إلى متى ستصمد سلاسل التوريد في ظل كورونا؟

  • 2020-03-26
  • 07:38

إلى متى ستصمد سلاسل التوريد في ظل كورونا؟

الحكومات الخليجية تؤكد كفاية المخزون التمويني لأشهر عدة

  • رانيا غانم

وسط مشاهد الرفوف الفارغة في السوبرماركت وتزاحم المستهلكين لشراء المنتجات الغذائية وتخزينها تخوفاً من انقطاعها، بعد إعلان حالة طوارئ صحية في الكثير من الدول أجبرت المواطنين على التزام منازلهم، سؤال يُطرح: هل من داع لتخزين المواد الغذائية؟ وهل فعلاً ثمة نقص حاصل في سلسلة التموين؟

تُبذل جهود حثيثة على مستوى العالم من أجل ضمان انسياب البضائع إلى الأسواق كالمعتاد، وقد أكد المسؤولون عن الشحن والموانئ ضرورة إزالة القيود عن جميع الموانئ وتسهيل التجارة وعدم تجميد خطوط الإمداد، في وقت اتخذت فيه معظم البلدان خطوات صارمة كاحتجاز السفن والحجر على طواقمها للحد~ من انتشار فيروس كورونا. وقد دعا كل من اتحاد غرفة الشحن الدولية الذي يمثل أكثر من 80 في المئة من الأسطول التجاري العالمي، والرابطة الدولية للموانئ والمرافئ مجموعة دول العشرين إلى تسهيل عمليات الشحن البحري لضمان تدفق البضائع، وأشار الاتحاد إلى أن ضمان استمرارية الشحن البحري من دون قيود سيحافظ على تدفق المواد الغذائية والأدوية والسلع الأساسية إلى البلدان التي هي بحاجة إليها. وطلب من مجموعة العشرين التعاون بهدف إيصال هذه الرسالة إلى جميع البلدان.

خليجياً، تسارعت الجهات المعنية ووزارات التموين إلى تطمين المستهلكين حول وفرة المخزون التمويني الغذائي، على الرغم من أن الصين، معقل تفشي فيروس كورونا، تأتي في طليعة الدول التي تستورد منها السعودية (2.5 مليار دولار)، تليها الولايات المتحدة (1.8 مليار دولار، وفق الهيئة العامة للإحصاء السعودية) التي ينتشر فيها الوباء بسرعة قياسية. ووقف وزير التجارة السعودي ماجد بن عبد الله القصبي على وجود مخزون كاف يلبي حاجة السوق على الرغم من الظروف الاستثنائية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة للوقاية من فيروس كورونا، قائلاً: "إن المملكة تحقق أعلى المعايير في وفرة المخزون الغذائي وكمياته الضخمة جداً في منافذ البيع بالجملة والتجزئة وفي أسواق الخضار والفواكه والمحال المتخصصة في بيع اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك وغيرها.  وتعمل الوزارة على تلبية شكاوى النقص في المنتجات فور ورودها وتطبق العقوبات النظامية بحق المخالفين".

مخزون يكفي لستة أشهر

الصورة ليست مغايرة في الإمارات، حيث أكدت وزارة الاقتصاد توافر السلع الأساسية والغذائية والطبية في الأسواق، وأن حركة استيراد السلع تجري بالصورة المطلوبة لتلبية حاجة السوق. وعلى الرغم من ارتفاع الطلب في المتاجر الكبرى، إلا أن الطلب على المواد التموينية انخفض نتيجة تراجع الطلب في الفنادق والمطاعم. وقالت الوزارة إن ثمة فائضاً من الخضروات والفواكه والسلع الغذائية يكفي لمدة ستة أشهر. ويقول سلطان المنصوري وزير الاقتصاد :"إن الحالة العامة مطمئنة للغاية، وإن ثمة استقراراً كبيراً في عمليات التوريد مع تنوع الأسواق الدولية التي يستورد منها التجار مثل أسواق أميركا الشمالية والجنوبية وجنوب أفريقيا". ويضيف:" إن قطاع النقل يلبي احتياجات السوق بسرعة فائقة، حتى إن أسواقاً مجاورة تعتمد عليه لإعادة تصدير السلع والمواد الغذائية"، وشدد كبار التجار على عدم وجود أي عقبات في نقل السلع من الأسواق الدولية إلى الإمارات. وقد أعلنت مصانع المواد الغذائية الإماراتية أنها على أتمّ الاستعداد لتلبية حاجة السوق، وأشارت مجموعة أغذية الشركة المصنّعة للمواد الغذائية أنها مؤهلة وجاهزة لتأمين الطلبات والكميات التي ممكن أن يطلب توفيرها من الشركة ما يساهم في تأمين الأمن الغذائي للإمارات.

كذلك الحكومة القطرية، أفصحت عن خطة محكمة تعمل عليها لضمان استمرار تدفق السلع والخدمات والمنتجات الغذائية والتموينية في الأسواق المحلية من دون انقطاع وبكميات تفي باحتياجات المستهلكين. 

جهوزية تامة في الأردن

من الخليج إلى الأردن المشهد مشابه، حيث أكّد تجار ومصنعو مواد غذائية توفّر جميع المواد التموينية بكميات تلبي احتياجات المواطنين لمدة طويلة، ووضعت الحكومة خطة لمواجهة أي تداعيات قد تنجم عن إغلاق لبعض الأسواق أو حظر من قبل بعض البلدان على التصدير بما يضمن استمرار تدفق السلع وتعزيز المخزون من المواد الغذائية. وتعمل مصانع الغذاء الأردنية بأقصى طاقاتها لتغطية احتياجات السوق المحلية وأسواق التصدير، وتشكل الصناعة المحلية 52 في المئة من حصة الغذاء المستهلك. وثمة بعض القطاعات الفرعية التي تغطي احتياجات الأردن بالكامل كالألبان وبيض المائدة ومنتجات الدجاج وغيرها. 

ولم تقتصر التطمينات على الدول، بل سارعت سلسلة المتاجر مثل "كارفور" إلى التأكيد على وفرة المخزون التمويني، مشيرة إلى أن فرق عملها تعمل على مدار الساعة لضمان ملء الرفوف في فروعها بالأطعمة الطازجة والمنتجات الأساسية التي يحتاجها الجميع ولفترة طويلة، ودعت "كارفور" إلى الاستهلاك بمسؤولية وأخذ حاجات الغير في الاعتبار. 

الصين اليوم... ليست كما قبل

لكن عالمياً، أعرب خبراء عدة متخصصين في سلسلة الموارد عن مخاوفهم بشأن تأثيرات الفيروس التاجي على تدفق المنتجات، واعتبر بعضهم أن تداعيات الفيروس على سلاسل التوريد في مختلف أرجاء العالم قد تكون أسوأ بمرات عدة من تأثيرات فيروس سارس الذي انتشر من الصين أيضاً في العام 2003، إذ إن اعتماد الشركات العالمية على الصين كمورد أساسي للمنتجات الغذائية والبلاستيكية والمعدنية التي تدخل في جميع الصناعات ارتفع بشكل كبير منذ العام 2003، وهذا الأمر سيكون له انعكاس على المصانع الغذائية والمطاعم وتحديداً تلك التي تقدّم الوجبات السريعة وستظل انعكاساته مستمرة لأشهر عدة. ومع تفشي المرض في القارتين الأوروبية والأميركية وارتفاع عدد المدن المحجورة وانخفاض عدد العمال وتعليق الرحلات الجوية والشحنات المتقطعة ستزداد الأزمة سوءاً، وكلما استمر هذا الوضع كلما تعمقت المشكلة، لكن في مقابل هذه الرؤية التشاؤمية، ثمة خبراء يشيرون إلى أن تأثير الفيروس على سلسلة التوريد قد يكون قصير المدى لأن الشركات الصينية الكبرى التي تغذي الموردين قد استأنفت عملياتها الإنتاجية. 

ويجد المستهلكون أنفسهم في دول أوروبية كثيرة مثل بريطانيا واسبانيا أمام رفوف فارغة، ويرجّح أن يشكل الفيروس المستجد الذي يستشري بسرعة هناك، ضغطاً على الأقل في المدى القصير على إمدادات الغذاء. لكن رسائل عدة وجهتها العواصم الأوروبية والمتاجر الكبرى فيها تفيد بكفاية السلع التموينية، وقد طلبت المتاجر الكبرى في بيان مشترك لها من عملائها التسوق بطريقة معتدلة بهدف توزيع المنتجات التموينية بعدالة بين المستهلكين.   

ويتخوف المزارعون أيضاً من قدرتهم على الاستمرار في تأمين ديمومة الإنتاج، ولاسيما أن جزءاً كبيراً من عاملي الزراعة حول العالم يعيشون سوية، الأمر الذي قد يرفع نسبة الإصابة بالفيروس، وقد بادر جزء كبير منهم إلى اعتماد سياسة الحجر الصحي للوقاية، ووقف العمل في الزراعة سيكون مدمراً على الإمدادات الغذائية. 

رقابة فاستقرار في الاسعار

نفاذ السلع الاستهلاكية عن رفوف المحال التجارية، لا بدّ وأن يؤول إلى ارتفاع في الأسعار، لكن الحكومات العربية تدخلت مجدداً وكثّفت جهودها بهدف مراقبة الأسواق التجارية للتحقق من استقرار الأسعار. ويشير الوزير القصبي في هذا الإطار، إلى أن فرق عمل الوزارة تعمل على مدار الساعة ونفّذت خلال الفترة الماضية جولات على أكثر من أربعة آلاف هايبر ماركت في جميع مناطق المملكة لمراقبة الأسعار، ويقول: "لن يكون هناك أي تهاون تجاه المخالفين، وسنضرب بيدٍ من حديد، وسنعاقب كل من يخالف أو يستغل هذا الظرف في التلاعب أو التأثير على الأسعار"، كذلك الحكومة القطرية تقوم بحملات رقابة مستمرة على الأسعار، لمنع الممارسات الاحتكارية"، وأكدت وزارة الاقتصاد الإماراتية أن السلع ستبقى على أسعارها الحقيقية من دون أي زيادة فيها، وقد شكلت الوزارة أربع لجان بالتعاون مع دوائر التنمية الاقتصادية للوقوف على حجم الطلب والرقابة على الأسواق. 

إجراءات ملحة ينبغي اتخاذها

ولكن السؤال، هو كيف يمكن لقادة سلاسل التوريد في العالم أن تتحضر للمرحلة المقبلة؟ وتشير دراسة أعدّتها "ماكينزي آند كومباني" إلى أن الاستجابة الكاملة للطلب تتطلب من قادة سلاسل التوريد اتخاذ إجراءات سريعة ومعالجة لبعض القضايا. وينبغي بحسب الدراسة، خلق شفافية على جميع مستويات سلاسل التوريد وذلك من خلال تحديد مصادر التوريد والمصادر البديلة لها، ويجب أيضاً تقدير المخزون المتوافر من المنتجات واستخدامه كوسيلة لضمان استمرارية الإنتاج، وتشير الدراسة إلى ضرورة إجراء تقييم للطلب من قبل المستهلك النهائي ودراسة سلوكيات الشراء لديه، لأنه عادة في الأزمات الطلب على منتجات معينة قد يتغير مما يخلق صعوبة في تقديره،  ومن ثم مناقشة النتيجة مع فريق المبيعات. وهنا يمكن للقادة الاستعانة بقنوات التواصل الاجتماعي وقاعدة البيانات المتوافرة لتقدير الطلب. وينبغي على قادة التوريد تحسين القدرة على الإنتاج والتوزيع من خلال اتخاذ إجراءات تساهم في ضمان سلامة الموظفين مثل توفير معدات الحماية الشخصية لهم ودرس خيارات العمل عن بُعد للتخفيف من خطر العدوى بفيروس كورونا، ويجب على القادة أيضاً في هكذا أزمات تحديد قدرة الشركة اللوجيستية ومرونتها في تسليم المنتجات بالسرعة المطلوبة، وهنا يمكن للشركات أن تتعاون مع شركاء استراتيجيين لزيادة قدراتها بأقل كلفة ممكنة.

إن تحديد المخاطر المباشرة لسلسلة التوريد ورصد نقاط الضعف فيها، وفق "ماكينزي" يسمح للقادة بتصميم استراتيجية توريد مرنة للمستقبل، ويعزز التعاون بين الموردين من أجل ضمان استمرارية تأمين موارد التموين للمستهلكين.

وينبغي أن تكون معالجة المشاكل التي تواجه شركات سلاسل التوريد، ولا سيما السلع الاستراتيجية التموينية، أولوية، ولا بدّ أن تتمحور المهام وفق "ماكينزي" بعد انحسار جائحة الفيروس التاجي حول تحسين وتعزيز قدرات سلسلة التوريد كي تتمكن الشركات أكثر استعداداً وجهوزية للخروج من أزمات مماثلة في المستقبل إلى حين معالجة المشكلة عالمياً، ويتوجب على المستهلكين أن يؤمنوا حاجياتهم الغذائية لمدة شهرعلى الأقل، لكن في المقابل، لا داعي للتهافت على المتاجر وتخزين كميات كبيرة لأن الدول بأجمعها تملك احتياطات كافية ومخزوناً استراتيجياً يغطي احتياجات المستهلكين لمدة كافية.