لبنان: الدولة تضرب الليرة تحت الحزام

  • 2022-02-14
  • 16:34

لبنان: الدولة تضرب الليرة تحت الحزام

اقتراح رئاسي بتحويل فوائد سندات الخزينة لتمويل عجز الكهرباء

  • علي زين الدين

 

تتحضّر الدولة اللبنانية للإحتفاء بطريقة استثنائية بذكرى مرور سنتين على قرار حكومة الرئيس حسّان دياب اوائل شهر آذار/مارس من العام 2020، بإخراج البلد وقطاعه المالي من الاسواق المالية الدولية عبر اعلان تعليق سداد شريحة دين مستحقة بالدولار، ما أوجب استحقاق كامل أصول وفوائد محفظة سندات الدين الدولية ( اليوروبوندز)، والبالغة نحو 31 مليار دولار موزعة حتى العام 2037.

ففي سابقة غير معهودة عالمياً في تجارب الدول التي تعرضت للتعثر المالي، اقترح رئيس الجمهورية ميشال عون في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء وقف دفع الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، وتحويل المستحقات بنسبة الثلثين الى مؤسسة الكهرباء وبنسبة الثلث لتحسين مداخيل موظفي القطاع العام.

واذ يتغافل أهل الحل والربط والقضاء - حتى الساعة - عن الوصف الجرمي لاشهار افلاس الدولة ووضع الملف بحيثياته وتفاصيله قيد التحقّق والمساءلة القانونية، ولاسيما ان الخيارات المتاحة آنذاك كانت تكفل وقاية البلاد من شرور انطلاق صاروخي وبلا كوابح لكرة نار الازمات النقدية والمالية، فإن التطور الجديد الذي ينزع حتى ورقة التين عن النقد الوطني المنكوب بتآكل نحو 95 في المئة من قيمته، قد يفضي الى تقويض الرمق الأخير من آمال التعافي ونزف ما تبقى من قدرات ومؤسسات ومدخرات على مذابح الكيديات والشعبوية والمحاصصات في ادارة الدولة والاقتصاد وشؤون الناس.

فضمن مداخلته الاستهلالية لجلسة مجلس الوزراء يوم الخميس الفائت تنبّه رئيس الجمهورية الى "أن مشروع الموازنة يلحظ مبلغ 7600 مليار ليرة فوائد، منها 1200 مليار ديون طويلة المدى لمؤسسات دولية، ومبلغ 6400 مليار سوف تعود فوائد بنسبة الثلث للمصارف والثلثين لمصرف لبنان، مع العلم أن مشروع الموازنة لم يلحظ فوائد على اليوروبوندز. وبناء عليه، يفترض عدم دفع فوائد على الديون الداخلية لمصرف لبنان والمصارف، إسوة باليوروبوندز، وتوزيع مبلغ 6400 مليار بمعدل 2/3 للكهرباء، بدلاً من السلفة الملحوظة، والباقي زيادة معاشات للقطاع العام".

ونظير ما رافق الجلسة من التباسات سياسية جانبية بشأن مشروع الموازنة والتعيينات العسكرية ، فقد مرّ هذا الاقتراح بيسر في البيان الرسمي المنشور على موقع رئاسة مجلس الوزراء ومن دون تعليقات تتصل به، لا من قبل الوزراء خلال الجلسة ولا من قبل الأطراف الداخلية بعدها، وبذلك ضاعت الطاسة في مقاربات مسؤولين في القطاع المالي تواصل معهم موقع " أوّلاً-الاقتصاد والأعمال "، بين متخوف من ادراجه كبند جديد لجلسة الكهرباء المنفصلة، وبين متوجس من تحويله غفلة الى قرار مالي تتخذه الحكومة او وزير المال.

مسؤول مصرفي اختار وصف "الخازوق" المالي للاقتراح الملتبسة صيغته بين فكرة مبتكرة عابرة وبين استكمال القرار "الهمايوني" بإحكام اغلاق كل منافذ "الاوكسجين" المالي وتقويض مؤسسات هذا القطاع الحيوي الذي كان الى أمد قريب ركيزة اساسية للبلد واقتصاده، بل إن شغف الاقتصاص يتدرج صعوداً من أشخاص بعينهم الى بنية المؤسسات ووظائفها، ما يطيح بأي جهود لكسر العزلة المالية التي بلغها البلد وقطاعاته الحيوية.

وليس عابراً في السياق، الاصرار على تمويل مؤسسة الكهرباء بأي ثمن مادياً كان أم تشويهاً متعمداً للسمعة المالية ومؤسساتها ورموزها. ففي حمأة التهويل القضائي الموجه ضد حاكم البنك المركزي رياض سلامة، بدا الاقتراح – الابتكار ضخاً لكتلة تعقيدات جديدة تصيب ميزانية البنك المركزي بوصفه سيصبح الممول الوحيد للدولة، وربطاً تزخيم خسائره بعدما تم تبديد كامل احتياطاته من العملات الصعبة عبر القرارات الاستثنائية ذات الصلة بالإنفاق على الدعم ومصاريف الدولة الخارجية وتحميله منفرداً مسؤولية ايقاف تدهور الليرة وكبح المضاربات على سعر الصرف.

ومع اقتضاء رياح الشعبوية إلقاء بعض الأثقال المستجدة على الجهاز المصرفي، استسهل مزودو البيانات لاقتراح الرئاسة تخصيص المصارف بنسبة الثلث من عوائد سندات الخزينة بالليرة، فيما تثبت الاحصاءات المنجزة ان حصتها مع موكليها من مؤسسات وصناديق وزبائن تقتصر على نسبة 24 في المئة وليس 33 في المئة من اجمالي الديون الحكومية بالليرة والبالغة نحو 91.5 تريليون ليرة، مقابل نسبة 14 في المئة للقطاع غير المصرفي ونسبة 62 في المئة للبنك المركزي.

وبموجب هذا التوزيع الذي يشمل خصوصاً توظيفات أموال صندوق الضمان الاجتماعي وصناديق تقاعد وتعاضد لنقابات مهنية بينها القضاة والمهندسون والأطباء وسواهم، ضاعت شخصية من يتحمل " الغرم " المقصود ، لقاء التحديد الصريح لجهة " الغنم " والمتمثل بمؤسسة الكهرباء ذات الشهية اللامحدودة على سلف الخزينة وأموال الدولة بحصيلة تعدّت 23 مليار دولار في السنوات الماضية.

ولا ضير في النتائج المحققة، ان لا يصل التيار الا بحدود ساعة او إثنتين للمستهلكين المكتوين بالكلفة الباهظة للاشتراكات بالمولدات الخاصة، فيما تواصل المؤسسة الاستدانة من الدولة مباشرة او بالتمويه، الى جانب قروضها المستجدة من فيول العراق حالياً وكهرباء الاردن وغاز مصر لاحقاً عبر استجداء تمويلات جديدة من البنك الدولي.

وفي التداعيات الجانبية، لا يتردد المسؤول المصرفي بالإفصاح: "لقد بلغنا مرحلة انعدام الوزن، وما نشهده من تأجيج عوامل المخاطر يكاد يخرج تماماً عن سيطرة السلطة النقدية وادارات البنوك. فمع تعليق دفع مستحقات الديون الحكومية المحررة بالدولار قبل نحو سنتين، اجبرنا على شبه تصفير معدلات العوائد على توظيفات العملاء بالعملات الاجنبية. والآن جاء دور التوظيفات بالليرة، وهذا ما يمثل خطورة مزدوجة كونه يفضي الى تعقيم الاستثمار ويحول التوظيفات الى اعباء لدى الجهاز المصرفي، ولا سيما في ظل تقلص فرص التمويل الموجهة الى القطاع الخاص الى ادنى مستوياتها ان لم نقل انعدامها".

ايضاً، يقدر ان حجم الأموال التي يوظفها صندوق الضمان لدى البنك المركزي والجهاز المصرفي بأكثر من 11 تريليون ليرة، وهو يعتمد، بقرار من مجلس ادارته،  نظاماً لتوظيف الأموال ولموجودات تعويضات نهاية الخدمة في سندات الخزينة بنسبة لا تقل عن 50 في المئة من الارصدة ، ويودع النصف الآخر لقاء فوائد في المصارف لمدة أقصاها سنة، وهذه الأموال موزعة على جميع المصارف العاملة ضمن نسب محددة تتعلق برأس مال المصرف وذلك من أجل توزيع المخاطر.