كشوفات المالية العامة للبنان: نزع ورقة التين عن فشل الدولة

  • 2021-04-26
  • 10:27

كشوفات المالية العامة للبنان: نزع ورقة التين عن فشل الدولة

  • علي زين الدين

على قاعدة المضاهاة بـ "التوازي" ومقارنة "التفاح بالتفاح"، السائد الركون اليها في هذه المرحلة الأخطر في تداعياتها على معيشة المواطنين اللبنانيين ومدخراتهم، تظهر احدث البيانات الاحصائية الصادرة عن وزارة المالية اللبنانية العمق المأسوي للأزمة المالية التي انحدر اليها لبنان، بينما تنفد احتياطات البنك المركزي من العملات الصعبة. ويستمهل أهل الحل والربط انضاج الحلول الداخلية واستئناف المفاوضات المعلقة، منذ أشهر، مع صندوق النقد الدولي، برغم الاقرار الجماعي بأنه "المسعف" الوحيد الذي يمكن أن يساند "حكومة المهمة" لوقف "تحلل" الدولة والاقتصاد الوطني، وللبقاء على الحياة وعودة التواصل مع الخارج.

فبحسب البيانات المجمعة، يقدر ان يقل اجمالي واردات الموازنة عن 12 ألف مليار ليرة في نهاية العام الماضي، بتراجع نسبته 25 في المئة عن العام 2019.

وفي المقابل، يتراجع الانفاق بنسبة قريبة معززاً خصوصاً بامتناع الدولة عن تسديد أصول سندات اليوروبوندز وفوائدها المستحقة كل 6 اشهر.

هكذا تبدو التقديرات معقولة ربطاً بالأوضاع السائدة والتقلص الحاد في الناتج المحلي رقمياً من نحو 50 الى نحو 19 مليار دولار، فضلاً عن اضرار تفشي وباء "كورونا" وتداعياته على الاقتصاد والأنشطة الانتاجية كافة.

لكن المشهد ينقلب تماماً بعد اخضاع المقارنة لسعر صرف الليرة. فبالأرقام المعلنة حتى نهاية الفصل الثالث، لا يظهر انكماش الواردات من نحو 12.2 تريليون ليرة في العام 2019 الى نحو 9.3 تريليونات ليرة في العام 2020 فحسب، انما هي تستبطن الفجوة الهائلة بين قيمة تماثل نحو 12 مليار دولار في العام الأخير قبيل الانهيار وقيمة تقل عن المليار الواحد في العام الأول المكتمل في رحاب الأزمات المتنوعة، وذلك وفقاً لسعر الصرف في نهاية الفترة نفسها خلال العامين المتتاليين.

الأنكى أن هذه الفجوة مرشّحة للتعاظم أكثر فأكثر ما لم يتم التوصل الى خطة جامعة تقر بمستوى القعر، وتحدد سبل الخروج من النفق الحالك. فبرغم هذه الحقيقة الساطعة، ومع انقضاء الثلث الأول من العام الحالي، تتعزز تباعاً وقائع "ستاتيكو" المالية العامة منذرة بالتحول في أمد غير بعيد الى كرة "فوضى" تكتسب "مزايا" نظيرتها النقدية، ليتشاركا معاً الحفر في القعر والتعاظم الكمي، بحيث يطال "الشح" المالي موظفي القطاع العام والحد الأدنى من مصاريف الدولة، ويكتسبان معاً قوة الدفع على منحدرات انسداد آفاق الحلول الداخلية، ولاسيما ما يتصل بالوضع الحكومي التائه بين مهام "تصريف الأعمال" بالحدود الدنيا وبين تعذر تأليف "حكومة المهمة" الموعودة، بضغوط الشروط القصوى للأطراف المعنية.

واقعياً، تنعدم الاشارات الى امكانية انتظام المالية العامة اثر تقطع السبل بمشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي وعودته "الخائبة" الى مكتب وزير المال غازي وزني مثقلاً بالملاحظات ومطالب زيادة الانفاق. وزاد من الشك بطول المماطلة والتسويف، استباقها من قبل مجلس النواب في نهاية الشهر الأول من العام الحالي، بإقراره القانون الرقم 213 المتعلق بإجازة "جباية الواردات وصرف النفقات على اساس القاعدة الإثني عشرية اعتباراً من أول شباط 2021 ولغاية صدور موازنة العام 2021 "، ويتم ذلك قياساً على أرقام الاعتمادات المرصدة في موازنة العام 2020 على أن يؤخذ في الاعتبار ما أضيف إليها وما أسقط منها من الاعتمادات الدائمة.

واذ تتحدث جداول المالية العامة المحدثة عن مآسيها، وبمعزل عن الانتقادات الموضوعية التي جبهت مشروع القانون الذي أعدّته وزارة المال "تحوطاً" قبيل انتهاء المهلة القانونية للصرف الاستثنائي في الشهر الأول من السنة الحالية، فقد تكافأت كفتا الميزان بين "الغث " الذي أبرزه  اعتماد منهجية "الانكار" لجهة اغفال تقديرات الانفاق لحقيقة انهيار سعر صرف الليرة  والقفز فوق حقائق التقلص الشديد في الواردات ربطاً بانكماش الاستيراد وتراجع القدرات الشرائية وحاجة أكثر من 50 في المئة من اللبنانيين الى المعونة المالية التي يتوجب على الدولة مدهم بها، وبين "السمين" الذي ميّز المشروع بروحية اصلاحية قابلة للتطوير، وبحيث يمكن أن تشكل عناوين أولية لخريطة طريق لإعادة هيكلة المالية العامة، والاستجابة للمواصفات التي تطلبها المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة.

وبحسب المشروع "التائه"، قدرت وزارة المال إجمالي النفقات بنحو 18.26 ألف مليار ليرة، يضاف اليها مبلغ 1500 مليار ليرة لتمويل عجز الكهرباء، لقاء إيرادات مقدرة بنحو 14.14 ألف مليار ليرة، ما يعني نظرياً، أن العجز التقديري المجمع يناهز 5.6 آلاف مليار ليرة، وذلك رغم استبعاد أي إنفاق استثماري، وحصْر الصرف ببنود لا يمكن المساس بها كالرواتب والمصاريف الضرورية وخدمة الدين المحلي، إلى جانب تمويل عجز مؤسسة الكهرباء.

 ومع ضرورة التنويه بأن كل هذه الأرقام تعتمد السعر الرسمي للدولار البالغ وسطياً 1507 ليرات، وهو أمر صارخ بمخالفته للسعر الواقعي الذي يفوق 8 أضعاف هذا السعر، قريباً من عتبة 13 الف ليرة. حفل المشروع بفجوة بائنة، حيث تم تحييد كلفة دعم المواد الاستراتيجية والأساسية التي تخطت 6 مليارات دولار العام الماضي، أي ما يماثل نحو 75 ألف مليار ليرة بسعر السوق الموازية حالياً، وهو ما يتعدى 4 اضعاف مجموع الموازنة المقترحة وينسف أي منهجية متوازنة للتعافي عبر "التحايل " بنقل اعباء الدعم والتمويل من عاتق الموازنة الى ميزانية مصرف لبنان.