جهاد أزعور: عواقب كورونا على المنطقة يُحتمل أن تصبح دائمة

  • 2020-03-26
  • 17:35

جهاد أزعور: عواقب كورونا على المنطقة يُحتمل أن تصبح دائمة

  • مروان النمر

كشف مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور أن "الصندوق تلقى بالفعل طلبات من العديد من البلدان العربية للحصول على دعم مالي"، مشيراً إلى "أن العمل جارٍ حالياً للتعجيل في الموافقة على هذه الطلبات، ومن المتوقع أن يُنظر في الكثير منها خلال الأسبوعين الحالي والمقبل، ليبدأ بعدها صرف أولى الدفعات، على أمل أن يسهم ذلك في منع حدوث ندوب اقتصادية دائمة في اقتصادات المنطقة".

 

مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي: 

الهاجس الأكبر ارتفاع البطالة وإفلاس الشركات

يُرجح أن تنشأ احتياجات تمويلية هائلة في بعض البلدان

سنتجاوب خلال أيام مع طلبات الدعم المالي من دول عربية


وقال أزعور: "منذ تفشي فيروس كورونا، ونحن على تواصل مستمر مع السلطات في منطقتنا لنقدم لها المشورة والمساعدة، ولا سيما تلك التي لديها حاجة ماسة إلى التمويل من أجل الوقوف في مواجهة الصدمات، وصندوق النقد الدولي لديه العديد من الأدوات المتاحة لمساعدة بلدان المنطقة في التغلب على هذه الأزمة والحدّ من الخسائر الإنسانية والاقتصادية التي تسببها".

احتياجات عربية متفاوتة

توضح مصادر مواكبة لنشاط صندوق النقد الدولي في المنطقة لـ "أوّلاً- الاقتصاد والاعمال" أن الدول العربية المرشحّة للحصول على دعم مالي طارئ أو عون فني خلال أزمة كورنا أو في ما بعد لمواجهة إرهاصاتها، تنقسم إلى شرائح متنوعة: الأولى دول قد تحتاج إلى مساعدات مالية طارئة لمواجهة كورونا مثل فلسطين والعراق والأردن والمغرب وتونس وموريتانيا، والثانية شريحة الدول التي تُصنّف ضمن خانة الأشد فقراً، وهناك آلية خاصة للتعامل معها مثل السودان والصومال وجيبوتي، في حين أن مصر أنهت أخيراً برنامجاً تمويلياً مع الصندوق بقيمة 12 مليار دولار، امتد منذ 2016 إلى 2019، وأعلنت أنها لن تطلب تمويلاً جديداً، وبالتالي يُرجّح أن تكتفي بالدعم الفني لمواجهة مرحلة ما بعد كورونا. أما الجزائر فمُحجمة عن طلب قروض من مؤسسات التمويل الدولية منذ سنوات طويلة لأسباب هيكلية مازالت قائمة، بينما لبنان في خضم مناقشات مع الصندوق حول الإصلاح الاقتصادي ولم يعلن عن حاجته إلى دعم مالي من الصندوق لمواجهة كورونا. وبالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي الست، فهي لم تلجأ يوماً إلى طلب مساعدة الصندوق المالي وتكتفي ببرامج محددة من الدعم الفني. وتبقى الصورة ضبابية في ما يتعلق بإمكانية وآليات تقديم الدعم المالي للدول التي تشهد صراعات مثل سورية واليمن وليبيا والتي لم تسجل سوى إصابات قليلة جداً بفيروس كورونا حتى الآن. 

وكان صندوق النقد الدولي أعلن في الآونة الأخيرة عن توفير تمويل للطوارئ في مواجهة كورونا بقيمة 50 مليار دولار، موزعة بواقع 10 مليارات للدول المنخفضة الدخل، ويمكن الحصول عليه من دون الارتباط ببرنامج كامل مع الصندوق، و40 ملياراً للأسواق الصاعدة التي يُحتمل أن تستعين بالصندوق للحصول على دعم مالي، علماً أن طاقة الإقراض الكلية للصندوق تُناهز تريليون دولار.

صدمات متشابكة

في ما يتعلق بالآثار الاقتصادية لفيروس كورونا على الدول العربية، يؤكد أزعور أن "لفيروس كورونا، المتزامن مع هبوط شديد في أسعار النفط، آثاراً بالغة في المنطقة، ومن الممكن أن تزداد حدة، إذ ستتسبب هذه الجائحة في حدوث اضطرابات اقتصادية كبيرة في المنطقة من خلال سلسلة صدمات متزامنة ومتشابكة، ما سيوجه ضربة عنيفة للنشاط الاقتصادي في المنطقة، خلال النصف الأول من العام الحالي على أقل تقدير، ومن المحتمل أن تكون عواقبها دائمة".

وتتمثل أهم هذه الصدمات في: هبوط الطلب المحلي والخارجي، وانخفاض التجارة، واضطراب سلاسل الإنتاج والتزويد (Industrial & Supply Chain)، وتراجع ثقة المستهلكين، وازدياد الضغوط على أسواق المال، وشح السيولة، وتواجه البلدان المصدرة للنفط في المنطقة صدمة إضافية تتمثل في الهبوط الشديد في أسعار النفط بنسبة تزيد على 50 في المئة.

مروحة التداعيات

يفنّد أزعور قنوات انتقال التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا على دول المنطقة، فيرى أن "إجراءات منع انتشار الجائحة تضر بأهم القطاعات الغنية بالوظائف، فقد وصل إلغاء الرحلات السياحية في مصر إلى 80 في المئة، بينما تأثرت خدمات الضيافة والبيع بالتجزئة في الإمارات العربية المتحدة وبلدان أُخرى. ونظراً الى الاعداد الهائلة من العاملين في قطاع الخدمات، ستكون هناك أصداء واسعة إذا ارتفعت البطالة وهبطت الأجور وتحويلات العاملين في الخارج".

وفي الوقت نفسه، "اضطربت عمليات الإنتاج والصناعة التحويلية، بينما أُرجئت الخطط الاستثمارية، كما إن الارتفاعات الحادة في العزوف عن المخاطر وهروب رؤوس الأموال إلى الأصول المأمونة، أدت إلى تراجع تدفق الاستثمارات إلى أسواق المال في المنطقة بنحو ملياري دولار منذ منتصف شباط/فبراير، بينما شهدت الأسابيع الأخيرة خروج تدفقات كبيرة، فانخفضت أسعار الأسهم، واتسعت فروق العائد على السندات، في وقتٍ تشير التقديرات إلى وصول الديون السيادية الخارجية التي يحل أجل استحقاقها على المنطقة في 2020 إلى 35 مليار دولار".

أسلحة محدودة

يعتبر أزعور أن "الأولوية القصوى على مستوى السياسات في المنطقة هي حماية سكانها من مرض فيروس كورونا، وفضلاً عن هذه الضرورة الحتمية، يجب توجيه السياسات الاقتصادية نحو منع الجائحة من التطور والتحول إلى ركود اقتصادي مطول مع ما ينجم عنه من خسائر دائمة نتيجة تزايد البطالة وحالات الإفلاس".

ويرى أن "الدعم المالي المؤقت من قِبل حكومات المنطقة يجب أن يُوجّه بدقة إلى الأسر والشركات المتضررة، وأن يهدف إلى مساعدة العمالة والشركات على تجاوز توقف النشاط الاقتصادي بشكل كبير، وأن يأخذ في الاعتبار محدودية الحيز المالي المتوفر، وذلك عبر إعادة تحديد الأهداف ذات الأولوية على جانبي الإيرادات والمصروفات في حدود اعتمادات الموازنة القائمة".

أما في الدول التي يشكل فيها نقص السيولة مصدراً رئيسياً للقلق، "فيجب أن تكون البنوك المركزية على أهبة الاستعداد لتقديم السيولة للبنوك، خصوصاً تلك التي تقرض المشروعات الصغيرة والمتوسط، بينما تستطيع الأجهزة التنظيمية أن تدعم إعادة هيكلة الديون المتعثرة بحذر من دون التأثير على قواعد تصنيف القروض ورصد مخصصاتها".

توجيه التمويل بعقلانية

يُنوّه أزعور بأن "عدداً كبيراً من دول المنطقة بدأ العمل بالفعل على تنفيذ إجراءات موجهة. فعلى سبيل المثال، أعلنت العديد من الدول، مثل السعودية والإمارات وقطر ومصر، عن وضع برامج تمويلية كبيرة لدعم القطاع الخاص. وتتضمن هذه البرامج إجراءات موجهة لتأجيل دفع الضرائب والرسوم الحكومية، وتأجيل سداد القروض وتقديم المزيد من التمويل الميسر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة".

أما بالنسبة إلى البلدان المستوردة للنفط، "فالحيز المتاح من السياسات لديها محدود بدرجة أكبر. وتشير التوقعات إلى أن انخفاض الإيرادات الناتج عن انخفاض التصدير، علاوة على زيادة الإنفاق لتخفيف آثار كورونا، سيفضي إلى اتساع معدلات عجز المالية العامة في هذه الاقتصادات، كما إن الارتفاع البالغ في مديونية عدد كبير من هذه البلدان يعني أنها ستفتقر إلى الموارد اللازمة للاستجابة بشكل كافٍ حيال تباطؤ النشاط الاقتصادي الأوسع. وعليه، ينبغي أن تسعى هذه البلدان الى تحقيق التوازن بين تيسير الأوضاع الائتمانية وتجنب التعرض لصدمات خروج التدفقات الرأسمالية، والسماح، حيث أمكن، باستخدام سعر الصرف في تخفيف حدة الصدمة، ومن المرجح أن تنشأ احتياجات تمويلية هائلة في بعض البلدان".