الشامي يؤكد والشامي ينفي: غلطة الشاطر في زمن الشبهة والالتباس!

  • 2022-04-05
  • 15:43

الشامي يؤكد والشامي ينفي: غلطة الشاطر في زمن الشبهة والالتباس!

  • علي زين الدين

​  

أبعد من الضجّة الصاخبة التي أحدثتها تصريحات متناقضة لنائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي بشأن افلاس الدولة والبنك المركزي، بدا واضحاً أن غلطة "الشاطر" مكلفة، وما يصدر عنه من اشارات أو كلام لا يشبه مطلقاً في تأثيره ومفاعيله، ما ينطبق من أوصاف الملل وعدم المبالاة التي تصاحب تصريحات أغلب السياسيين.

تكشف المقاربات الرسمية في ميادين حساسة مدى الهشاشة البالغة لادارة الدولة وشؤونها، والتغليب المتوالي للأمزجة على العقلانية ولمنهجية الهروب الى الأمام من دون التحسب لما تحدثه من فرك بالملح لجروح الناس الجائعين واللاهثين خلف سراب أموال ضائعة في المداخيل والمدخرات.

نفى الشامي لجريدة "النهار"، ما جهر به لمحطة "الجديد" قبل اكتمال يوم واحد. لكن مفاعيل ما أدلى به تعدى الميدان المحلي، ليتحول "المانشيت" في صحف خليجية و"العاجل" في محطات التلفزيون العربية.

قال بأن "الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان وللأسف الخسارة وقعت"، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانهالت عشرات الاتصالات على السراي الحكومي والهاتف المحمول الخاص لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ليخرج الشامي نفسه بتصريح مغاير تماماً ويقول "إن حديثه اجتزأ من سياقه حين كان يجيب على سؤال حول مساهمة الدولة ومصرف لبنان في تحمّل الخسائر، فاعتبر أن في إمكانهما تحمّل جزء لكن وضعهما الصعب لا يسمح بتحمل الكثير لردم الهوة. 

وسأل الشامي: "من أنا لأعلن إفلاس الدولة؟، الحديث مجتزأ، ضميري مرتاح ونعمل بكل طاقاتنا لانجاز خطة تعاف اقتصادية ولابرام اتفاق مع صندوق النقد في أقرب وقت". واستغرب الموضوع من ناحية قانونية وشكلية، فـلستُ المرجع الصالح لاعلان أمر مماثل"، مضيفاً "نحن في وضع مالي صعب ولدينا تعثّر في سداد الديون ومشاكل أخرى نأمل معالجتها عبر خطط إصلاحية مناسبة، لكن الأمر لا يعني إعلان الافلاس". 

ولاحقاً، أوضح حاكم مصرف لبنان، أنّ "ما يتم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي غير صحيح. فعلى الرغم من الخسائر التي أصابت القطاع المالي في لبنان، والتي هي قيد المعالجة في خطة التعافي التي يتم إعدادها حالياً من قبل الحكومة اللبنانية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ما زال مصرف لبنان يمارس دوره الموكل إليه بموجب المادة 70 من قانون النقد والتسليف وسوف يستمر".

وفي النص، يرد في المادة 70: مهمة مصرف لبنان العامة هي المحافظة على النقد لتأمين اساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم وتتضمن مهمة المصرف بشكل خاص، المحافظة على سلامة النقد اللبناني، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، والمحافظة على سلامة اوضاع النظام المصرفي، وتطوير السوق النقدية والمالية، على ان يمارس المصرف لهذه الغاية الصلاحيات المعطاة له بموجب قانون النقد والتسليف.

في المضاهاة، لا يجوز حكماً وضع الخطأ اللفظي على مشرحة المزايدات. فالرجل يحوز رصيد علمي كبير وثقافة واسعة وما يكفي ويزيد من خبرات مالية دولية لإجادة توصيف ما يريد التعبير عنه. ومن الواضح ان اشارته تدل على ضحالة السيولة لدى الدولة ولدى البنك المركزي المثقل بالتزامات آنية ولاحقة تتعدى الموجودات من مخزونه السائل.

وفي التحليل الموضوعي، الدول تتعثر ولا تفلس. كيف لدولة لبنان أن تفلس وهي تملك حقوقاً سيادية واصولاً مادية ظاهرة (عقارات ومرافق ومؤسسات منتجة) وموجودات مبطنة (بعضها في أعماق المياه الاقليمية) بمئات مليارات الدولارات. الحقيقة ان المال السائب في خزائن الدولة وموازناتها ومؤسساتها وديونها، شرّع كل أبواب الهدر والفساد. وعندما انفجرت الأزمات استبدل أصحاب القرار ضرورات الاصلاحات الهيكلية بأولويات المحاصصة والسيطرة على مفاصل القطاع العام ومؤسساته، وضربوا عمداً بكل النصائح والمبادرات الشقيقة والدولية التي سعت الى انتشال البلاد وسكانه من المستنقع.

في حالة لبنان، فإن الوصف الأدق ان الدولة منهوبة وتغوص في مشكلة سيولة حفرتها بنفسها حين أقدمت الحكومة السابقة برئاسة حسّان دياب، قبل سنتين، على تعليق دفع سندات الدين الدولية، وتسببت فوراً باستحقاق كامل المحفظة وبعزل القطاع المالي المحلي عن اسواق المال والتمويل الدولية.

ثم اقدمت الحكومة ذاتها لاحقاً وتمدداً خلال فترة الاستقالة وتصريف الأعمال، على تبديد ما لا يقل عن 15 مليار دولار تم انفاق ثلثيها لصالح التهريب والاحتكار عبر سياسات الدعم العقيمة. ولدى حاكمية البنك المركزي ما يكفي من محاضر اجتماعات وتصريحات رسمية وقرارات استثنائية موقعة من اعلى مسؤولي السلطة التنفيذية تغطي هذه المصاريف والمكرمات.

اما مصرف لبنان فهو مؤسسة مستقلة من القطاع العام. وهو أيضاً لا يفلس، انما يعاني من خلل غير مستتر في ادارة موجوداته ومطلوباته جراء الأزمة الحاضرة بكل مكنوناتها النقدية والمالية، ورغم كل النزف والتبديد المقصود لا يزال بحوزة البنك المركزي احتياطات سائلة تقارب 11 مليار دولار، ومخزون ذهب يتعدى 18 مليار دولار، ومئات العقارات، وشركة طيران، وكازينو. والأهم حق اصدار النقد.