سياسة بايدن في الشرق الأوسط وهواجس المملكة

  • 2022-05-12
  • 12:10

سياسة بايدن في الشرق الأوسط وهواجس المملكة

  • د. وليد صافي

استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية وباحث في المسائل الجيوسياسية


ظهر بايدن منذ بداية عهده، وكأنه يستنسخ عدداً كبيراً من التوجهات التي قادت سياسة اوباما الخارجية تجاه الشرق الاوسط، خصوصاً في ما يتعلق بالملف النووي الايراني ومستقبل الوجود العسكري الاميركي في المنطقة، وكذلك مستقبل النظام الاقليمي والتوازنات المرتقبة فيه. ولا شك في أن السياق الذي تجري فيه توجهات ادارة بايدن في ملفات الشرق الاوسط منذ اكثر من سنة، واقتراب هذه الادارة من العودة الى خطة العمل المشتركة مع ايران من دون اخذ هواجس المملكة العربية السعودية في الاعتبار، عمّق الاختلافات بين الجانبين حتى يمكن القول إن العلاقات الاميركية - السعودية دخلت في ازمة ثقة غير مسبوقة. فما هي خلفيات هذه السياسة ؟ 

الضغوط على المملكة وإزالة التصنيف الارهابي عن الحوثيين 

حدّدت وثيقة الدليل الاستراتيجي التي نشرتها إدارة بايدن في آذار/مارس 2021 اي بعد 45 يوماً على توليه الرئاسة، معالم سياسته الخارجية والتي ركّزت بشكل واضح على مخاطر صعود القوى المنافسة لواشنطن، مثل روسيا والصين والتهديد لزعامة الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين. وبالنسبة الى الشرق الاوسط، اشارت الوثيقة
"إلى تراجع الاهتمام بهذه المنطقة، وتعزيز الوجود العسكري الاميركي في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ وأوروبا "، كما اشارت إلى" بقاء القدر اللازم من القوة في الشرق الاوسط للقضاء على الشبكات الإرهابية، وردع العدوان الإيراني، وحماية المصالح الأميركية الرئيسة الأخرى"، وأوضحت الوثيقة ايضاً، القرار الاستراتيجي الاميركي بإنهاء "الحروب الأبدية" و"الالتزام الصارم تجاه أمن إسرائيل، والسعي لتعزيز اندماجها مع جيرانها واستئناف الدور الأميركي الداعي إلى تسوية القضية الإسرائيلية-الفلسطينية بناءً على حل الدولتين". ومن اللافت أنه في الوقت الذي اعلنت فيه إدارة بايدن عن سياستها بمواجهة صعود الصين في جنوب شرقي آسيا، وبتخفيض الوجود العسكري الاميركي في الشرق الاوسط، وقّعت الصين وإيران، اتفاقية شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً، تعهدت فيها الصين انفاق نحو 400 مليار دولار على البنى التحتية الايرانية في القطاعات كافة، ولاسيما منها قطاع الطاقة، مقابل أن تمد إيران الصين بإمدادات ثابتة وبأسعار منخفضة للغاية من النفط الذي يتعطش اليه الاقتصاد الصيني.

على اي حال، رسالة بايدن الاولى الى الشرق الاوسط كانت واضحة بتبني الخيار الدبلوماسي في التعامل مع قضايا المنطقة، وتشكيل فريق عمل على رأسه روبرت مالي الذي يؤيد بقوة العودة الى الإتفاق النووي مع إيران، ويتشاطر هذا الموقف مع معظم افراد فريق العمل، الذي تولى مسؤوليات في ادارة اوباما، وشارك افراده في المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاق النووي العام 2015. الرسالة الثانية كانت في التعامل البارد مع المملكة، إذ كان واضحاً منذ بداية عهد بايدن في كانون الثاني/يناير 2021، أن سياسته تجاه المملكة، ستكون تحت سقف ما سمي، "بإعادة ضبط العلاقات الاميركية مع دول الخليج بما يخدم مصالحها وقيمها". وبالتأكيد، فإن مسألة حقوق الانسان قد صارت واضحة بأنها تستخدم، بما يتوافق مع الاجندة السياسية للادارة الاميركية، مهما كان اللون الرئاسي ديمقراطياً أو جمهورياً، اذ رأى العالم بأجمعه، كيف ادخل ملف حقوق الانسان في فنزويلا بين ليلة وضحاها، الى الثلاجة، مقابل السعي لإعادة ضخ النفط الفنزويلي إلى اميركا. وقد نشهد الامر ذاته يتكرر قريباً مع إيران على خلفية الحاجة الى النفط الايراني لمواجهة النقص المتأتي عن حظر الاميركيين والبريطانيين لواردات الطاقة الروسية بعد حرب اوكرانيا. والجدير ذكره، أن "الخيار الدبلوماسي" الذي اعلنت عنه إدارة بايدن في سياستها الخارجية في الشرق الاوسط، لم تتحفظ عليه السعودية، ولكن بدلاً من أن تحتفظ الدبلوماسية الاميركية بخيارات الردع إلى جانب الخيار الدبلوماسي، وذلك كي تضمن النجاح، فإنها تخلت عن هذا الخيار، وتحولت الدبلوماسية الاميركية رهينة الاستراتيجية الايرانية التي تختبأ وراء التصعيد الذي تمارسه ميليشيا الحوثيين والتنظيمات الأخرى التي تدعمها ايران في المنطقة. ومن الواضح أن التخلي عن خيارات الردع كان على خلفية تصور اميركي لدور تلعبه ايران بعد توقيع الاتفاق في النظام الاقليمي الذي تتحضر الولايات المتحدة لتكريسه بعد إعادة هيكلة وجودها العسكري ووظائفه في المنطقة. وبالتالي، كانت الاولوية لدى ادارة بايدن، ممارسة الضغوط على المملكة لوقف حرب اليمن، فكان قرار إنهاء الدعم الأميركي لعملية الحزم ضد الحوثيين في اليمن، وازالة التصنيف الإرهابي عنهم بين ليلة وضحاها، وذلك من دون اي مشاورات مع السعودية المفترض أنها الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.

وفي 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، قدّم نواب من الكونغرس الاميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مشروع قرار لإيقاف صفقة اسلحة للمملكة، بقيمة 650 مليون دولار، تتضمن اسلحة دفاعية، كانت ضرورية للسعودية لمواجهة هجمات الحوثيين بالصواريخ والمسيرات. ووصفت "وول ستريت جورنال" النتائج المباشرة، لقرارات بايدن بالقول، "رد الحوثيون هدية بايدن بإرسال طائرات مسيرة وصواريخ لمهاجمة حقول ومدن نفطية في السعودية وحليفتها الإمارات"، وبالطبع لم يكتف الحوثيون بهذا الرد، بل رفضوا التجاوب مع مساعي المبعوث الدولي لوقف إطلاق النار، والعودة الى طاولة المفاوضات السياسية لانتاج حل سياسي يؤدي إلى وقف الحرب، كما رفضوا الاستجابة لكل المبادرات التي اطلقتها السعودية لوقف الحرب، وكان آخرها الدعوة الموجهة لجميع الاطراف في اليمن بمن فيهم الحوثيون، للتشاور في الرياض حول سبل وقف النزاع والتوصل الى حلّ سياسي. 

استراتيجية بايدن الدبلوماسية رهينة إيران وميليشياتها

تعاملت السعودية بحكمة مع سياسة ادارة بايدن، فاستجابت لرغبة الاميركيين بترحيل مطلب إعادة إدراج الحوثيين مرة أخرى على لائحة الارهاب، واستأنفت جولات المباحثات المباشرة مع طهران التي تقف وراء الحوثيين، لكن الحذر السعودي بقي قائماً ولاسيما عندما ظهر التماهي الاميركي - الاوروبي في ادارة الظهر الى الحلفاء والرهان على تطبيع العلاقات مع طهران على حساب مصالح الحلفاء. ومن الواضح أن عيون الاميركيين والاوروبيين خاصة تتطلع الى ما تمثله السوق الايرانية من فرص لشركاتهم التي خرجت من الاسواق الروسية. لكن من المستغرب، ان تتزامن الاعتداءات الحوثية بالصواريخ والمسيرات على المنشآت النفطية والمدنية في السعودية في الاسبوع الاخير من آذار/مارس، مع عدم تجاوب المملكة مع مساعي بايدن وادارته لتعويض اسواق الطاقة عن النفط الروسي، الذي يواجه العقوبات الاميركية والبريطانية والكندية. ومن المستغرب ايضاً، اكتفاء المسؤولين الاميركيين بتصريحات الاستنكار، وعدم قيامهم بأي خطوات عملية، لوقف الهجمات على منشآت أرامكو، التي تستهدف أمن الطاقة السعودي والعالمي، وهم الذين يملكون اسطولاً قادراً على تنفيذ قرار مجلس الامن بمنع ايران من تزويد الحوثيين بالاسلحة، علماً أن ادارة بايدن تعمل ليلاً نهاراً بعد الغزو الروسي لاوكرانيا وتقوم بالاتصالات الدولية المكثفة، من اجل الحفاظ على استقرار وأمن اسواق الطاقة. ما هو تفسير الكيل بمكيالين؟ ولماذا لم يتحرك الأميركيون لوقف استهداف منشآت الطاقة السعودية؟ وهل اصبحت إيران في الموقع الذي يسمح لها بفرض معادلة النفط الايراني مقابل امن النفط السعودي؟ وهل من سر اميركي - ايراني وراء هذه الاعتداءات؟ 

من الطبيعي أن تسأل القيادة السعودية وفق هذه التطورات، ماذا بقي من الالتزامات الاميركية تجاه السعودية؟ وماذا بقي من وعود وزير الدفاع الاميركي التي اطلقها في مؤتمر المنامة الاخير، والتي تناول فيها مخاطر المسيرات التي تزود ايران ميليشياتها بها والقرارالاميركي بالتصدي لها ؟ 

على اي حال، تراقب المملكة بحذر كبير سعي بايدن إلى إبرام اتفاق نووي جديد، اذ من المتوقع أن يحرر هذا الاتفاق لطهران موارد اقتصادية ما بين 90 و 120 مليار دولار، الامر الذي يتيح لها الموارد اللازمة لتمويل ميليشياتها، والاستمرار بحروب الوكالة ضد المملكة، كما تراقب بقلق شديد، المعلومات التي تفيد بأن ادارة بايدن تدرس إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب. المملكة وحلفاؤها في المنطقة ولاسيما مصر والامارات العربية المتحدة، قلقون ايضاً من التنازلات الاميركية في عدم ربط الاتفاق بإزالة تهديد الصواريخ الباليستية، والتوقف عن سياسة زعزعة الاستقرار في المنطقة. والاسئلة المتعلقة بهذا المنحى من التنازلات، تثير الشكوك في نوايا واستراتيجية ادارة بايدن، حول مستقبل النظام الاقليمي والدور الذي تتهيأ هذه الادارة الاعتراف به  لطهران، كما إن عدم ممارسة الضغوط على الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات، تثير الشكوك ايضاً من وجود استراتيجية اميركية غير معلنة، بهدف إستنزاف السعودية وإرغامها على تقديم تنازلات، وإضعاف موقعها في النظام الاقليمي المرتقب، بعد اعادة التموضع العسكري الاميركي، الذي يجري وفقاً لاستراتيجية التركيز في المحيطين الهندي والهادىء. لكن، من اليوم حتى موعد الانتخابات الجزئية للكونغرس الاميركي، فإن العديد من التطورات تنتظر المنطقة، وقدرة بايدن على الاستمرار في هذه السياسة ستكون موضع اختبار كبير في ضوء ما تشهده المنطقة من ديناميكية لاعادة هندسة الامن الاقليمي، مقابل التحديات التي تطرحها ايران وميليشياتها. وخيارات القيادة السعودية متعددة ولديها الكثير من الاوراق للتعامل مع التهديدات لحماية أمنها القومي والحفاظ على مكانتها الاقليمية.