ماكرون في السعودية: هنا بوابة الدخول الى المنطقة

  • 2021-12-11
  • 10:46

ماكرون في السعودية: هنا بوابة الدخول الى المنطقة

  • أحمد عياش

جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخليجية الأخيرة، والتي توجها بزيارة المملكة العربية السعودية ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أعادت تصويب النظرة الغربية عموماً، والفرنسية خصوصاً، الى موقع المملكة على الصعيد الإقليمي والدولي، وقد اختصرت المصادر الدبلوماسية الفرنسية نتائج هذه الجولة بكل محطاتها قائلة:"من الصعب تصور دور فعال لفرنسا في المنطقة، إن لم تكن هناك علاقات مع السعودية،" على ما أفادت به قناة "فرانس 24" التلفزيونية الدولية.

صفحات عدة فتحتها المحادثات السعودية-الفرنسية في جدة، ويمكن الدخول الى هذه الصفحات من البيان المشترك الذي صدر بعد هذه المحادثات. فقد عنونت وسائل إعلام فرنسية الجانب الاقتصادي فيما انتهت اليه زيارة أول رئيس دولة غربية كبرى للمملكة منذ أعوام، بعبارة "عقود تجارية ضخمة".

وقبل الدخول في تفاصيل هذه العقود، لا بدّ من التوقف عند الحدث الآخر، الذي جاء بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس ماكرون للمملكة. وهذا الحدث، سواء أكان بمحض الصدفة، أم جاء لأسباب أخرى، فقد تمثل بإقرار الكونغرس الأميركي وبإجماع كبير من الحزبيّن الديمقراطي والجمهوري صفقة الأسلحة إلى السعودية، والتي بلغت قيمتها 650 مليون دولار، كما صوّت المشرعون في مجلس الشيوخ لصالح إقرار الصفقة فوافق 67 منهم عليها مقابل معارضة 30 سيناتور فقط. وإذا كانت هناك من دلائل لهذا الحدث، فمن بينها، ولعله أبرزها، تبدّل إتجاه الرياح التي هبّت بقوة قبل أعوام، فانقلبت من متشنجة الى مؤاتية كي يعود صنّاع القرار في الولايات المتحدة الى إدراك الموقع الجيوستراتيجي للسعودية، ما يعني تغييراً ملحوظاً في العلاقات بين المملكة والغرب عموماً، وبين واشنطن والرياض خصوصاً.

إذاً، أتت زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة فاتحة لتغيير في العلاقات بين المملكة والغرب بعد الملابسات التي أثارتها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي سنة 2018 في إسطنبول. ولم يكن مفاجئاً ان الرئيس ماكرون الذي اصطحب معه الى جدة وفد أعمال ضم نحو 100 شركة، عاد الى بلاده بعد توقيع عقود تجارية عدة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية.

فقد أبرمت شركة "إيرباص" الأوروبية صفقة لبيع 26 مروحية مدنية إلى شركة سعودية في ما وقعت شركة "فيوليا" الفرنسية عقداً لإدارة خدمات مياه الشرب في الرياض. وأفادت "إيرباص" في بيان أنه غداة توقيعها اتفاقية لبيع 12 مروحية عسكرية من طراز "كاراكال" إلى الإمارات، أبرمت في جدة عقداً لبيع 26 مروحية، 20 منها من طراز "إتش 145" و6 من طراز "إتش 160" لشركة الطائرات المروحية السعودية، ولم تكشف عن قيمة الصفقة.

إلى ذلك، وقّعت شركة "فيوليا" الرائدة عالمياً في مجال المياه والنفايات، عقداً لإدارة خدمات مياه الشرب والصرف الصحي في الرياض و22 مدينة مجاورة، ويمثل هذا العقد الذي يمتد سبعة أعوام، عائدات بقيمة 82,6 مليون يورو، بحسب الشركة الفرنسية.

كما وقّعت "فيوليا" "اتفاق شراكة استراتيجية" مع وزارة الاستثمار السعودية "لتحسين الأداء التشغيلي والتجاري وفي مجال الطاقة لقطاع المياه في أنحاء البلاد"، إضافة إلى توسيع روابطها مع شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة، فقد أصبحت المجموعة الفرنسية "الشريك الحصري" لأرامكو في معالجة نفاياتها الصناعية والعادية، أي 200 ألف طن سنوياً تُضاف إلى 120 ألف طن من النفايات الخطرة التي تتكفل بها أصلاً فيوليا.

ووفق ما أوردته صحيفة "الشرق الأوسط"، فقد شهدت الرياض وباريس، في الفترة الأخيرة، زيارات متبادلة كانت بمثابة أرضية صلبة لجني ثمار مباحثات جدة. ووقّعت الرياض وباريس، اتفاقية تعاون مشتركة في مجال الطيران المدني والنقل الجوي، واللوجيستيات والتكنولوجيا والرقمنة، الى جانب التعاون في مشاريع السلامة والأمن في قطاع الطيران، لتعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات منظومة النقل والخدمات اللوجيستية كافة، والاستفادة من التقنيات الحديثة والمستقبلية في تطوير وسائط النقل المتعددة، والإسهام في تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية.

وليس بعيداً عن هذه التطورات، فقد استعادت النيويورك تايمز مواقف الرئيس ماكرون عندما تولت أخيراً تغطية نبأ إفراج السلطات الفرنسية عن مواطن سعودي جرى توقيفه خطأ في باريس على خلفية قضية الصحافي خاشقجي. فلفتت الصحيفة أولاً الى ان هذا الخطأ في مطار باريس جاء بعد أيام فقط من توقف الرئيس الفرنسي في جدة بالمملكة العربية السعودية للقاء الأمير محمد بن سلمان. وأشارت الى ان الرئيس ماكرون دافع عن الزيارة في وجه منتقديه، قائلاً "إن المملكة العربية السعودية لاعب رئيسي في المنطقة"، وأضاف: "من يستطيع أن يفكر لثانية واحدة أنك تساعد لبنان، وأنك تحافظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، إذا قلت "لم نعد نتحدث إلى المملكة العربية السعودية"، البلد الاكبر والأكثر أهمية في الخليج؟".

 لم يفت البيان المشترك الذي صدر في أعقاب لقاء جدة "أشاد الجانبان بما تحقق منذ زيارة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي لفرنسا العام 2018، من نتائج إيجابية ومثمرة أسهمت في توسيع نطاق التعاون بين البلدين في شتى المجالات."أما في الشأن الاقتصادي، فقد "أشاد الجانبان بمتانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، واتفقا على أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتبادل الخبرات، وتطوير القدرات البشرية، واستغلال الفرص النابعة من رؤية المملكة 2030، والخطة الاقتصادية لفرنسا 2030 في العديد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك".

بعد أربعة أعوام، تعود المياه الى مجاريها، ليس فحسب بين باريس والرياض بالمعنى الحرفي، وإنما عادت بالمعنى المجازي الى جوهر العلاقات بين المملكة والغرب إنسجاماً من واقع تمثله السعودية في الجغرافيا السياسية والاقتصادية إقليمياً ودولياً.