هل يُخرج استخراج الغاز لبنان من أزماته ؟

  • 2022-10-15
  • 10:30

هل يُخرج استخراج الغاز لبنان من أزماته ؟

  • أحمد عياش


بعدما لاحت آفاق اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأميركية، كان الاهتمام يتجه الى كيفية استفادة لبنان من ثروة الطاقة في بحره بجنوب البلاد. ومن هنا، أمل المبعوث الأميركي الذي تفاوض على الاتفاق في أن يبدأ كونسورتيوم من الشركات العمل في المياه اللبنانية "في غضون أسابيع". وبحسب رويترز، قال عاموس هوكشتاين إنه يأمل في أن تكون شركة توتال إنرجيز إس إي في أن تبدأ التنقيب عن الغاز في الكتل البحرية اللبنانية ضمن هذا الإطار الزمني.

في الوقت نفسه، بات واضحاً أن إمكانية استخراج الغاز من المنطقة الاقتصادية الخاصة التابعة للبنان وتالياً بيعه، هي مسألة أعوام. فهل الأمر سيطول كذلك كي يخرج هذا البلد من أزماته الاقتصادية المستفحلة؟

من خلال ردود الفعل على اتفاق الترسيم، يتبيّن ان الأطراف المعنية بالاتفاق وفي مقدمهم الرئيس الأميركي جو بايدن، يرون انه ليس شرطاً ضرورياً أن يتلازم خروج الغاز من باطن البحر اللبناني مع خروج لبنان من هذه الازمات، إذا ما كانت هناك خريطة طريق بانت ملامحها في المحادثات التي أجراها المسؤولون مع صندوق النقد الدولي، غير إن التوصل الى اتفاق الترسيم أدخل حوافز جديدة غير مسبوقة، ما يؤشر الى ان الظروف باتت مؤاتية أكثر كي يسبق الحل للازمات الاقتصادية والمالية استخراج الثروة البحرية. ويعتقد مراقبون ان هذه الاسبقية مردّها الى أسباب سياسية ناجمة عن الظروف التي أتاحت لاتفاق الترسيم أن يبصر النور بعد تأخير لعقد من السنين.

كيف تعامل صندوق النقد الدولي الذي تمنح الاتفاقات معه الثقة باقتصادات الدول قبل القروض، مع الأنباء عن اتفاق الترسيم البحري؟ على ما يبدو، أن لبنان ليس على لائحة الاهتمام الوشيك به لدى الصندوق. فالمديرة العامة للصندوق كريستالينا غورغييفا، وخلال مؤتمر صحفي في واشنطن يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، حضّت السياسيين اللبنانيين على "العمل لإرساء الاستقرار في البلاد" و"وضع بلادهم وشعبهم في المقام الأول" بغية الخروج من أزمة اقتصادية يرزح لبنان تحت وطأتها منذ العام 2019. وقالت غورغييفا في إطار الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي: "نحن بحاجة إلى التزام واضح على المستوى السياسي باستقرار لبنان. ضعوا بلادكم وشعبها في المقام الأول". وتابعت: "لا يسعنا أن نفعل شيئاً ما لم تُجرَ الإصلاحات. ولا يمكن إيجاد حل إلا إذا وضع اللاعبون السياسيون انقساماتهم جانباً ووضعوا أنفسهم في خدمة الشعب اللبناني الذي لا يستحق أقل من ذلك".

وهذه ليست المرة الأولى التي يوجّه فيها صندوق النقد الدولي انتقادات للسلطات اللبنانية حول إجراء الإصلاحات اللازمة لتحرير مصادر التمويل الدولية، وقد رأت الهيئة عقب زيارة بيروت أن هذا "التأخير قد يكون مكلفاً للبلاد".

وفي نيسان/ أبريل الماضي، أعلن الصندوق توصّله إلى اتفاق مبدئي مع لبنان قد يفتح في حال تنفيذ الباب امام برنامج مع الصندوق بقيمته التمويلية تقارب ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكن تطبيقه مرتبط بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات مسبقة وإقرار البرلمان لمشاريع قوانين ملحة، أبرزها قانون "كابيتال كونترول" الذي يقيّد عمليات السحب وتحويل العملات الأجنبية من المصارف، ومشروع قانون موازنة 2022، إضافةً إلى إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية.

وفي أواخر أيلول/سبتمبر، أقرّ البرلمان اللبناني قانون موازنة العام 2022 الذي يشكل أحد الشروط الرئيسية للصندوق لتحرير شريحة مساعدات مالية للبلاد. لكن الكثير من الإصلاحات الكبرى لا تزال من دون تطبيق، خصوصاً تعديل قانون السرّية المصرفية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإقرار قانون "كابيتال كونترول".

في العودة الى نص اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، وردت فقرة تقول "إنّ حكومة الولايات المتحدة تعتزم بذل قصارى جهودها ومساعيها لتسهيل الأنشطة النفطية الفورية والسريعة والمتواصلة التي يقوم بها لبنان"، والدافع وراء هذه الفقرة ان لبنان لا يزال في مرحلة التأسيس لاستخراج الطاقة والتي قد تمتد أقله لمدة أربعة أعوام. وعليه، فإن الولايات المتحدة أظهرت في الاتفاق انها عازمة على تسريع العمل في الجانب اللبناني كي يصل الى مرحلة جني العوائد.

وفي المعلومات التي جرى توزيعها حول الاتصال الهاتفي للرئيسيّن الأميركي واللبناني قال الرئيس بايدن للرئيس ميشال عون عن اتفاق الترسيم: "هي فرصة أيضاً لإعادة واستعادة الاستثمارات الأجنبية والخارجية في بلادكم، والتي أنتم بأمسّ الحاجة إليها، وهذا سيساعدكم أيضاً على تعزيز فرص استغلال واستكشاف النفط والغاز في بلادكم لتحسين حياة الملايين من شعبكم".

أما سفيرة الولايات المتحدة في لبنان دورثي شيا، فقالت من ناحيتها إن اتفاق الترسيم" يمهد الطريق للبنان أكثر استقراراً وازدهاراً"، كما قالت إنه سيشجع "الاستثمار الأجنبي في لبنان، وهو أمر بالغ الأهمية على خلفية الوضع الاقتصادي المدمر". وفي هذا السياق، يقول وزير المال اللبناني في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل، انه على الرغم من أن الترجمة المادية لخطوة الترسيم البحري قد تحتاج الى سنوات، إلا أنها تشكل رافعة معنوية للنهوض من حال الانهيار ولاستعادة الثقة والبدء بعودة الاستثمار الى لبنان، لكن الوزير الخليل من موقعه القريب جداً من الازمة المالية التي يغرق فيها لبنان، يقول:" صحيح أن خطوة الترسيم وضعت لبنان على خارطة الدول النفطية، لكن الصحيح أيضاً أن إدارة هذه الثروة بحكمة وشفافية هي صمام أمان النتائج المتوخاة منها"، وأعرب عن الامل ان "تنسحب وحدة الموقف اللبناني إزاء ملف الترسيم على الخطوات الإصلاحية الأقرب مدى، والتي وحدها القادرة في الظرف الراهن على انتشال الاقتصاد اللبناني والواقع المالي من تخبطه في أدق أزماته صعوبة وتعقيداً".

 

وفي تغطية لهذا التطور في العلاقات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، كتب باتريك كينغسلي تقريراً من القدس لـ "رويترز" قال فيه إن المسؤولين والمحللين "يأملون أن يمنح الاتفاق إسرائيل مزيداً من الأمن، ويسمح للبنان بهامش أكبر في المستقبل لحل أزماته الطاقوية والمالية، وتزويد أوروبا بمصدر جديد محتمل للغاز وسط نقص الطاقة الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا". "وقال محللون إن الاتفاق يوفر الأمن لإسرائيل وبصيصاً من الأمل على المدى الطويل للبنان الذي تسيطر عليه أزمة سياسية واقتصادية عميقة تسببت في نقص كبير في الطاقة وأدت إلى انقطاع التيار الكهربائي.

 

ولا يزال المسؤولون غير متأكدين من كمية الغاز الموجودة في حقل قانا. وعلى أي حال، سيستغرق الأمر سنوات لاستخراجها وتوزيعها على المستهلكين اللبنانيين، أو بيعها إلى الأسواق الخارجية.

واوضح أسعد جبران، وهو مستثمر في سوق الطاقة في الشرق الأوسط أن الحصول على عوائد مالية من مثل هذا المجال يستغرق سنوات، لكنها خطوة جيدة للمضي قدماً نحو تنمية الاقتصاد والحوكمة الناجحة في لبنان".

في انتظار ظهور نتائج اتفاق الترسيم البحري التي تعود على لبنان بالفائدة، استعاد الخبير الاقتصادي مروان إسكندر حقبة الستينات حتى أواسط السبعينات من القرن الماضي حيث كان مناخ العمل في لبنان "مشجّعاً للمؤسّسات العالمية يخاصّة منها المصارف وشركات إدارة الأموال وشركات التأمين". وقال "إن عدد المصارف الأجنبية العام 1974 بلغ 68 بنكاً"، وأضاف: "إن فترة النور هذه شهدت إنجاز خطوط النفط السعودية الى لبنان عبر الجولان ومن العراق عبر الاردن وسوريا الى لبنان، وكانت لنا مصفاتان في طرابلس وصيدا، وحصلنا في أول السبعينات على تسهيلات من العراق بتجميد سعر النفط الخام على مستوى 2.2 دولار للبرميل، واستمرت عمليات الاستيراد على هذا المستوى رغم أن سعر النفط ارتفع منذ العام 1973 نتيجة قرارات الملك فيصل حجب تصدير النفط الى الولايات المتحدة وهولندا لمناصرتهما إسرائيل في حرب 1973، وقد بلغ سعر النفط نحو عام 1975 أكثر من 60 دولاراً للبرميل والعراقيون التزموا بسعر التسليم المتفق عليه أي 2.2 دولار للبرميل".

 

كان ذلك في "الزمن الجميل" كما يقال. أما الآن، فإن لبنان يحلم بأن يخرج من أزمته الاقتصادية والمالية وسريعاً إذا أمكن، وذلك قبل استخراج غازه الموعود في اتفاق الترسيم.