دانا سلباق: المبادرات الحكومية قادرة على تحفيز قطاع العقارات

  • 2020-03-05
  • 11:55

دانا سلباق: المبادرات الحكومية قادرة على تحفيز قطاع العقارات

حديث خاص مع رئيسة قسم البحوث في شركة الاستثمارات والاستشارات العقارية جيه إل إل

  • دبي - سليمان عوده

ما زال القطاع العقاري الإقليمي يحفل بالفرص، بالرغم من بعض المشاكل الآنية التي يواجهها، وببعضها يرتبط بوفرة العرض. هذا ما تؤكده رئيسة قسم البحوث في شركة الاستثمارات والاستشارات العقارية "جيه إل إل" دانا سلباق، التي التقيناها في دبي، وكان معها هذا الحوار الخاص:

ما أبرز السمات التي تميز بها العام 2019 على المستوى العقاري؟ 

ينظر فريق الأبحاث في "جيه إل إل" في ثلاث سمات أساسية للسوق، هي العرض والطلب والأداء. على مستوى العرض، وأتحدث هنا عن دبي، جمعت الشركة بيانات عن جميع المشاريع ضمن مختلف فئات الأصول، سواء أكانت سكنية أو مكتبية، أو تندرج ضمن قطاع البيع بالتجزئة والفنادق. جُمعت البيانات باستخدام الاستمارات والمسح الميداني لمواقع المشاريع القائمة، وبالشكل الذي يساعد في معرفة المرحلة التي قد يكون بلغها كل مشروع على حدة، فنعرف إن كان دخل فعلاً حيز التسليم، أو ما زال في طور التنفيذ، أو حتى إن كان لم يدخل هذه المرحلة الأخيرة بعد. وفي المحصلة، وجدنا أنه جرى في دبي تسليم 35 ألف وحدة سكنية في العام 2019، وهو رقم قياسي بالفعل، إذ لم يسبق أن شهدت السوق مثيلاً لهذا الرقم في السنوات التي سبقت. بطبيعة الحال، ساعد على زيادة هذه الأرقام الجهود التي تبذل لتسليم المشاريع قبيل حلول موعد "إكسبو 2020". الأمر الآخر اللافت للنظر في أرقام العام 2019 هو الانخفاض الملحوظ في عدد المشاريع الجديدة التي يتم الإعلان عنها. 

 

على ماذا يدل هذا الانخفاض؟ 

يعكس هذا الانخفاض حذر المطورين، الذين يبدو أنهم اتخذوا قراراً بالتمهل قبيل إطلاق مشاريع جديدة، ريثما يتبينون على نحو دقيق حجم الإقبال على الوحدات التي جرى تسليمها خلال العام 2019. هذا التأني من قبل المطورين في طرح مشاريع جديدة سوف ينعكس بطبيعة الحال بشكل إيجابي على السوق. 

 

ماذا عن توقعات العام 2020؟ 

بالنسبة إلى القطاع السكني، نتوقع أن يشهد العام الحالي تسليم كمية كبيرة من الوحدات السكنية، تضاهي في عددها ما سُلِّم خلال كامل العام 2019. ثمة، على وجه التحديد، 63 ألف وحدة سكنية ينتظر أن تسلم، لكن خبرتنا تفيد بأن نصف الوحدات المعلن عنها يجري تسليمها في موعدها المعلن مسبقاً، لذا، نتوقع تسليم نصف عدد الوحدات السكنية قيد الإنشاء خلال العام 2020، أي ما يفوق 30 ألف وحدة سكنية جديدة. من الأكيد أنَّ ذلك سيضاعف الضغوط على الأداء وعلى الأسعار وعلى معدلات الإيجار، لكن بنسبة أقل مما اختبرناه خلال السنوات الماضية. 

 

كيف ولماذا سيكون التأثير أقل؟ 

يعود الأمر إلى المبادرات التي أطلقتها الحكومة خلال العامين الماضي والحالي، سواء بهدف دعم الطلب أو لوضع ضوابط للوحدات الجديدة التي تضخ في السوق. وقد شهدنا خلال العام الحالي إطلاق اللجنة العليا للتخطيط العقاري، التي تأسست بهدف وضع ضوابط لعدم إغراق السوق بفائض من المعروض، ولمراجعة جميع المشاريع ووضع الضوابط على المطورين. 

 

مبادرات داعمة

كيف أثرت المبادرات الرسمية المختلفة على أداء السوق؟ 

أثرت إيجاباً على حركة السوق ككل. وبرأيي، يتمثل تأثيرها الأبرز في أنها عززت ثقة المستثمرين بالأداء المستقبلي للسوق، وولدت انطباعاً عميقاً بأن الجهات الرسمية جاهزة للتدخل في الوقت المناسب ومعالجة المشكلات التي يواجهها القطاع، وبأنها تحسن تقدير الواقع، وتطرح الحلول الإنقاذية المناسبة. لم يمض أكثر من عام واحد على تأسيس اللجنة، وبالتالي، فمن المبكر البحث عن تأثيرات إيجابية عميقة قد تتولد عن عملها. وأعتقد أن نتائج عملها قد لا تظهر إلا بعد عام من الآن، أي بعد انتهاء "إكسبو 2020". سيكون السوق ابتداء من منتصف 2021 أكثر استقراراً، وستكون نتائج هذه المبادرة قد ظهرت بوضوح. 

 

يبدو واضحاً أن المبادرات الحكومية تخدم حتى الساعة قطاع الضيافة أكثر من سواه؟ ما رأيك؟ 

ما يخدم قطاع الضيافة على وجه الخصوص هو أن العديد من المشاريع التي يتم تسليمها حالياً هي مشاريع فندقية من فئة ثلاث نجوم وأربع نجوم. هذا الأمر يساعد دبي على تنويع معروضها الفندقي ليناسب جميع التوجهات، خصوصاً أن الإمارة تشتهر بالسياحة الباذخة، وتعرف على مستوى العالم بأنها المدينة التي تضم فنادق من فئات ست وسبع نجوم. وبطبيعة الحال، سيدخل المعروض الجديد تعديلاً على هذه الصورة، لا سيما بالنسبة إلى المشاريع الجديدة التي تسبق موعد "إكسبو 2020". من المتوقع أن يستقطب "إكسبو 2020" زواراً من بلدان متنوعة وجنسيات مختلفة، بعضها لا تعد دبي بالنسبة إليه مقصداً رئيسياً. وبالتالي، تقدم المشاريع الجديدة منتجات فندقية بأسعار معقولة. وفي المحصلة، سنكون أمام سوق للضيافة أكثر تنوعاً، ترضي تطلعات معظم الزوار وتناسب جميع الميزانيات. 

 

ما هي برأيك، وبحسب البيانات التي تجمعت لديك، الفروقات الرئيسية في أداء السوق بين دبي وأبوظبي؟ 

تشيع في أوساط المستثمرين مقولة إن دبي تعاني مشكلة في العرض، في حين أن أبوظبي تواجه مشكلة في الطلب. فالمعروض العقاري في أبوظبي أكثر استقراراً، لا سيما في القطاع السكني، ويتمثل التحدي الأساسي في دعم الطلب. في نيسان/أبريل 2019، منحت أبوظبي الأجانب حق التملك، ما دعم المبيعات على الخريطة. في النتيجة، لاحظنا أن أرقام المبيعات ازدادت بنسبة كبيرة في أبوظبي في النصف الثاني من العام 2019. 

 

 

توجه إيجابي

كيف أثر فائض المعروض على الأسعار، لا سيما في دبي؟

شهدنا في دبي هذا العام تراجعاً في أسعار الوحدات السكنية بمعدل وسطي يعادل ٥ بالمئة. وبالطبع، حافظت العديد من المناطق في الإمارة على مستوياتها السعرية السابقة، وشهدت استقراراً نسبياً ملحوظاً، خصوصاً في مناطق مثل داون تاون دبي وبالم جميرا، وهي مناطق "أيقونية" إن جاز التعبير بالعربية، تشهد دائماً معدلات أداء تفوق السوق. ويبدو التراجع أكبر في معدلات الإيجار، حيث يتراوح ما بين 8 بالمئة و10 بالمئة في دبي على مستوى النتائج السنوية. لكن بالمقارنة بين فصل وآخر، نلاحظ أن وتيرة التغيير أبطأ، حيث يتراوح الانخفاض في الأسعار بين فصل وآخر في دبي بواقع واحد إلى اثنين بالمئة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أبوظبي.

 

يعتقد البعض أن الأسعار لم تصل إلى مستواها الحقيقي بعد، وأنها، بالرغم من كل التراجعات، ما زالت أعلى مما يجب أن تكون عليه في الواقع. ما رأيك بذلك؟

هذا صحيح، لكننا نرى في الوقت نفسه أن العديد من اللاعبين الكبار في السوق، ومنهم إعمار في دبي على سبيل المثال، يقدمون خطط تسديد بميزات تنافسية للغاية، تصب في الغالب في صالح الشراة. وفي حالة إعمار بالذات، فأنت تشتري أحياناً عقاراً بسعر مرتفع، لكنك تشتري نوعية جيدة جداً. كذلك، فإن العقار الذي تقوم بابتياعه يقع في مناطق أساسية في المدينة، مثل داون تاون أو أرابيان رانشز أو دبي هيلز. أكثر من ذلك، أنت تشتري دائماً عقاراً يندرج ضمن مخطط حضري متكامل، أي أنك تشتري عقاراً سكنياً متكاملاً يجري تشييده بالتوازي مع كل ما يلزم من بنى تحتية خاصة بالمنطقة سواء على مستوى الخدمات أو على مستوى متاجر البيع بالتجزئة وخلاف ذلك. وبنفس الوقت، يمدون إليك يد المساعدة في خطط الدفع. 

 

ماذا عن اليوم الأول بعد انتهاء “إكسبو 2020”، خصوصاً أن كل الجهات المطورة تضع هذا الحدث في صلب خططها؟

ثمة علامة استفهام كبيرة حول هذا الموضوع. تثار في الوقت الراهن الكثير من التساؤلات المشروعة حول الفائض المنتظر في المعروض آنذاك، فضلاً عن أسئلة ذات صلة باستخدام الموقع بعد الانتهاء من “إكسبو 2020”، وما المطلوب لتيسير وتحفيز الطلب. لكنني أعتقد شخصياً أننا سنشهد إطلاق الكثير من المبادرات خلال العام الجاري، وكلها ذات صلة بالخطط المستقبلية المنتظرة للمرحلة التي ستلي "إكسبو 2020".

 

 

نشاط ملحوظ

ما أبرز سمات السوق العقاري في السعودية في المرحلة الراهنة؟

في السوق السعودي شهدنا مبادرات ضخمة حديثاً، تستظل كلها “رؤية المملكة 2030”. شهدنا إعلان السعودية عن موازنة العام الحالي، التي بلغت تريليون ريال. وإذا صح أن هذه الميزانية تقل عن مثيلتها للعام 2019، فإن من الملاحظ تغيير الأولويات بما يتناسب مع “رؤية 2030”، سواء لناحية التركيز على تحسين نمط العيش، وتطوير وتعزيز الجوانب الاجتماعية، والأهم، دعم القطاع الخاص وإيجاد السبل المثلى لإشراكه في الاقتصاد الوطني. هذه الأولويات الثلاث تبدو ذات أهمية محورية في المديين القريب إلى المتوسط، ونتوقع أن ينجم عنها نشاط تجاري أكبر شأناً. جميع المشاريع التي تم الإعلان عنها حتى الساعة هي مشاريع عملاقة، أنجزت دراسات الجدوى الخاصة بها، وستدخل الآن حيز التنفيذ، ونتوقع بالتالي أن نرى حركة بناء واسعة النطاق ونشاطاً ملحوظاً في المشاريع التجارية الجديدة، وزخماً في تطوير البنية التحتية. وما أكثر الأمثلة على ذلك، ومنها مشروع مترو الرياض مثالاً لا حصراً. 

 

هل من فروقات ملحوظة بين مناطق السعودية الرئيسية، لنقل الرياض وجدة؟ 

شهدنا فروقات ملحوظة خلال العام الماضي بالتحديد، خصوصاً لناحية أن المشاريع التي كانت قد دخلت مرحلة دراسة الجدوى، كانت القرارات بشأنها تتخذ من الرياض، لأن المقرات الرئيسية لهذه المشاريع هي في الرياض. لكن نشهد اليوم إعادة توزيع، حيث العديد من المشاريع، وأغلبها في جدة ومنطقة البحر الأحمر عموماً، تقوم بنقل مقراتها إلى المناطق التي ستشهد البدء بتنفيذ المشاريع. وبالتالي، نتوقع أن نشهد حركة أكبر هناك في المرحلة المقبلة. لكن بشكل عام، يمكن القول إن النشاط التجاري والعقاري الفعلي كان متمركزاً في العام 2019 في الرياض. 

 

كيف ستؤثر النهضة المنتظرة في السعودية، خصوصاً في شقها السياحي والخدماتي، على دبي؟ هل تتوقعين تنافساً أم تكاملاً أم ماذا؟ 

في المدى المنظور، لا أتوقع أن يكون هناك أي تأثير ملحوظ لسرعة التحولات في السعودية على دبي. أما على المدى البعيد، فإن دبي أكثر تطوراً، وخصوصاً لناحية البنية التحتية من المطارات إلى الطرق وغيرها. دبي أكثر تطوراً بما تقدمه من خدمات كذلك. هذه الشروط تلعب دوراً أساسياً في التجربة التي تقدمها دبي للسائح ولقاصدها. في المقابل، تتمحور الجهود التي تبذلها السعودية في الوقت الراهن حول كيفية استقطاب السياح المحليين. هذه الشريحة من الجمهور المستهدف تختلف في طبيعتها عن السائح السعودي الذي يزور دبي. دعنا لا ننسى أيضاً أن السائح السعودي الذي يأتي إلى دبي يملك في الغالب منزلاً في دبي. كثيرون أيضاً يملكون مؤسسات. أكثر من ذلك، صرت ألاحظ على نحو متزايد أن الكثير من الطلاب السعوديين، ممن كانوا يتوجهون إلى مصر أو لبنان للدراسة، أو حتى أوروبا والولايات المتحدة، باتوا يقصدون دبي، لأن قطاع التعليم فيها متطور. بالتالي، ولناحية الطلب بالتحديد في دبي، أتوقع أن يبقى على حاله. ما زال الطريق أمام السعودية إلى تحقيق “رؤية 2030” طويلاً، ولا يمكن لأي من المشاريع العملاقة أن يبنى بين لحظة وضحاها. 

 

 

دبي أفريقيا

ماذا بالنسبة إلى مصر، وقد حققت تحسناً اقتصادياً ملحوظاً أخيراً مدفوعة بسلة إصلاحات شاملة ساهمت في استعادة ثقة المستثمرين بالبلد وباقتصاده؟ 

نجمع بيانات بشكل رئيسي عن القاهرة، وهي السوق الأفضل أداء في قطاع العقارات على المستوى الإقليمي. من الملاحظ أن القاهرة تستعيد عافيتها، بعد أن خاضت تجربة صعبة منذ بدايات الربيع العربي وحتى الساعة. يشهد النشاط التجاري في مصر تحسناً، والكثير من الشركات الرئيسية التي تتمركز في دبي لتخدم دول مجلس التعاون الخليجي، باتت تتطلع اليوم للتمركز في القاهرة بهدف خدمة سوق أفريقيا. مصر تتطور، وإن ببطء، كمركز للأعمال، كما أنها تحقق تقدماً في مجال الخدمات اللوجستية. تتمتع قناة السويس، من الناحية اللوجستية، بإمكانيات ضخمة لتخدم كامل قارة أفريقيا. ومن المتوقع أن نشهد تطورات مماثلة في قطاع الفنادق. 

 

نلاحظ اهتماماً بالمغرب في الدراسات التي تصدرونها. ما أهمية هذه السوق؟

نركز على بيانات العقارات المكتبية وعلى القطاع الصناعي في المغرب، لا سيما أن الصناعة تمثل النشاط الأكثر تطوراً في هذا البلد. ونتوقع أن يسهم نمو النشاط الصناعي في تحفيز قطاعات مرتبطة بها، خصوصاً القطاع اللوجستي.

 

وماذا عن لبنان؟

لا يندرج لبنان للأسف ضمن الأسواق التي نغطيها. لكن من المؤسف أن يغرق بلد يتمتع بكل هذه الإمكانيات في الفوضى والإهمال وعدم الفعالية.