رياض سلامة: محايد أم مُحيّد؟

  • 2020-04-01
  • 13:05

رياض سلامة: محايد أم مُحيّد؟

  • علي زين الدين

يقول مصرفي عريق: "عندما تصفق لك السلطة، فأعلم أنك علقت في شباكها".

تدخّل نصف لبنان أو ما يزيد في مسار تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، والشغور في هيئة الأسواق المالية. مجلس الوزراء سيقرّ التعيينات ضمن السقوف المحدّدة مسبقاً ومن سلّة الترشيحات المحظية برضا أهل الحل والربط في وضع جداول أعمال ومقررات الحكومة.

وحده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بدا كمن لا حول له ولا رأي بتعيين نوابه، بخلاف ما تنص عليه المادة 18 من قانون النقد والتسليف: "يعين نائبو الحاكم لخمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال واستشارة الحاكم، وهم يمارسون الوظائف التي يعيّنها لهم الحاكم، وتنطبق حتمية الاستشارة على لجنة الرقابة وهيئة الأسواق المالية وهيئة التحقيق الخاصة".

سقط مشروع الـ "كابيتال كونترول" بضربة سياسية قاضية، بعد ان صال بصياغات متعددة لدى وزير المال غازي وزني، وجال محملاً بالتعديلات والملاحظات من قبل الفريق الوزاري الاقتصادي، ليبلغ محطته الأخيرة على طاولة مجلس الوزراء، ويلقى مصيره " السحب من التداول " في انتظار "غودو" سياسي لا يؤمل حضوره.

أيضاً، لم يكن للحاكم دور ظاهر ولا قدرة على المبادرة استباقاً أم توالياً، متحصناً بصلاحياته المنصوص عنها صراحة في المادة 174 من قانون النقد والتسليف، وفيها: "للمصرف المركزي صلاحية إعطاء التوصيات واستخدام الوسائل التي من شأنها ان تؤمّن تسيير عمل مصرفي سليم".

يمكن أن تكون هذه التوصيات والوسائل شاملة أو فردية.

وللمصرف المركزي خصوصاً بعد استطلاع رأي جمعية مصارف لبنان أن يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها، كما له أن يحدّد ويعدّل كلما رأى ذلك ضرورياً، قواعد تسيير العمل التي على المصارف أن تتقيد بها حفاظاً على حالة سيولتها وملاءتها.

قرر مجلس الوزراء بتكليف وزير المال غازي وزني إجراء تدقيق مالي في حسابات المصرف وموجوداته لمعرفة الأسباب التي أوصلت الوضع المالي والنقدي والاقتصادي والمصرفي الى ما هو عليه اليوم من أزمات معقدة ودقيقة.

من حق السلطات الأعلى، تنفيذية وتشريعية، أن "تتدخل" في شؤون الإدارات والمؤسسات العامة والمستقلة في حال "الشك" أو التيقن من وجود شائبة أو تقصير، وإعلاء قيمة هذا الحق أولى بالتدقيق في مجمل الوضع المالي للدولة، وفي تحديد مسؤولية الصرف والجباية لمدة 11 عاماً من دون موازنة عامة، وفي التقصي عن أوجه إنفاق الموارد ومبالغ الاقتراض بالليرة وبالدولار طوال ثلاثة عقود متتالية، وفي كل مزاريب الهدر والفساد والمجالس والصناديق، عندها سيحق سؤال الحاكم عن الجدوى المستهدفة من التغطية المكلفة جداً لفترات الفراغات الرئاسية والحكومية، وعن الانصياع لمقتضيات حفظ الاستقرار النقدي، وعن ضخّ التمويل لتضخيم القطاع الوظيفي العام ولسلسلة الرتب والرواتب.

لماذا يتردد الحاكم في الجهر بأن شركة محاسبة وتدقيق دولية تراقب حساباته، وللحكومة مفوضها في البنك المركزي وله "حق الاطلاع على جميع سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية بإستثناء حسابات وملفات الغير الذين تحميهم السرية المصرفية، ويطلع المفوّض وزير المال والمجلس (المركزي) دورياً، على أعمال المراقبة التي أجراها، كما يطلع وزير المال بعد قفل كل سنة مالية على المهمة التي قام بها خلال السنة الماضية".

منتصف العام الماضي، بادر النائب جورج عدوان الى السؤال عن ميزانية البنك المركزي. آنذاك، أكّد وزير المال علي حسن خليل أن "مصرف لبنان يقدم لوزارة المال سنوياً قطع الحساب المتعلق بماليته"، وأصدر الحاكم بياناً جازماً بأنه " لم تمض سنة من السنوات الـ20، التي تحدث عنها النائب عدوان ولم يقدم المصرف المركزي على قطع الحساب السنوي والتقدم به إلى وزارة المال ودفع ما يتوجب عليه أن يدفعه ضمن القانون".

تجرأ سليم صفير، رئيس جمعية المصارف، وقالها: "فجأةً، تحوّل رياض سلامة من أنجح حاكم مصرف مركزي في العالم نسمع الإشادة به من الداخل والخارج إلى رجلٍ سيىء مسؤول عن مصائب لبنان. وفجأةً، تحوّلت المصارف من قصص نجاح تجذب الرساميل من الخارج الى مؤسّسات تسرق أموال الناس. (هيدا غير معقول) ولا مقبول! لقد حملنا السياسيّون ما لا قدرة لنا على تحمّله، وحمّلوا الناس أيضاً، وهؤلاء هم الضحايا، ففشل الحكومات المتعاقبة أورثنا أزمةً يصعب الخروج منها، وسعى البعض الى تحويل الأنظار عن فساده عبر توجيه بعض الرأي العام ليهاجم المصارف، مستغلاً الحراك الشعبي الذي كان رائعاً في أيّامه الأولى". 

في التقديرات، إن الحكومة ملزمة باللجوء إلى صندوق النقد الدولي وطلب برنامج الدعم المالي والاشراف على البرنامج الإصلاحي. خطة الانقاذ الاقتصادي و"الكوروني" تستلزم ضخ ما بين 25 الى 30 مليار دولار، بالترافق مع إعادة هيكلة الدين العام البالغ "رسمياً" نحو 92 مليار دولار، والمرجح بلوغه نحو 160 مليار دولار عند احتساب محفظة ودائع وشهادات ايداع الجهاز المصرفي لدى البنك المركزي، والمتوفر خارج التزامات الدين لا يتعدى 22 مليار دولار، كاحتياط عملات صعبة لدى مصرف لبنان، والملتزم بحصر الاستخدامات بتلبية الحاجات الملحة لمستوردات السلع الضرورية والتحويلات ذات الضرورات القصوى وبالحدود الدنيا.

السؤال المحتم: كيف يستوي طلب الدعم الدولي، في ظل بنك مركزي دائن للدولة ومشكوك بميزانيته جهاز مصرفي ملاحق بمقترحات الاقتطاع من الودائع وبوضع محفظة ديونه للدولة تحت مقصلة " الامتناع عن الدفع "؟