الشركات الكويتية التكنولوجية الناشئة: نفطٌ شبابيٌ جديد

  • 2020-02-17
  • 17:57

الشركات الكويتية التكنولوجية الناشئة: نفطٌ شبابيٌ جديد

تنوع مصادر التمويل يشجع على تأسيس مزيد من الشركات

  • الكويت - عاصم البعيني

 تتسارع وتيرة استثمارات شركات رأس المال المغامر في الشركات الكويتية التكنولوجية الناشئة مستفيدة من الإقبال على الخدمات الرقمية ومعولة على نجاحات لنماذج سابقة مثل شركة طلبات وكاريدج لتوصيل المأكولات وبوتيكات لمواد التجميل التي استقطبت جميعها استثمارات من شركات عالمية أو خارجية. وفي ضوء ذلك، شهدت الكويت موجة جديدة من استثمارات لشركات محلية متخصصة في رأس المال الجريء في شركات أخرى ناشئة في قطاعات عدة، ما وفّر لها قاعدة انطلاق للتوسع والانتشار في الخليج والدول العربية.

"أولاً-الاقتصاد والأعمال" جال في على مسؤولين في شركات عدة لرأس المال الجريء وأخرى ناشئة في محاولة لرسم صورة متكاملة عما يجري في هذا القطاع. 

تغير الثقافة الاستثمارية

تعد الشركات التكنولوجية الناشئة في الكويت من الأوائل في المنطقة التي استقطبت إليها استثمارات خارجية أو شهدت عمليات استحواذ من شركات خارجية، إذ شكل شراء روكيت إنترنت الألمانية تطبيق طلبات لتوصيل الوجبات الغذائية في العام 2015 حالة إلهام لشريحة واسعة من الشباب الكويتي للتوجه نحو تأسيس شركات تكنولوجيا ناشئة. وكان محمد جعفر الذي أشرف على الشركة المستحوذ عليها نموذجاً لحالة نجاح تردد صداها في دواوين الكويت وبين شبابها. وفي هذا السياق يرى الشريك العام في شركة Techinvest فهد الشارخ أن هناك تغييراً جذرياً في الثقافة الاستثمارية لدى الشباب في الكويت عبر التوجه إلى تأسيس عشرات الشركات الناشئة العاملة في قطاعات عدة، والتخلي عن التوجهات التي اعتمدتها الأجيال السابقة كالتركيز على الاستثمار في العقار وتوظيف الأموال في البورصة انتظاراً لتحقيق عوائد نقدية وتوزيعات أرباح من أسهم محددة أو اعتماد مبدأ المضاربة على أسهم أخرى. 

 

 

محمد جعفر استثمرنا في 12 شركة باستثمارات تتراوح بين 200 و500 ألف دولار

قناعة استثمارية     

تبدو قصة الشارخ مثيرة للاهتمام، فهو خريج مدرسة والده محمد الشارخ عبر التجربة الرائدة في مجال تعريب البرمجيات عبر الشركة التي اكتسبت شهرة واسعة "صخر"، وهنا يقول أدركنا قبل سنوات إن هناك تغيراً جذرياً قادماً في التوجهات الاستثمارية، مشيراً إلى أن هذا الواقع كان دافعاً لدى الأسرة للتخارج من استثمارات عدة كانت تملكها في الكويت وخارج، وحافزاً له على المستوى الشخصي للتوجه إلى وادي السيليكون، حيث بدأ الشارخ يكوّن معالم شخصيته المهنية كمدير محافظ ومتخصص في الصيرفة الاستثمارية، فاكتسب من تلك التجربة ثقافة جديدة لم تكن معالمها قد بدأت تتكون في منطقة الخليج والعالم العربي.

وخلال الفترة الزمنية نفسها التي يتحدث عنها الشارخ، برزت تجربة محمد جعفر التي، وإن بدت مختلفة من حيث الشكل، فقد جاءت مشابهة في المضمون، إذ وبعد التخارج من طلبات تكوّنت لديه قناعة أكبر بجدوى الاستثمار في الشركات الناشئة، فأسس برأس مال عائلي شركة فيث كابيتال المتخصصة في رأس المال الجريء في بداية العام 2017 بهدف المساهمة في شركات ناشئة قائمة والعمل على تنميتها وتطويرها وتولى فيها مهام نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي. ويقول جعفر إن إطلاق الشركة استند إلى قناعة استثمارية بالشركات التكنولوجيا الناشئة، لا سيما أن شريحة واسعة من الخدمات بمفهومها التقليدي دخلت مرحلة الرقمنة، لينصب تركيزه على شريحة الشركات القادرة على نقل بعض القطاعات إلى مرحلة جديدة من النمو والتطور عبر استخدام التكنولوجيا والتحول الرقمي. 

أما حول الفلسفة الاستثمارية المعتمدة، يوضح جعفر أن الأولوية تكون لمدى جدية المبادرين المؤسسين، مع استهداف الشركات التي تجاوز تأسيسها عام إلى عامين على الأقل من نشاطها التشغيلي، وتحتاج إلى المزيد من رأس المال للانتقال إلى مرحلة جديدة من النمو، موضحاً أن الشركة استثمرت في 12 شركة ناشئة وتراوح حجم الاستثمار فيها بين 200 و500 ألف دولار، علماً أن حجم الاستثمار نفسه يتوقف على مدى مساهمة فيث كابيتال في إدارة هذه الشركات الناشئة، بحيث يكون في هذه الحالة أضخم من حيث القيمة. 

فهد الشارخ الربط بين شركات عالمية وأخرى ناشئة في المنطقة 

 

استثمارات مؤسسية

مع مرحة النضج الذي عرفته المنطقة في مجال الشركات الناشئة وتزايد وعي المستثمرين بأهمية الاستثمار فيها، قرر الشارخ العودة إلى الكويت محملاً بخبرة طويلة في هذا المجال. تزامن ذلك مع تطورات نوعية في البيئة الرقمية الخليج على وجه عبر الاستفادة من الخدمات التي توفرها الشركات التكنولوجيا العالمية، وهو ما نتج عنها انخفاض في كلفة تأسيس الشركة. وفي هذا السياق يوضح الشارخ أن تركيزه انصب على الاستثمار في شركات ناشئة ذات النشاط غير تقليدي، ليقع الاختيار على شركة Coded التي كانت تأسست في العام 2015 كأول أكاديمية متخصصة في توفير برامج التدريب عبر الانترنت في مجال البرمجة والترميز، ويضيف أن حاجة الشباب العربي إلى تعزيز معارفهم الأكاديمية في مجال البرمجة وسط غياب مؤسسات أكاديمية متخصصة كان عاملاً حاسماً في هذا الاختيار.

انضم الشارخ سريعاً إلى مجلس إدارة شركة Coded  كمستشار من دون أن يكون مولوجاً بالنشاط التشغيلي اليومي، غير أنه لعب دوراً حيوياً في رسم الاستراتيجيات العامة وساهم في استقطاب مستثمرين خارجيين مستفيداً مما كوّنه من خبرات ومقتبساً الدور الذي لعبه في الولايات المتحدة. نجحت Coded في إجراء الجولة الثانية من التمويل الأولي (Seed Money) وتُرجمت بدخول عدة مؤسسات في قائمة المساهمين بقيادة شركة KISP Ventures  احدى أذرع بيت التمويل الكويتي وذلك بمشاركة عدة مستثمرين استراتيجيين من بينها Sijam Ventures  وSirdab Lab و500 Startups من السيلكون فالي، علماً أن تقييم الشركة بلغ نحو 10 مليون دولار بعد إتمام هذه الجولة. ويوضح الشارخ بأن Coded تستعد لجولة ثالثة من التمويل من فئة A أو (Series A)، مشيراً إلى أن الشركة تخطط لاستثمار العوائد في إطلاق أكبر معهد تدريب عربي عبر الانترنت مع وجود أكثر من 200 ألف مسجلين لديها، بالإضافة إلى توقيعها عدة عقود مع مؤسسات حكومية في السعودية ودبي لتدريب كوادر وصقل مهارتهم في مجال البرمجة.    


 

عذبي ونوري العنزي تقييمنا المتحفظ لـ Just Clean بين 30 إلى 35 مليون دولار
 

Just Clean نمو سريع 

وبخلاف الشارخ فما إن تدخل مكاتب "فايث كابيتال" في أحد الأبراج الشاهقة المطلة على مدينة الكويت، حتى ترى جعفر منغمساً في عمله وسط اجتماعات متواصلة، إذ يستحوذ الاستثمار الذي أتمه عبر فيث كابيتال في شركة Just Clean ، والبالغ نحو 13 مليون دولار منذ العام 2017 على حيز مهم من اهتماماته لا سيما وأنه يتولى مهام الرئيس التنفيذي في الشركة المستحوذ عليها.  يقول الشاب:" لا نعد أنفسنا كفريق مستثمر، بل نحن فريق ذو طابع تشغيلي"، مشيراً إلى أن مثل هذه الشركات تحتاج إلى الدعم والمساعدة في مجال إعداد استراتيجية العمل التوظيف وبناء فريق العمل إدارة النفقات والمصاريف، إذ  يوفر لها فريق فايث كابيتال الدعم على الصعد كافة. ويضيف أن قطاع غسل الملابس في منطقة الخليج بنحو 3.5 مليار دولار بنمو يتراوح بين 9 و10 في المئة سنوياً، وبلغة الواثق والطموح. ويختم جعفر حديثه بالقول نتطلع للاستحواذ على حصة من إجمالي هذا القطاع عبر الانتقال والتحول إلى الخدمات الرقمية.

شكل التمويل الذي حصلت عليه جست كلين من فيث كابيتال حجر الزاوية في خطتها الطموحة والسريعة للتوسع خارج الكويت، وفي هذا السياق يوضح الأخوان المؤسسان الشريكان عذبي ونوري العنزي أن خطوة التوسع الأولى كانت نحو البحرين والإمارات في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018، حيث بدأ التطبيق يعمل على أرض الواقع في البلدين بفريق عمل ضم نحو 35 موظفاً في البحرين، وجرى في الفترة نفسها تغطية إمارات دبي الشارقة وعجمان قبل تغطي كامل أرجاء الدولة، علماً أن العمليات في البلدين تدار من الكويت. وبينما يتحدث نوري العنزي عن تفاصيل إطلاق العمليات التشغيلية في البلدين، تتفاجأ بإشارة عذبي العنزي قائلاً:" لم تكن تمر أكثر من أشهر قليلة على هذه الانطلاقة، حتى أخذتُ على عاتقي في شهر أيلول/سبتمبر 2019 حتى بدأنا نشاطنا في الدمام السعودية، إذ أظهرت الدراسات التي أجريناها أن منطقة الشرقية تعد الخيار الأنسب للانطلاق في مجال التجارة الالكترونية لتغطي خدمات الشركة تلك المنطقة الشرقية وصولاً إلى جده ثم كانت بعدها الرياض، كما شمل التوسع في الفترة نفسها دولة قطر. 

هذه الوتيرة المتسارعة تطرح تلقائياً السؤال التالي: كيف يمكن لشركة حديثة العهد أن تستوعب هذه التوسعات؟ ليأتي الجواب سريعاً من الأخوين العنزي بالتأكيد على أن طبيعة عمل التطبيق ووحدة نموذج التشغيل لجهة التعامل مع شركات متخصصة في غسل الملابس شكلت عنصراً مهماً في هذه التوسعات، وهو واقع ما كان ليتحقق لو كان الحديث عن شركة تعمل في قطاع آخر كالمطاعم أو سواها. أما إن سألت العنزي عن الخطوة التالية، فيجيب قائلاً:"نركز حالياً على النمو العضوي في الأسواق التي نتواجد فيها وتغطية بعض المناطق فيها، غير أن الأهم سيكون بالتواجد في إحدى المدن الأوروبية الرئيسية في الربع الرابع من العام الحالي، على أن يلي التوسع اوروبياً في العام 2021". أما بالنسبة إلى السؤال الأبرز الذي يتمحور حول التمويل؟ فإجابته عند العنزي الذي يكشف أن هناك خطة واقعية للإعداد لاكتتاب أولي (IPO) في غضون ثلاث سنوات، استناداً إلى تقييم أولي جرى تقديره بين المؤسسين، في حين أن تقييم الشركة يتراوح بين 30 إلى 35 مليون دولار في تقييم متحفظ.               

استعدوا لثورة الـ5G

سجلت الدول العربية خلال السنوات القليلة ارتفاعاً ملحوظاً في حجم رؤوس الأموال المغامر أو الجريء وبحسب تقرير لشركة ماغنت (MAGNiTT) المتخصصة بلغ إجماليها نحو 691 مليون دولار في العام الماضي وتوزعت على 5 دول تصدرتها الإمارات وشملت مصر، والسعودية، والأردن ولبنان والكويت والبحرين وسلطنة عُمان. وفي هذا السياق يقول محمد جعفر إن المنطقة واكبت خلال السنوات القليلة الماضية التطورات الحاصلة في الدول الغربية في توجه شركات رأس مال الجريء إلى الشركات الناشئة وذلك نتيجة زيادة وعي المستثمرين بأهمية الاستثمار في هذه الشركات والفرص المتاحة فيها متوقعاً أن يستمر هذا التوجه خلال السنوات القليلة المقبلة مع تأسيس المزيد من الشركات وتوفر فرص خيارات متعددة للتمويل. ففي الكويت على سبيل المثال جرى تأسيس الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والذي يوفر قروضاً تصل إلى نحو 500 ألف دينار (1.6 مليون دولار) متوفرة للشركات المؤسسة حديثاً أو تلك التي بدأ نشاطها التشغيلي. كما أن الفرص التي وفرتها هذه الشركات فتحت أعين شركات الاستثمار الباحثة عن فرص تحت مظلة إدارات الصيرفة الاستثمارية لديها.

هذه المقاربة التي يعتمدها جعفر، يوافق عليها الشارخ ولكنه يذهب أبعد من ذلك متوقفاً عند الثورة المتوقعة التي ستحدثها شبكات الجيل الخامس (5G)، والتي تفوق ما أحدثته ثورة الجيل الثالث (3G) والهواتف الذكية وما شكلته من نقطة انعطاف (Inflection Point)، مشيراً إلى هذا الانعطاف يتكرر بصورة أكبر مع البلوكتشاين والذكاء الاصطناعي والواقع المعزز وانترنت الأشياء سواها، التي تقود الشركات الناشئة في الغرب مع توقعات بارتفاع عددها بشكل ملحوظ، ما يشكل دافعاً لتوظيف مزيد من الاستثمارات.