محافظ البنك المركزي الموريتاني: تمويل الاقتصاد وتعزيز مناعة المصارف

  • 2022-01-03
  • 12:48

محافظ البنك المركزي الموريتاني: تمويل الاقتصاد وتعزيز مناعة المصارف

  • عاصم البعيني
نجح البنك المركزي الموريتاني في إرساء سياسة نقدية متوازنة ساهمت في التكامل مع السياسة المالية ووضع حلول للتحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد إلى جانب توفير استقرار غير مسبوق على مستوى القطاع المصرفي وتعزيز مناعته، لتعكس النتائج نجاح البنك في إدارة هذه المرحلة مع التخطيط بعناية للمرحلة المقبلة، ومواكبة المتطلبات والمعايير الدولية المعتمدة في الصناعة المصرفية بصفة عامة. فما أبرز الخطوات المتخذة خلال المرحلة الماضية، وكيف يخطط البنك للمرحلة المقبلة؟ 
  
استجابة منه لمواجهة أزمة كورونا، بادر البنك المركزي إلى إطلاق حزمة من الإجراءات ضمن سياسته النقدية، للحدّ من انعكاسات الصدمات الخارجية على سيولة النظام المصرفي وتمويل النشاط الاقتصادي. 

مبادرات حيوية 

واتخذ البنك المركزي في شهر آذار/مارس 2020 عدداً من الإجراءات الرامية إلى توفير السيولة المصرفية وتمويل الاقتصاد، واعتمد مجلس السياسة النقدية حزمة من المبادرات، كان من بينها خفض الفائدة المركزية إلى 5 في المئة مقارنة بـ 6.5 في المئة سابقاً. وكذلك، خفض مستوى الاحتياط الإلزامي إلى 5 في المئة عوضاً عن 7 في المئة، وشملت الإجراءات تجميد الأرصدة الإلزامية بالأوقية المطلوبة لتغطية الاعتمادات المستندية الخاصة بتوريد المواد الأساسية، وكذلك اعتماد آلية للحماية من تقلبات أسعار الصرف الناتجة عن التغير بين سعر الصرف الآجل وسعر الصرف الآني (swap) وبنسبة فائدة صفرية. 
وبعد ملاحظة ارتفاع السيولة المصرفية اعتباراً من الربع الثالث، أقرّ مجلس السياسة النقدية رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي إلى 6 في المئة في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020 للحدّ من الضغوط التضخمية.
ويقول محافظ البنك المركزي الموريتاني الشيخ الكبير مولاي الطاهر إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" إن البنك المركزي يتابع عن كثب التطورات الحالية لأوضاع القطاع المالي، وسيوجه عند الضرورة أدوات السياسة النقدية نحو المزيد من ضبط السيولة وجعلها عند مستويات ملائمة تحقق الشروط المثلى لتمويل الاقتصاد.

التعامل مع التضخم 

أدى التعافي المسجل في الاقتصاد العالمي إلى تسارع وتيرة الضغوط التضخمية، ومما زاد من حدة هذه الضغوط، عدم كفاية العرض، وتسارع وتيرة زيادة أسعار السلع الأولية، فضلاً عن تعثر سلاسل الإمداد وارتفاع كلفة الشحن. 
وتركت هذه التطورات انعكاساتها على الدول النامية التي قفزت فيها أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، متجاوزة 40 في المئة، وفق تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
وفي موريتانيا، بدأت تنعكس القفزات المسجلة خصوصاً في أسعار المواد الغذائية على معادلات التضخم، حيث ارتفع مؤشره خلال شهر أيلول/سبتمبر من العام 2021 إلى نحو 2.7 في المئة مقارنة بنحو 2.3 في المئة في شهر كانون الثاني/يناير من العام نفسه. وتشير توقعات البنك المركزي إلى أن تطور معدلات الضخم سيظل معتدلاً خلال المدى القصير والمتوسط، مدعومة بعوامل عدة من بينها تثبيت الأسعار والدعم الحكومي للحدّ من تطور أسعار المواد الأساسية. 

أثر النمو الاقتصادي 

بطبيعة الحال، انعكست آثار جائحة كورونا سلباً على نمو الاقتصاد، حيث سجل انكماشاً بنحو 2 في المئة خلال الجائحة، بعد أن وصلت نسبة النمو إلى 6 في المئة سابقاً، ومع بوادر عودة الانتعاش الاقتصادي، تشير توقعات البنك إلى إمكانية تسجيل نمو بنحو 3 في المئة في نهاية العام الحالي. 
هذ، وتأتي أهداف السياسة النقدية للبنك المركزي منسجمة مع هذه التوقعات بشأن النمو، ولتحقيق المزيد من المتانة والاستقرار في القطاع المالي، يركز البنك على تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي في مجال إصلاح القطاع المالي، الهادفة إلى تعميق الأسواق المالية، وتتركز الجهود الحالية حول إعداد إطار رقابة مصرفية قائم على رصد المخاطر ومتابعة تعزيز الإطار التنظيمي سبيلاً لرفع أداء ومساهمته في التنمية.

غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب 

اكتسب هذان المحوران على حيّز مهم من أجندة عمل محافظ البنك الموريتاني المركزي، وأحرزت موريتانيا تقدماً مهماً وملموساً من خلال تصحيح الاختلالات والنواقص المسجلة في القوانين والأنظمة، والتي جرى تشخيصها بعد تقييم المنظومة الوطنية الذي تم بالتعاون مع مجموعة العمل المالي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهنا يقول المحافظ:" تتواصل الجهود بشكل حثيث لتسريع وتيرة تنفيذ توصيات الإستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بمشاركة جميع الأطراف المعنية، حيث رفعت نتائج ذلك التقييم من تصنيف بلادنا في هذا المجال ضمن دول شبه المنطقة". 
ويضيف أنه وفي ما يتعلق بالشمول المالي، يجري العمل على وضع إستراتيجية وطنية بمشاركة جميع الفاعلين مشيراً إلى أن استخدام الخدمات الرقمية للدفع بواسطة الهاتف أحد أبرز محاور هذه الإستراتيجية. 

أداء القطاع المصرفي 

بالتزامن مع الخطوط العريضة لتوجهات السياسة، عكس أداء القطاع المصرفي تحسناً مهماً في ضبط الأوضاع المالية، حيث ارتفع معدل كفاية رأس مال المصارف إلى 22 في المئة مقارنة بالنسبة المطلوبة المحددة عند 12.5 في المئة. وأظهر القطاع تمتع المصارف بهامش سيولة مريح، حيث وصلت نسبة السيولة القصيرة الأجل إلى 204 في المئة مقارنة بالحد الأدنى المطلوب المحدد عند 100 في المئة، مما عزز السيولة المصرفية زيادة الودائع بنحو 12 في المئة. وفي ما يتعلق بتوقعات حول أداء القطاع خلال الفترة المقبلة، يلفت محافظ البنك المركزي الموريتاني إلى أنه "من المتوقع أن تستمر مؤشرات أداء القطاع المصرفي في التحسن بنسب تتراوح ما بين 10 و15 في المئة سنوياً". 

بين الرسملة والإقراض 

في سبيل الموازنة بين التوجهات الرقابية الخاصة بالمحافظة على معايير الرسملة وتشجيع المصارف على الإقراض، أقرّ البنك المركزي أخيراً عدداً من النصوص التطبيقية تغطي جميع المجالات التي ينص عليها قانون مؤسسات القرض الصادر في العام 2018.
كما جرى تعديل النص المتعلق بتصنيف القروض وإنشاء مخصصات تحوطية وكذلك النص المتعلق بلجان التدقيق والائتمان والمخاطر والتثبت من التقيد بمعايير نزاهة أعضاء المجالس واللجان في البنوك، وتمت كذلك مراجعة نظام العقوبات وتعديله توخياً للمزيد من الفاعلية والردع.
وبالنسبة الى السياسة الاحترازية المتبعة، اتخذ البنك عدداً من الإجراءات الرامية إلى تعزيز قدرة المصارف على التكيف مع الظروف الطارئة عبر إلزامها بتوفير مستويات من الاصول الذاتية تكفي لمواجهة الآثار السلبية للجائحة وخصوصاً تعليق توزيع الأرباح عن العام 2019. 
من جهة أخرى، جرى رفع الحد الأدنى لرؤوس أموال المصارف إلى مليار أوقية مقارنة بـ 0.6 في المئة أوقية وأصبحت هذه الخطوة نافذة من شهر آذار/مارس من العام 2020، كما إن البنك المركزي أقرّ رفع رصيد صندوق ضمان الودائع إلى مليار أوقية خلال السنوات الخمس المقبلة.
ومع ذلك، يبقى نجاح القطاع المصرفي في مهمة تمويل الاقتصاد الوطني بالشكل الأمثل في صميم أولويات البنك المركزي. وهنا يوضح محافظ البنك المركزي أن الموازنة بين زيادة القدرة على الإقراض والمحافظة على احترام النسب الاحتياطية خصوصاً ما يتعلق منها بكفاية رأس المال والسيولة أحد أهم التحديات التي يسعى البنك المركزي لتجاوزها. 

وعلى هذا الأساس، فقد تمحورت خطة العمل المتبعة حول زيادة قدرة المصارف على تعبئة الموارد المالية اللازمة للقيام بهذا الدور وذلك من خلال أربعة محاور:

  1. رفع قدرة البنك المركزي على توسعة عمليات إعادة التمويل من خلال قبول الإئتمانات المهنية أي محفظة قروض الشركات والمهنيين كضمانة للحصول على إعادة التمويل مع العلم أن سندات الخزينة كانت الضمان الوحيد المقبول للولوج الى عمليات إعادة التمويل، حيث يمنع ذلك بعض البنوك التي لا تمتلك أذونات من الحصول على هذه التمويلات.
  2. إنشاء وتفعيل الإطار القانوني لمنح السيولة الاستعجالية استثنائياً وحسب معايير البنوك التي تواجه أزمة سيولة ظرفية.
  3. زيادة مكون الأموال الذاتية في المصادر المالية للمصارف من خلال زيادة الحد الأدنى لرأس المال من مبلغ 600 مليون أوقية إلى مليار أوقية أي بزيادة 67 في المئة.
  4. العمل على رفع ثقة العملاء المحليين والشركاء الماليين الدوليين في القطاع المصرفي الوطني من خلال تطبيق المعايير الدولية الاحترازية والحفاظ على صلابته.

تشجيع المصارف على زيادة إقراضها 

وفي المحور المتعلق بتشجيع المصارف على زيادة إقراضها، كانت هناك مبادرات عدة من بينها إنشاء صندوق لضمان القروض المصرفية في شهر أيار/مايو الماضي وكذلك، التوقيع على اتفاقية الشراكة مع المساهمين فيه وصياغة نظامه الأساسي، كإطار لتقديم ضمانات تسمح للمصارف بالحدّ من مخاطر تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ووضع نظام لإدارة المخاطر يستجيب للمعايير الدولية، وتزويد النظام المالي الموريتاني بخدمات تتيح ضمان وتعبئة الموارد لتمكين البنوك من الحصول موارد طويلة الأجل، فضلاً عن متابعة عمليات تحصيل الديون المتعثرة.
ويقول محافظ البنك المركزي "نعمل على تسهيل علاقة المصارف بالهيئات المالية العربية والدولية المتخصصة من أجل الحصول على خطوط ائتمان، وتقديم قروض ميسرة للشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصاً الناشطة في بعض القطاعات الحيوية كالصناعة الاستخراجية، والحرص على وضع قواعد شفافة وناجعة لتسيير هذه القروض.