هذه التغيرات وذلك "لأن الصعوبات التي واجهتها سلاسل التوريد لدى المصدرين أثّرت بشكل كبير على عملية استيراد المواد الأولية، فالطلب الكبير على هذه المواد في بلاد المنشأ وحال الشلل التي اصابت قطاعات الشحن البحري والجوي والبري، ضعّف قدرة المصانع على استيرادها، ما أثر على انتاج المصانع اللبنانية"، بحسب رئيس تجمع الصناعيين اللبنانيين فادي الجميل. أمّا بالنسبة إلى الإجراءات المتخذة من قبل مصرف لبنان فيقول الجميل لـ "اولّاً-الاقتصاد والأعمال" إن "المنصة تدعم القطاع الصناعي بشكل جيد إلا أن عملها لم يبدأ بعد، وبالتالي لم تستفد المؤسسات الصناعية منها"، كذلك "فإن عدم تحرير مبلغ 100 مليون دولار الذي كان قد وعد به مصرف لبنان يزيد في تفاقم الأزمة، فأزمة الدولار في السوق السوداء وارتفاعها بشكل جنوني منعت الصناعيين من شراء العملة الصعبة" ما أثر على عملية استيرادها للمواد المطلوبة لصناعاتها، أمّا عن الثالث المتعلق بالقروض يجيب الجميل: "هذه بادرة إيجابية تساعد في استمرار القطاع"، مؤكداً "ضرورة أن تشمل التغطية الاجتماعية كل المؤسسات وخصوصاً التي يعمل فيها مياومون".

وغير المشكلات المتعلقة بالدولار، فقد فرض وباء كورونا على المصانع نمطاً جديداً من العمل، وهو ما أدى إلى تكبدها المزيد من الأعباء المالية، إذ بات عليها أن تتخذ الإجراءات المتناسبة مع إرشادات وتعليمات الحكومة اللبنانية ومنظمة الصحة العالمية من أجل تطبيق أعلى معايير السلامة داخل المصانع، خصوصاً تلك التي تعمل في مجال المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والصحية، لكن هذه التطورات ترافقت مع تحوّل لافت للانتباه في إنتاج بعض المصانع التي قامت بتغيير نوعية إنتاجها باتجاه إنتاج الكمّامات والأجهزة الطبية الوقائية، ويشير الجميّل إلى "أن عدداً من المصانع بادر، بالتعاون مع أساتذة جامعيين، إلى تطوير أجهزة تنفّس اصطناعية لمواجهة النقص الحاصل في المستشفيات، كما إن الجمعية قامت بمبادرات مع نقابة المحامين في بيروت لتأمين أدوات التعقيم والتنظيف للسجون ومراكز التوقيف الاحترازي".

 

غالبية شركات الصناعات الغذائية تأثرت بكورونا

نصراوي: أتخوّف من عدم قدرة المصارف على استمرارها في التحويلات المالية وسط شح الدولار

لطالما شكّل قطاع الصناعات الغذائية في لبنان رافعة أساسية للقطاع الصناعي بشكل عام من خلال تنوّع منتجاته ذات الجودة العالية، بالإضافة الى تصديرها إلى الخارج نظراً لما تتمتع به من ثقة المستهلكين العرب والأجانب، ومع بداية الأزمة الاقتصادية وتفاقمها نتيجة تفشي فيروس "كورونا" في البلاد، أصبح إنتاج هذه الشركات صعباً بسبب النقص في المواد الأولية الضرورية لعمليات التصنيع، بحسب ما يشير نائب رئيس جمعية الصناعيين وصاحب شركة "سوناكو الربيع" جورج نصراوي.

وإذ يتخوّف نصراوي من عدم قدرة المصانع المحلية على تلبية الطلب المتازايد بسبب عدم تمكّن المصارف من الاستمرار في التحويلات المالية اللازمة لشراء المواد الأولية في ظل فقدان الدولار منها، يؤكّد أن شركته لم تتأثر بالإزمة لأن 75 من إنتاجها يتمّ تصديرها إلى الخارج في مقابل حصولها على "Fresh Money" يسمح لها باستيراد المواد الأولية ومتابعة عملها بصورة عامة.

فريجي: تأقلمنا مع فيروس كورونا وعدلنا أسعار مبيعاتنا

 

ويوافق صاحب شركة "تنمية" موسى فريجي الجميل ونصراوي حول تراجع الانتاج الصناعي بشكل كبير بسبب تعذر استيراد المواد الأولية، ويقول فريجي "إن تنمية تأقلمت مع وضع تفشي فيروس كورونا وعملت على تعديل أسعار مبيعاتها مع زيادة التكاليف، وإن الأزمة لم تؤثر أبداً على الشركة التي لم تعدل من إجراءاتها المتخذة لناحية المنتجات الغذائية".

 

 

شاتيلا: عانينا من أزمة استيراد المواد الأولية 

 

بدوره، يعدّ مصنع غندور إحدى العلامات الصناعية الفارقة التي ارتبطت بوجدان اللبنانيين منذ سنوات، وعاصر خلالها مراحل مختلفة نتيجة الظروف الاستثنائية التي مر فيها لبنان على مدى سنوات. واليوم، وفي ظل أزمة تفشي فيروس كورونا يختبر المصنع حقبة جديدة من الأزمات، عمل خلالها على اتخاذ إجراءاته اللازمة والمناسبة لمواجهة الفيروس، كان بينها بحسب المدير العام إبراهيم شاتيلا: "إجراء مداورة بين الموظفين والعاملين ما خفض عدد الحاضرين منهم في المصانع وفقاً لتعليمات وزارة الصناعة"، مشيراً إلى أن ذلك ترك تأثيراً على بعض الأنواع المنضوية تحت الأصناف الرئيسية، من دون أن يؤثر على خطوط الإنتاج الرئيسية.

"غندور" بمنتجاته الغذائية المتنوعة ارتبط بالذاكرة الجمعية للبنانيين، وهو يكابد اليوم في سبيل المحافظة على عراقة اسمه على الرغم من قساوة الظروف، وحول التداعيات التي تركها الفيروس على سلاسل التوريد وأثر ذلك على "غندور"، يوضح شاتيلا قائلاً:" كغيرنا من المصانع في لبنان والخارج، عانيّنا بالفعل من هذا الواقع، إذ نتج عن التأخير في وصول الشحنات والذي امتد بين ثلاثة أسابيع وشهراً، نقصاً في المواد الأولية ما أثر على الإنتاج".

ولمّا كان لبنان يرزح تحت نير أزمتين، الاقتصادية والمالية من جهة وفيروس كورونا من جهة أخرى، فإن الحديث لا بدّ وأن يأخذ بالاعتبار المبادرات التي اتخذت من قبل مصرف لبنان تجاه القطاع الصناعي، خصوصاً القروض من غير فوائد، وهنا يعلّق شاتيلا: " نأمل أن تعطي هذه الخطوات نتائج إيجابية على المدى القصير، بما يحد من أثر الواقع الذي تعيشه الصناعة منذ ما قبل ظهور الفيروس".

ورداً على سؤال عن مدى تأثير ارتفاع في الطلب على المنتجات والصناعات الغذائية الوطنية في ظل حالة التعبئة العامة السائدة يجيب شاتيلا: "لم نلمس ارتفاعاً حقيقياً في الطلب خلال هذه الفترة بالذات، غير أن هذا الواقع سُجل خلال الأشهر الماضية التي مر بها لبنان وخلال أزمة الدولار، إذ حصلت حملة تشجيع على المنتجات والمواد الوطنية ذات الجودة العالية كبديل حيوي عن المواد المستوردة".

في المحصلة، عقّّد تفشي وباء كورونا في لبنان أزمة إنتاج القطاع الصناعي الذي كان يعاني في الأساس نتيجة عدم قدرة الصناعيين على استيراد المواد الأولية بسبب الصعوبات التي واجهتها سلاسل التوريد حول العالم، ويبقى الموضوع بيد الحكومة وحدها من خلال إيجاد الحلول المناسبة لدعم هذا القطاع وتأمين استمراره..